فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الأسماء والأحكام في شريعة الإسلام - الجزء الثاني

      في قيام الحجة

      فإذا عرفنا هذا، قررنا أن أصل الدين، التوحيد، لا يسلم لأحد مع عدم وقوع ناقض له، قولا أو فعلا، وأنه إن "قال أو فعل ما هو كفر، كفر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافراً" وهذ في حق المعيّن، ولا دخل للحجة فيه، إذ إقامة الحجة من تحقق الشروط، والتي رأينا أنها تكون في أحكام الواجبات والمحرمات، وبعض ما يتعلق بإثبات الأسماء والصفات. لكن أمرَ الدعوة أمر آخر. فالدعوة تكون للمشركين أصلا وغيرهم فرعاً. فإن قاطعنا أو جاهرنا بالتكفير في كلّ حال خسرنا المآل. ولها تلطف علماء الدعوة الكبار مع المخالفين والكافرين في بعض الأحوال كما فعل الإمام محمد بن عبد الوهاب

      وإقامة الحجة، لها ثلاث مراتب، إيصال الحجة، فهم الحجة وقبول الحجة أو رفضها.

      • أما عن إيصال الحجة، فإنه قد تقرر أن إمكانية وصول العلم كاف للوفاء بهذه المرتبة، بأن يكون العلم متاحا ولا مانع من تحصيله، بأحد عوارض الأهلية، مثل النوم والجنون والجهل والنسيان، أو الوجود في بيداء من الأرض أو فوق شواهق الجبال. وهذه العوارض، قد انتفت في حقّ الغالبية المطلقة من سكان الأرض في عصر الإنترنت هذا. فلا أحد، لا في بنجلاديش ولا في تورا بورا ولا واق الواق، ليس لديه انترنت، يصله بكل حدث في العالم اليوم. ولا يمكن أن يكون هناك أحدٌ، إلا النادر شديد الندرة كبعض قبائل الأمازون، لا يعرف أن هناك نبي اسمه محمد ﷺ، وأن هناك دين اسمه الإسلام. وهذا النادر يدخل تحت القاعدة الأصولية "العبرة بالشائع الغالب دون النادر"[1]، أو "النادر لا حكم له في الشرع" كما سيأتي.
      • فالحجة اليوم وصلت لكل الناس، بمعنى معرفة أنه هناك دين اسمه الإسلام ونبي اسمه محمد ﷺ. وهذا يكفي لإقامة الحجة. قال رسول الله ﷺ فيما روى مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال"وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أحد من هذه الأمة لا يَهُودِيٌّ، وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كانَ مِنْ أَصْحَابِ النار" وهذا نصّ في الموضوع. و"هذه الأمة" يعني أمة الدعوة وهي البشرية جمعاء حتى يوم البعث. فمن ليس بمؤمن في الدنيا فهو كافر على وجه القطع. أما إن وصلت الحجة، بالمعنى الذي بيّنا، فإن مسألة فهمها، بله قبولها، ليس مما يُطالب بالبحث والتنقيب فيه أحدٌ أيّا كان! فإن الشرح والتوضيح، في هذه الحال، لمن لم يُسلم بعد، هو من باب البيان للكافر في حال كفره، فَهِم أم لم يفهم. فإن فهم ما يُقال، بمعنى المعرفة المحضة وفهم مدلول الكلمات، بلغته أو بأي لغة كانت، فهذا أمر خارج عن مسؤولية الداعي، فإنه ليس مسؤولا عن إقناع الكافر بالإسلام. قال تعالى "لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ" البقرة، وقوله تعالى "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"يونس99.
      • فإذن، يظهر أن إقامة الحجة تكون ببلوغها مسمع الكافر بها، وهو ما نحسبه قائم بالفعل في الغالبية المطلقة من البشر اليوم. أما من يدّعي أنه يجب أن يتيقن المرء من بلوغ الحجة لكل فرد على حدة! بل ويقول بعض الغافلة قلوبهم أنه يجب أن يطمئن هو شخصيا لبلوغها لكل فرد! فهؤلاء لا يُلتفت إلى أقوالهم البتة، فإن الله سبحانه لم يكلفنا بما لا يُطاق. ولم يثبت مثل هذا التنطع في سيرة نبينا المصطفى ﷺ. بل قد قام ﷺ بالدعوة لكافة قريش، ولم يتحر واحداً واحداً في إبلاغهم، ولم يتحر ذلك في غزواته بعد.
      • وقد افترض بعض العلماء والأئمة من السلف أن هناك حالات ممن لم تصلهم الدعوة، وهم أساسا "أهل الفترة" الذين عاشوا في الفترة بين النبِيَيْن ولم يصلهما قول النبي السالف منهما، وماتوا على الكفر، فقد أخذت مجموعة من العلماء في حق هؤلاء بحديث ورد عن رسول الله ﷺ، حديث الأربعة "أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب، لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا، وأما الأحمق فيقول: رب، لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب، لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب، ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده، لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً". وقد رواه العديد من أئمة الحديث عن أبي هريرة والأسود بن سُريع وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك ومعاذ بن جبل وغيرهم بطرق شتى، لكن لم يصح منها شيء متصل إلا ما صححه البيهقي من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة (ومعاذ بن هشام ثقة صدوق، وأبيه هشام بن سنبر ثقة ثبت). أما غير ذلك فهي بين منقطع ومرسل وضعيف، وضعيف جدا، إلا ما صححه الألباني عن الأسود بن سريع من طريق قتادة عن الأحنف وهو ما ينقضه تقرير الذهبي بعدم سماعه منه. وقد بينت في كتاب الجواب المفيد[2] ما نراه حول هذا الحديث، كما بينت من عمل به مثل ابن كثير وابن حزم ومن المحدثين الشنقيطي والألباني. لكن لم يأخذ به عدد من أئمة الحديث والحفاظ لكونه يناقض ثوابت الكتاب – في فهمهم – مثل الحافظ ابن عبد البر والقرطبي وغيرهم، إذ الآخرة ليست بدار تكليف، كما أن إلقاء النفس في النار تكليف بما لا يُطاق.

      وعلى كل حال، فإننا نوقر حديث رسول الله ﷺ، ولا نتعدى على ما قرر، لكن الأمر هنا هو النظر فيما هو من ثوابت القرآن والسنة كذلك، كما فعلت أمنا عائشة رضي الله عنها فيما جاءها عن أن الميت يُعذب ببكاء أهله عليه، وما فعله مالك رحمه الله في حديث ثبوت خيار البيع. فنميل إلى ما قال ابن عبد البر وبقية الأئمة في التوقف في هذا الحديث، وهو ما نصرته في كتاب الجواب المفيد.

      لكن على أية حالٍ، فإنه سواء ثبت هذا الحديث أم لا، فإن النتيجة واحدة في إجراء الحكم في الدنيا. وهي كفر من لم يُسلم ويؤمن برسالة محمد ﷺ. وقد أعطانا الإمام الجليل ابن القيم المخرج في هذا الأمر بإثبات أربعة ثوابت يجب الإيمان بها على الجملة، " فقال ـ رحمه الله ـ في (طريق الهجرتين) بعد كلامه عن الطبقة السابعة عشر من مراتب المكلفين في الدار الآخرة يوم القيامة، وهي طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبعا لهم، قال:

      "الله يقضى بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل، فهذا مقطوع به في جملة الخلق. وأما كون زيد بعينه وعمرو بعينه قامت عليه الحجة أم لا، فذلك مما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه، بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول. هذا في الجملة، والتعيين موكول إلى علم الله عز وجل وحكمه، هذا في أحكام الثواب والعقاب. وأما في أحكام الدنيا فهي جارية مع ظاهر الأمر فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا، لهم حكم أوليائهم. وبهذا التفصيل يزول الإشكال في المسألة. وهو مبني على أربعة أُصول:

      أحدها: أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه. (وإن لم يتهيأ لنا معرفة الكيفية في المعيّن).

      الأصل الثاني: أن العذاب يستحق بسببين، أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادة العلم بها وبموجبها (بأن تكون متاحة ممكنة ثم لا يبحث عنها). الثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها. فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد. وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها (لاحظ اشتراطه عدم قيام الحجة أو عدم التمكن من معرفتها وهو ما ليس بقائم اليوم) فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل (وهذا في حكم الأخرة لا الدنيا كما نبهنا).

      الأصل الثالث: أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون أُخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له...

      الأصل الرابع: أن أفعال الله سبحانه وتعالى تابعة لحكمته التي لا يخل بها سبحانه، وأنها مقصودة لغايتها المحمودة وعواقبها الحميدة." اهـ.

      وقد بالغ الشيخ الألباني في توصيف "من لم تبلغه الدعوة" حتى كاد أن يجعلهم كل من لم يتكلم العربية! فقال رحمه الله "لو أن قوما أو ناسا بلغتهم دعوة الإسلام محرفةً مغيرةً مبدلةً، وبخاصة ما كان منها متعلقًا في أصولها وفي عقيدتها، فهؤلاء الناس أنا أول من يقول إنهم لم تبلغهم الدعوة؛ لأن المقصود ببلوغ الدعوة على صفائها وبياضها ونقائها، أما والفرض الآن أنها بلغتهم مغيرةً مبدلة، فهؤلاء لم تبلغهم الدعوة، وبالتالي لم تقم حجة الله تبارك وتعالى عليهم". وهذا خطأ منه. فإنهم مطالبون بالبحث ومعرفة الحق، وهو متاح في كل مكان اليوم بأسهل الطرق، بل هذا أثر من بقية تلوث عقيدته بالإرجاء الصريح، من حيث قوله في الإيمان وفصله عن العمل، والاكتفاء بالإقرار.

      واعتبار تغيّر الزمان ومدلولات الألفاظ موجودٌ في كلام الأئمة، فقد صرح ابن تيمة رحمه الله في معرض حديثه عن الخطأ المغفور للمتلفظين بكلام مغاير لما ثبت في القرآن من الصحابة "فمن اعْتَقَدَ أَنَّ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ أَوْ الْآيَاتِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ بِالنَّقْلِ الثَّابِتِ كَمَا نُقِلَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا أَلْفَاظًا مِنْ الْقُرْآنِ كَإِنْكَارِ بَعْضِهِمْ: {وَقَضَى رَبُّكَ} وَقَالَ: إنَّمَا هِيَ وَوَصَّى رَبُّك, وَإِنْكَارِ بَعْضِهِمْ قَوْلَهُ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} وَقَالَ: إنَّمَا هُوَ مِيثَاقُ بَنِي إسْرَائِيلَ, وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ, وَإِنْكَارِ بَعْضِهِمْ {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} إنَّمَا هِيَ أَوَلَمْ يَتَبَيَّنْ الَّذِينَ آمَنُوا, وَكَمَا أَنْكَرَ عُمَرُ عَلَى هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ لَمَّا رَآهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأَهَا, وَكَمَا أَنْكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ عَلَى بَعْضِ الْقُرَّاءِ بِحُرُوفِ لَمْ يَعْرِفُوهَا حَتَّى جَمَعَهُمْ عُثْمَانُ عَلَى الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ".[3] فيجب اعتبار ما ذكره ابن تيمية من أن ذلك مقرون بوقوع التواتر وقيام الحجة. فمن أنكر آية أو قراءة في عصر التدوين غير من أنكرها بعد ذلك من تدوين المصحف وتواتره بين أيدي الناس. ومنْ من الناس اليوم لا يعرف الإسلام أو اسم نبينا ﷺ ووجود القرآن الكريم، فهم في الغرب يعلنون في تلفازهم كل عدة أيام أنّ هناك من حرقه، حرّق الله عليهم دنياهم!

      كذلك عن خطأ الاجتهاد وأنه يكون في المسائل العلمية والخبرية، لا مجرد الأمور الفقهية قال "وَالْخَطَأُ الْمَغْفُورُ فِي الِاجْتِهَادِ هُوَ فِي نَوْعَيْ الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَمَنْ اعْتَقَدَ ثُبُوتَ شَيْءٍ لِدَلَالَةِ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ وَكَانَ لِذَلِكَ مَا يُعَارِضُهُ وَيُبَيِّنُ الْمُرَادَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ مِثْلَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الذَّبِيحَ إسْحَاقُ لِحَدِيثِ اعْتَقَدَ ثُبُوتَهُ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى؛ لِقَوْلِهِ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُوَلِقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍكَمَا احْتَجَّتْ عَائِشَةُ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَلَى انْتِفَاءِ الرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا يَدُلَّانِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ"[4].

      • أمّا عن فهم الحجّة، فهذه والله ثالثة الأثافي، أن يدّعي البعض أنه يجب أن يفهم المشرك الحجة المُقامة عليه حتى ينتفي عذره! فإن هذا لم يقل به أحدٌ عاقل. فإن الله سبحانه اختار لغة العرب لرسالته، وهو يغلم سبحانه أن كثير من البشر لا يتحدثون العربية، فهذا يعني إما أن الرسالة ليست لغير العرب أصلا، وهو باطل عند كل مسلم، أو أن من أول التكاليف على المسلمين أن يعلموا البشر العربية ليقيموا عليهم الحجة، وهذا لم يرد به نص واحد لا في كتاب ولا سنة! فهذا باطل أعلاه وأسفله.

      أما من ذكرت له الآيات والأحاديث، سواء كان من المتحدثين بالعربية أصلا، أو من تُرجمت له، فقال لا أفهم المقصود، ولم يقبلها، فهذا تظل صفة الكفر ملازمة له، سواء كان مسلما بالميلاد، وخرج عن الدين بمكفّر فهو مرتد، أو من كان كافراً أصلياً.

      وليس هناك في هذا الباب مما يثبت إلا تلك العوارض المذكورة في كتب الأصول، فمنها ما هو دائم أو كالدائم كالجنون والعته، أو مؤقتٌ كالنوم والنسيان، ومنها ما هو صفة ترتفع بالحجة كالجهل وهو ما بيّنا حكمه. ففهم الحجة هنا محدود بوصول مال هو لازم منها، وهو أن هناك ربّ هو الله ﷻ ودينٌ اسمه الإسلام، ورسول اسمه محمد ﷺ، وكتابٌ اسمه القرآن، كلٌّ ذلك بلغة يفهمها، فإن لم يبحث عن المزيد ويطلب الحق، فهو يموت على الكفر على ما هو ثابت لدينا من الأدلة الظاهرة، ونسير فيه سيرة ابن القيّم التي أوضحها في كلامه.

      كلّ ذلك جارٍ على من هو كافرٌ أصلي، أو مسلم بالميلاد ممن كذب أو أنكر أو جهل شيئا مما ينقض أصل التوحيد، ويضاده وينقضه، فأنه في بقائه على الناقض للتوحيد أو حال موته وهو على الكفر، فهو كافر، اسماً وحكماً، لا يصلى عليه ولا يُدفن في قبور المسلمين. أما من كذب أو أنكر شيئا من المتواترات أو المعلومات من الدين بالضرورة أو خالف مواضع الإجماع، فهذا يجب أن تقوم عليه الحجة بالرسالة، وهو ما تحدثنا عن حدودها ومعناها[5].

      د طارق عبد الحليم

      22 صفر 1444 – 18 سبتمبر 2022

       

      [1] شرح القواعد الفقهية أحمد الزرقا، طبعة دار القلم القاعدة 42، ص 235، واللفظ له

      [2]  الجواب المفيد ص 24 وبعدها https://tariq-abdelhaleem.net/ar/post/73404

      [3]  مجموع الفتاوى ج20، أصول الفقه ص 35

      [4]  مجموع الفتاوى، السابق ص 33

      [5] راجع هذه النقاط بتوسع في كتاب الجواب المفيد الباب الثاني وبعده