الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
استشففت من التعليقات التي وَردت الينا على مقال "حديث عن الجهاد .. والجهاديين"، أنّ هناك بعض الإرتباك في فهم المَقصود من بعض فقراته، وبعض الإعتراضات على ما جاء فيه. ولأننا نحسبُ هؤلاء المجاهدين على طريقنا، من منظورٍ مختلفٍ بعض الإختلاف، فقد حرِصت على بيان ما قد خفى على بعض شبابنا، لحبى لهم وحرصى على توجههم وتصرفاتهم.
وبادئ ذي بدء، أقرر أننى أعتبر هذه التعليقات تساؤلات يراد عليها إجابة شافية، لا أنها تقريرات، إذ حينها تصبح فتاوى من عند غير ذى أهلٍ، لا يمكن أن يقبل أحد ممن عنده أثارة من علم أن يَردّ عليها أو أن يعيرها انتباهاً.
ثم أقرر أنّ هذه التعليقات لم تقرع حجة بحجة، فقد أورَدتُ شروطاً شرعية مستنبطة من الكتاب والسنة، فلم أر إلا اقوالاً تأتي على سبيل "أتريد أن نفعل هذا؟" أو "وماذا لو حدث ذاك؟" مما ليس من المَحاجة العلمية في شئ، بل هو إلى تقرير ما تهوى الأنفس أقرب.
ثم أبيّن مرة ثانية أننا لا نريد أن نقيد أحداً يريد أن يعمل لله بأيّ شكلٍ من الأشكال، بل كلٌّ على نفسه بصيرة، وإنما نثبت فيما نكتب ما نراه أقرب لتحقيق الهدف، إن أراد الله له أنْ يتحقق.
وإلى بعض تلك التعليقات والتساؤلات:
- أسالك ماذا لوعمل بهده المقولة المجاهدين في غزة ثم لم يكن بالامكان الحصول حتى على مسدس..ماذا لو عمل بها طالبان يوم دخول التحالف ولم يبق معهم سوى اسلحة شخصية وبالمقارنة مع أسلحة الاعداء سيكون انتحارا لو فكروا بالمواجهة..؟
- لم لا تتركوا هؤلاء الاخوة يجاهدون حتى باسنانهم..انه جهاد دفع يا شيخنا..لم لا تكونوا سندا لهم بالكلمة وتكونوا لهم ما يطلق عليه جناح سياسي .. تصور معي لو تخلت هده الفئة القليلة عن سلاحها في العراق فلسطين وسوريا وطالبان .... ومصر ليست اسثتناء ..
- وقولك شيخنا السلاح والعتاد المكافئ.. كيف يتم الاعداد ان لم تخرج للجبال والفيافي القفار للتحصن الاستعداد، كيف يستعد هؤلاء وأنت تعرف أنه ممنوع على كل مسلم في وطننا العربي حمل حتى خنجر لتقطيع الخضر وحامله يسجن..كيف نستعد و ممنوع على كل مسلم ملتزم الدخول للجيش او الامن.. أما سلك الضباط فلن يحلم بها مسلم موحد ملتزم...بالله عليك اخي اخبرني كيف نستعد ونعد العدة ونحصل على التكافئ .. كيف ولايسمح للتيار الجهادي حتى الدعوة السلمية؟
- أنه لا يجب استعداء النظم ودعوتها لاستنفار قوتها ضد حاملي الفكرة الإسلامية الصحيحة .. أولا هم لا يحتاجون أيّ استعداء ليحاربوا المسلمين .. مثال بسيط في المغرب تم القبض على اخوة فقط لانهم ملتحون وعذبوا واغتصبوا، لا علاقة لهم بالتيار الجهادي أصلا..فما المطلوب منهم، ان يلبسوا ثياب الحريم ليتفادوا السجن والتعديب وحتى القتل؟
- كيف بدأت المقاومة في غزة..أولا بالحجارة ثم بالخناجر ... ألا تتدكر يوم كنا نسمع عن طعن فلسطيني جندي اسرائيلي بخنجر..الم يكن ذلك عبث...الا تتذكر تعليقات فتح على اطلاق الصواريخ المحلية الصنع بانها عبث.. وسبحان الله حتى رأينا حماس نفسها التي عانت من فتح تستعمل نفس الاسلوب مع التيار الجهادي..
- سبحان الله كيف تقول انك لا تمنع احدا من الجهاد وانت تضع ترسانة من الشروط التي لو التزم بها كل مسلم لانقرض الجهاد على وجه الارض.
ورداً على هذا القَـدر من التعليقات، نقول:
- نحن لا نقيد أحداً ولا نمنع أحداً من جهاد، ولكننا نشرح محذوراتٍ قد تكون عائقاً أكثر منها معيناً على الهدف. والإستعداد له مراحل يا بنيّ، هل استعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة بمهاجمة قوافل قريش؟ أم كان كلّ استعداده ببناء القوة، وبناء التوحيد في نفوس عصبةٍ مؤمنة؟ هذا هو الإستعداد الذي نتحدث عنه، لا الاستعداد بسكاكين الطبخ كما تفضلت في تعليقك. فمفهوم الاستعداد هو ما يخالفك فيه أصحاب العلم، لا ضرورة الجهاد.
- ثم يا أخي، هون عليك، فليس أحداً يفضل مصر العلمانية، وهذا ظلمٌ كبير ما تقول لشيوخ دافعت عن مصر الإسلامية قبل أن تولد. ولكن الأمر أمر رؤية لا أمر تهور شباب.
- ثم ما المقصود بتبشيع المجاهدين؟ نحن لا نبشع المجاهدين، بل نوجه أنظارهم إلى خطأ اجتهاديّ في واقعنا هذا، ولا نزال نراهم أصحاب سُنّة وفضلٍ. ونحن لا نزايد على ما قدمته قيادتهم من تضحيات لا يجازى عليها إلا الله، لكن نحن نوجه النظر إلى تغير واقع الحياة الإسلامية ومناطاتها، وهو ما يستأهل التبصر في التصرف والتأني في التحدث.
- هذه الترسانة هي شروط شرعية سواءً أحببنا أم كرهنا، وكثير من التعدى على الشرع يكون بالإفراط كما يكون بالتفريط. وعليك أن تبين ما هو الشرط الذي لا تراه صحيحاً فيما ذكرنا؟
- ثم اشرح لي ما معنى "المجاهدون مستهدفون ولو كانوا مسالمين" كيف هذا المجاهد مسالم؟ واليس الأحرى أن يكون مسلماً بدلا من أن يصف نفسه بصفة من صفات الإسلام، في وقت معلوم أنّ هذه الصفة مستهدفة أمثر من غيرها؟ ألسنا كلنا مجاهدين مثل المجاهدين المسالمين الذين تتحدث عنهم؟ أينكر أحدٌ من الصادقين أهمية الجهاد ودوره؟ ثم أليست الثورات الشعبية، إن توجهت توجها إسلامياً، جِهادٌ يقتل فيه من يقتل، ويُكلَم في من يُكلَم ويُعتقلُ من يُعتقل؟
- وعن استعداء النظم الكافرة، فلا شك أنهم معادون إبتداءً، لكن يا بُنيّ هناك فرق بين أن تعطى عدوك سكيناً ليذبحك وتسنّه له سنّاً وتحِده له حَداً، وأن تنتظره ليقوم هو بإعداد ما يريد من العدة لقتلك، ونحن نقول يجب أن لا نهيئ الأسباب لهؤلاء ونعطيهم رقابنا للقتل، فقل لي بالله عليك، ما الداعي لأن يسمى الإخوة انفسهم بالجهاديين؟ أهذا تقرب إلى الله بالتسميات؟ أليس هذه سطحية وطفولة فكرية؟ أليس الأفضل أن تسمى نفسك التيار الإسلاميّ السلميّ، ثم تقوم بما تريد كما تريد. هذا تغفيل يا ولدى، واسمح لي بالتعبير الشديد. إنما الأمر أمر سيكلوجيات طفولية تريد أن تعيش واقعاً غير متحقق، الحلم فيه هو الواقع، والواقع فيه غير موجود.
- ثم، افغانستان والشيشان وغزة، ألا ترى الفرق يا بنيّ بينها وبين مصر؟ أفغانستان دولة غزتها قوى خارجية فالمعسكرات متميزة، والشيشان دولة محتلة بالروس، وأهلها كلهم يريدون إخراج الغاصب، بينما مصر، وياللحسرة، غالب أهلها مع مرسى والدستور العلمانيّ، فمن تحارب فيها؟ أما عن اليهود، فمهاجمتهم فريضة، ولكن يجب إعتبار المآلات يا بنيّ فيها، إذ أنت ترى بعينيك أنّ جيش مصر هو من يضرب المجاهدين، لا جيش اليهود.
- الواقع أنّ هؤلاء الحكام اليوم متسلطون، وهم، رغم أنهم لا يحتاجون إلى استِفزاز، فإن هناك هامشُ حريةٍ ووقت لمن هم على الفكرة الإسلامية، إن حذِروا وصرفوا وقتهم في إنشاء القوة العددية الواعية الفاعلة.
- إن الفرق بين ما نحن عليه الآن وبين ما كانت عليه الشعوب الإسلامية منذ قرنٍ أو قرنين، فرق هائلٌ لمن يحسن قراءة التاريخ. فقد كانت الشعوب وقتها على وعيّ بمعاني التوحيد لا يقارن بما نحن عليه الآن، ومَثَلنا على ذلك ما حدث في تونس في مسألة التجنّس، إذ خرج العوام ينبشون قبور المتجنسين. بل وفي مصر في أوائل القرن الماضى حين كفّر الأزهر طه حسين اللعين على إلحاده في كتاب "في الشعر الجاهليّ". ثم لم يحدث ما حدث دفعة واحدة، لكن كان تدسساً وغفلة من الناس، حتى أصبحوا أنفسهم من أنصار الوضع القائم لتشوه معنى التوحيد في عقولهم بشكلٍ شبه تام، وساعد تطور دعوة الإخوان، بإرجائيتها وتميّعها على ذلك استمرارية الهوان والتخاذل.
- ثم إن اعتمدت "الدعوة السلمية" للعمل كما أشرت أعلاه، أفلا يكون هذا ما ندعو اليه في التيار السنيّ حذو القذة بالقذة، إلى أن يأذن الله بأمرٍ، ؟ إلا إننا لم نتبختر بالتسمية التي لا نرى لها لزوماً، ولا وجدنا عليها دليلاً.
وهذه مجموعة من التساؤلات آثرت إضافتها لعلها تكون معيناً على الفهم
1- هل إقامة دولة الإسلام هى العلة المطلقة للجهاد؟
جهاد الدفع أي دفع الصائل علته إخراج العدو من أرض المسلمين، وإنهاء الظلم الواقع عليهم. وجهاد الطلب هو لنشر كلمة الإسلام وإعلاء دين الله في الأرض.
2- هل هناك حد أدنى من المجاهدين ليقوموا بواجبهم وهل يضرهم من خذلهم؟
ليس هناك حدٌّ أدنى، ولكن قد خلق الله لنا أعين نرى بها وعقل نفهم به، ونقدر الأمور ونوازنها، وهذه الموازنة تستدعى الأخذ بالأسباب، وإلا فلا عتب على الصوفية الذين يخرجون إلى الصحراء بلا زادٍ لأن الله كفيلٌ بإطعامهم!
3- هل قلة عدد المجاهدين ذنبهم هم؟
لا، ليس ذنبهم، لذلك لا يجب أن يكونوا هم من يدفعون ثمن هذه القلة، بل عليهم أن يعملوا على إعداد "القوة" التي هي في عدد من يقدر على المواجهة، وقد بيّن شيخ الإسلام بن تيمية وسلطان العلماء العز بن عبد السلام ما فيه الكفاية من أنه يجب على الحامل على العدو أن يغلب على ظنه أنه يوقع فيه النكاية. فإن كانت النكاية التي يقصدها المجاهدون اليوم هي من قبيل الإغاظة وإشفاء الصدر، فلا بأس من هذا، لكن إن كانت من قبيل إقامة دين الله في الأرض، فهي ليست الوسيلة على وجه اليقين، الآن على الأقل.
4- هل ما فعله أبى بصير من الاغارة على عير قريش كان هدفه فتح مكه أم ان يطأ موضع يغيظ الكفار؟
كما أوضحت سابقاً، فإن غرض أبو بصير غرضٌ فرديّ معينّ، لذلك لم يتبعه فيه بقية الصحابة، إذ علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس الطريق إلى إقامة أرض الإسلام، وإلا لدعا اليه كافة الصحابة، ولم يتخلف عنه هو نفسه صلى الله عليه وسلم. فمن كان غرضه هو غرض أبو بصير، فله على نفسه بصيرة، ولن يمنعه أحدٌ من ذلك.
5- ما السبيل السلمى لتنمية القوة وإعداد العدة فى مصر وهل هناك إستجابة لدعوات شيوخ أهل السنة؟
السبيل واضحٌ لغير المُتعجل، ولمن لا يتعدى حدود الله بوهمٍ أو ضيق أفق، وهو سبيل الرسل كلهم، وهو نشر الدعوة إلى التوحيد، والصبر عليها، فإنه ليس علينا هدى الناس، وقد قال تعالى لسيد الرسل "فذَكّر إنما أنت مُذكّر لستَ عليْهِم بمُسيطِر"، والعبرة بالأخذ بالأسباب المشروعة حسب شروطها وموانعها، لا حسب الهوى والتمنى، وليس علينا من الإستجابة، إنما هي لله سبحانه، ولسنا أفضل من نوح عليه السلام.
6- ألا يمكن أن تكون العمليات "الطفولية" من باب ما لا يدرك كله لا يترك جله وإعذار إلى الله ودفع للعدو؟
العمليات ليست طفولية، والمقتول فيها شهيد بإذن الله، ولكنّ الفكر الجماعيّ الذي يسود اليوم فكر ساذج لا يصلح لإقامة دولة، إذ لا يأخذ في الإعتبار جلّ ما مرت به الحركات الإسلامية في القرن الماضى، ولا يراعى سدّا لذريعة، ولا تفاوتاً في المصالح والمفاسد، ولا إعتباراً لمآلات. أما عن إنه إعذار إلى الله، فكما قلت سابقاً، هذا يجوز على المستوى الفرديّ لا الجماعيّ، والواجب على الفرد غير الواجب على الجماعة، أما عن دفعه للعدو، فهو صحيح في بعض الأماكن دون بعضها، مثل أفغانستان والعراق، أما مصر فوضعها مختلف لمن عنده فهم للأوضاع الدولة من ناحية، وللوضع الشعبيّ من ناحية أخرى.
7- هل هناك مشاحة فى المصطلح وهل سمى المسلمون أهل سنة إلا لحدوث طارئ أجبرهم على التميز؟
المصطلح لا مشاحة فيه، لكن إن كان يجرّ أذى فنعم فيه مشاحة، والأمر أمر أمنيّ لا إسميّ، والحماقة هي التي تدعو للتغافل عن الواقع، وتبسيط الأمور، والبخترة بالإسم لا تصح إن أدى إلى أذى لا داعي له.
وقد أطلت في الجواب، لكن ليس هذا إلا لمحبتي للسائلين، ولمعرفتي بصدقهم وإخلاصهم لدين الله.
دورنا اليوم أن نشرح للناس ما يعنيه التوحيد، ونسقطه على الواقع القائم بكل أمانة ووضوح، وأن نجعلهم يميزون الإسلام الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، من إسلام الإخوان الأمريكيّ، ثم أن ندعهم، في هذا التوضيح، يعتادون على فكرة أنّ الجهاد ليس إرهاباً، كما صورته الصهيو- صليبية، وباركته النظم العربية، إذ الإرهابُ هو قتل الأبرياء بغير حق، كما تفعله أمريكا وحلفاؤها في أفغانستان والعراق، ويفعله العدو الصهيوني في غزة. بل الجهاد هو بذل الجهد لتغيير الواقع القائم عن طريق المواجهة، التي تختلف صورتها حسب المكان والحال، وحسب ما يصلح منها في مناطاتها المختلفة. والعاقل من عمل دون أن يتحدث، والثرثار من أرغى وأزبد، ثم لم يأت بخيرٍ.