فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      طالبان والقاعدة والهيئة .. والبيعة

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      ترددت أخبار بأن البعض يطلب أن يعود الخصمان، القاعدة من ناحية، ومن نكث ببيعتها من ناحية أخرى، إلى أمير طالبان، على أساس أنه أمير قادة القاعدة، فيكونا قد توجها للأعلى، كما حدث يوم أن تجاوزوا البغدادي، لأميره د أيمن، ويطلبا منه أن يفصل في مسألة بيعة الهيئة للقاعدة، وأن المصلحة اليوم في حلّ فرع القاعدة، في الشام، على الأقل. وهذ الطرح، يُنظر الي صحته شرعاً بالإجابة عن سؤالين مفصليين، هما:   1) هل هناك شبه "حقيقي" بين بيعة البغدادي للقاعدة وبين بيعة الجولاني لها؟ 2) هل لأميرٍ أن يحلّ تنظيما أو فرعا له في مكان من العالم، بمعنى منعه من العمل لصد الصائل بتاتا، مهما كان مسماه؟

      أمّا عن السؤال الأول، فإن قياس بيعة الجولاني للقاعدة على بيعة البغدادي للقاعدة، هو "قياس شبه" أصولي لا يصح حقيقة، بمعنى أنه يشبههه شكلا لا موضوعا، إذ قياس الشبه لا تنضبط فيه العلة بين موضوعَيْه. وتفصيل ذلك أنّ البغدادي كانت في رقبته بيعة للقاعدة، والجولاني قد بايعه على هذا الأساس وهو ما صرّح به البغدادي والجولاني والقاعدة. فرجوع الجولاني للقاعدة وقتها لتحكيم الحكيم كان بناءً على ذلك الشكل، أنه ما بايع البغدادي إلا لبيعة البغدادي للحكيم. أمّا عن بيعة الجولاني للقاعدة، فلم يقل يوما، ولم يخطر ببال أحد أبداً أنّ الجولاني قد بايع القاعدة على أساس أنها مبايعة لطالبان، وإلا لم يبايعها! لم تكن بيعة طالبان على الطاولة إطلاقاً وقتها، فلا محل للشبه بين الحالتين، إلا اعتسافا وتحايلا كما فعل الذين عدوا في السبت! فإن زعم الجولاني اليوم غير ذلك، فقد نكث بيعته مرتين، وتضاعف بلاؤه ضعفين!!

      فإن قيل، وهل هذا له قيمة شرعية، إذ القاعدة، في الحقيقة، مبايعة لطالبان؟ قلنا، المسلمون عند شروطهم، والقصود معتبرة في العقود، تلك قواعد الشرع، لا يجب أن تُهمل لصالح ترجيح شكلٍ معين. فإن الجولانيّ، حقيقة وقصداً، لم يبايع القاعدة على شرط أنها مبايعة لطالبان، وإن زعم غير هذا فذاك بينه وبين ربه، لكنه غير معلوم فيما عرف الناس. لكنه بايع البغدادي، وهو والبغدادي مقران ضمنا أنهما معا تابعان للقاعدة. والشرط معتبر سواء وقع تصريحا أو تضمينا. والقصد ليس فيه تصريح أصلا حسب التعريف.

      وأما عن السؤال الثاني، فلأمير طالبان أن يحلّ فرعا للقاعدة في أن مكان، من بيعته، ومن ثمّ من تبعيته. لكن لا يحل له أن يحلّها كجماعة متماسكة ذات كيان يحارب الصائل، فإن هذا ليس من حق أحد أن يفعله، بل هو شكلٌ من أشكال الديكتاتورية البشعة. وهذا هو بالضبط ما يحاول الجولاني فعله اليوم، فحاله يقول "أنتم يا من بايعتمني، على أني مبايع للقاعدة، لا أحلكم من بيعتكم، بل ولا أحل تجمعكم بأي شكل كان إلا تحت رايتي، وسأقاتلكم واعتقلكم على هذا التصرف!! وهذا لا يقول به مسلم فقيه أو غير فقيه، فهو مناقض لقواعد شرعية عدة، على رأسها حرية التصرف، منع دفع الصائل إلا بشرط، استحداث موانع غير شرعية تضاد الموانع الشرعية، وغير ذلك مما هو بلاء عام.

      ثم، إن قبلت الهيئة بهذا الشكل، فهل تقبل، قياسا عليه، أن يطلب أفراد مبايعون للجولاني، على أنه جزء من القاعدة، أن يرجعوا لقادة القاعدة ليحكموهم بينهمم؟ أم هو حلال لنا حرام على غيرنا.

      ثم، لم لا يرجع الجولاني للقاعدة، التي في عنقه بيعة مباشرة لها، فيشرح الموقف بوضوح، وما عرفنا عن الحكيم إلا كل تفهمٍ، فلم هذا التمحك بطالبان، ولم فقد الثقة فيمن لم يرِد أصلاً أن تكون الييعة معلنة، وما فعلها إلا الجولاني!، لواذا به؟

      والقاعدة لن تتمسك بما فيه أذى للشام، كما أعتقد، وما كان لها أن تفعل، إنما هي دعاوى المجرمين مثل الطرطوسي والحصم وعلماء السلاطين والنحاسية من الأحرار تبعا لداعمهم، أن القاعدة بلاء على الأمة! وإلا فلم بايع الجولاني البلاء أساساّ؟ تناقض واضح بارد عقيم.

      وهل يقيس الجولاني اليوم تصرفات البغدادي، وفهمه للشرع، على حروريته وتكفيره للخلق، والجولاني نفسه على رأسهم، بتصرفات الحكيم وفهمه وتقييمه للأمور، ولذلك يخشى الرجوع اليه؟ 

      والقاعدة قد غيّرت من سياستها على الحقيقة، لا إعلاميا، في موضوع ضرب الغرب واستهداف مصالحه، كما ذكرت في بحثي المطوّل "رؤية في سياسة القاعدة في عقدها الثالث"[1]، وهو ما أشار اليه عطون نفسه، وهو خصيمهم، فيما كتب تنديدا بأمير أميره.

      وبناء عليه، فالرجوع لطالبان، فيه تعدٍ ونقض لبيعة واضحة مباشرة ليست مشروطة، مقصود بها ذاتها. فإن وافقت القاعدة على أن يكون أمير طالبان أو غيره حكماً، حينها لا بأس من فعل ذلك.

      ولا أظن أن الجولاني سيرضى بحكم أي حكم إلا إن وافق حكمه هواه .. وإلى الله المشتكى.

      د طارق عبد الحليم      14 ديسمبر 2017 – 26 ربيع أول 1439

       

       

      [1] http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-72854 & http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-72855