فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      رؤية في وضع الساحة الشامية .. أهناك حل يلوح!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد

      فإن عبر التاريخ وتتابع أحداث الماضي على وزان واحد وسنن ثابتة، يهدى الناظر إلى ما يمكن أن يكون نتاج ما يقع على أرض الواقع الحاضر "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم"، "فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا".

      منذ أكثر من سنوات ثلاث والساحة الشامية تعج بأحداث جسام، مدارها الحرب الشرسة التي أعلنها النصيري بشار ومن ورائه روافض النجس المجوسي، على أهل السنة، فتمخضت عن ظهور تنظيمات وجماعات تشكلت حسب خلفية مؤسسيها الشرعية، وتاريخهم وعلاقاتهم المسبقة.

      فإنه من الخطأ الساذج أن يظن ظان أن توجه جماعة أنشأها سين من الناس هي وليدة جلوسه وبين يديه الكتاب والصحاح ومؤلفات العلماء، يستخرج منها اتجاه جماعته التي يعمل على تشكيلها. هذه سذاجة، بل بلاهة في النظر عند من يعتبرها. بل الصحيح إن مؤسسي الجماعات هم أصحاب "وجهة نظر" أساسا، بنيت عادة على "وجهات نظر" وآراء تكونت بأقل قدر من العلم الشرعي، واختلطت بشبه أدلة، ثم تأثرت بالبيئة المحيظة، كما في حالة زهران علوش مثلا وعلاقته بالنظام السعودي ومنصب أبيه وتنشئته. ولو بحثت وراء كل رأس لوجدت ما أقرر هنا صحيحاً. وليكن مثالك ابن عواد، الذي تربى بعقدة صغر الشأن وعدم احترام الغير له، فصار بحثه عن المنصب مقدما على أي رؤية ولو خالف فيها كتب الله جميعا!

      ومن ثم، وجدنا الساحة الشامية تتحرك فيها فتن وتظهر بدع قولية وعملية تتواكب مع اتجاهات تلك الرؤوس وعلاقاتها الخارجية.

      وقد غردت منذ ساعات عدة تغريدات، كشفت فيها عن بعض العلاقات بين الفصائل الرئيسية في الساحة. والغريب أن الدنيا قامت ولم تقعد! كأني حكيت كفراً وتحدثت هرطقة!

      وسأبين ما قلت.

      فصائل ثلاث تعمل في الساحة، تبنت سياسة "المرونة الشرعية" التي تحدثت عنها من قبل في بحث مطوّل، بمعنى فتح أبواب الحوار مع الغرب، والشرق، وقبول الدعم الماليّ من حكام العرب، على أنه غير مشروط. وحتى تتم صورة حسن النية بدأبعض شباب التنظير يعمل على اخراج رؤى لتقنين الانتخابات التي تقوم على "رأي الشعب" وتوثيق الصورة البرلمانية، وبكلمة مختصرة العودة إلى النهج الإخواني بنكهة سرورية تدعى الذكاء السياسي في التعامل. وهذه الفصائل هي أحرار الشام، وجيش الإسلام والجيش الحر.

      وإحقاقا للحق، فإن تلك الفصائل تختلف عن بعضها في درجة المرونة وكمّ الدعم. فجيش الإسلام مثلا قام أساسا على التمويل السعودي من اليوم الأول، فلا معنى لحديث بشأن شرعية الدعم أو عدم شرعيته، فهي قضية محسومة ابتداء. والجيش الحر، واقع في عرض كل من يقدم ريالا أساسا، فهو جيش "حر" بكل معاني الكلمة وأطيافها.

      أما أحرار الشام، فهم كما أرى، أقلهم تورطا في هذا المفهوم الباطل، لكنهم ولا شك يعملون حثيثا مؤخرا للحاق بركب هذا التوجه، وتقديم أنفسهم على أنهم بديل موافق للغرب.

      وقد اجتمعت هذه الفصائل على عدم إقرارها، بل رفضها الواضح للقاعدة، ممثلة في النصرة أو لا. وعدم انتماء هذه الفصائل للقاعدة اصلاً هو ما جعلها لا تريد أن تقيد حركتها بمن هم خارج دائرتها، خاصة وسياسة القاعدة تسير على نهج واضح في مواضيع الدعم والتعامل مع الغرب.

      وأود أن أوضح هنا أن القاعدة قد غيرت من سياساتها في السنوات الأخيرة قبل استشهاد رأسها. وقد كتبت مقالات في بيان هذا الأمر، يجب على القارئ الرجوع اليها هنا لتتضح له الصورة كاملة[1].

      وقد خرجت نداءات من كل الفصائل المذكورة تطالب النصرة بالانفصال عن القاعدة. كما جعل ذلك عدد من شباب التجديد والمرونة رؤية لهم، تحت شعار إنّ العلاقة عبئ على الساحة .. ومن هذا المنطلق، لم نعترض على هذا الطرح وقتها، إذ هو، في أصله، أمر إجتهادي. لكن ما ليس اجتهادي هو تخوين القاعدة ورؤوسها والسير في نفس طريق الحرورية بهذا الصدد.

      والسرورية، كما عرفتها وعرفها كل من تعامل معها، هي عدوة القاعدة الأولى، يكرهونها كراهة التحريم، لخبث أغراضهم ووسائلهم وطهارة أيدى رؤوس القاعدة. وقد أخرجت جيلا ممثلا في شباب وصولي نفعي يحيا على أمول الخليج وفي أحضانه، وأنس العبدة، الذي عرفته طفلا، مثال واضح على تربية محمد سرور. وهو مثال أحذّر شباب المرونة والتجديد أن ينتهى بهم الأمر على خطاه.

      لكن هذه العلاقة لم تكن كذلك بالنسبة لبقية الفصائل، بل كانت مانعا نفسيا يضع النظيف أمام الملوث، وإن حاول إسباغ الشرعية واختيار الدليل الموافق.

      وأكرر هنا أن التواصل مع الغرب أو أي حكومات عربية ليس حراما. لكن الشروط والمعطيات الملازمة لذلك لها خطوط حمراء ومبادئ ومستويات لا تتعداها، تطبيقيا. والمصيبة هي فيمن يتواصل ويستلم الدعم ثم يعمل على تبريره.

      أود أن أوضح هنا كذلك أنني لا أقول بكفر أحد معاذ الله، لا الأحرار ولا جيش الاسلام ولا حتى الجيش الحر، في العموم. المسألة تتراوح بين معصية أو بدعة أو خطأ في التصور والتقدير، فلا يحملنا أحد ما لم نقل أو نقصد.

      كما أريد أن أوضح إنني لا علاقة لي بالقاعدة ولا بالنصرة ولا بأي من تلك الفصائل. إنما أنا مراقب باحث أحب الحق ولا أبالي.

      ولعل ما ذكرت قد سبب ألما للكثيرين، فقد هاجمنى الكلّ ممن كان يحرص على متابعتي، بما في ذلك أتباع للقاعدة! لكنها صدمة الواقع من ناحية، وقلة فهم بعض القارئين للمقصود من ناحية أخرى.

      وعلى جميع الأحوال، فإن هذا الوضع الذي يتشكل اليوم ليس في صالح أي مشروع إسلامي حر طليق من الالتزامات، وإن توهم بعض السذج غير ذلك .. والأيام بيننا.

      د طارق عبد الحليم

      24 يوليو 2015 – 8 شوال 1436


      [1]  "رؤية في سياسة القاعدة في عقدها الثالث .. الثابت والمتغير" http://tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72854# & http://tariqabdelhaleem.net/new/Artical-72855