إزالة الصورة من الطباعة

تساؤلاتٍ على مقال

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

استشففت من التعليقات التي وَردت الينا على مقال "حديث عن الجهاد .. والجهاديين"، أنّ هناك بعض الإرتباك في فهم المَقصود من بعض فقراته، وبعض الإعتراضات على ما جاء فيه. ولأننا نحسبُ هؤلاء المجاهدين على طريقنا، من منظورٍ مختلفٍ بعض الإختلاف، فقد حرِصت على بيان ما قد خفى على بعض شبابنا، لحبى لهم وحرصى على توجههم وتصرفاتهم.

وبادئ ذي بدء، أقرر أننى أعتبر هذه التعليقات تساؤلات يراد عليها إجابة شافية، لا أنها تقريرات، إذ حينها تصبح فتاوى من عند غير ذى أهلٍ، لا يمكن أن يقبل أحد ممن عنده أثارة من علم أن يَردّ عليها أو أن يعيرها انتباهاً.

ثم أقرر أنّ هذه التعليقات لم تقرع حجة بحجة، فقد أورَدتُ شروطاً شرعية مستنبطة من الكتاب والسنة، فلم أر إلا اقوالاً تأتي على سبيل "أتريد أن نفعل هذا؟" أو "وماذا لو حدث ذاك؟" مما ليس من المَحاجة العلمية في شئ، بل هو إلى تقرير ما تهوى الأنفس أقرب.

ثم أبيّن مرة ثانية أننا لا نريد أن نقيد أحداً يريد أن يعمل لله بأيّ شكلٍ من الأشكال، بل كلٌّ على نفسه بصيرة، وإنما نثبت فيما نكتب ما نراه أقرب لتحقيق الهدف، إن أراد الله له أنْ يتحقق.

وإلى بعض تلك التعليقات والتساؤلات:

ورداً على هذا القَـدر من التعليقات، نقول:

وهذه مجموعة من التساؤلات آثرت إضافتها لعلها تكون معيناً على الفهم

1-       هل إقامة دولة الإسلام هى العلة المطلقة للجهاد؟

جهاد الدفع أي دفع الصائل علته إخراج العدو من أرض المسلمين، وإنهاء الظلم الواقع عليهم. وجهاد الطلب هو لنشر كلمة الإسلام وإعلاء دين الله في الأرض.

2-       هل هناك حد أدنى من المجاهدين ليقوموا بواجبهم وهل يضرهم من خذلهم؟

ليس هناك حدٌّ أدنى، ولكن قد خلق الله لنا أعين نرى بها وعقل نفهم به، ونقدر الأمور ونوازنها، وهذه الموازنة تستدعى الأخذ بالأسباب، وإلا فلا عتب على الصوفية الذين يخرجون إلى الصحراء بلا زادٍ لأن الله كفيلٌ بإطعامهم!

3-       هل قلة عدد المجاهدين ذنبهم هم؟

لا، ليس ذنبهم، لذلك لا يجب أن يكونوا هم من يدفعون ثمن هذه القلة، بل عليهم أن يعملوا على إعداد "القوة" التي هي في عدد من يقدر على المواجهة، وقد بيّن شيخ الإسلام بن تيمية وسلطان العلماء العز بن عبد السلام ما فيه الكفاية من أنه يجب على الحامل على العدو أن يغلب على ظنه أنه يوقع فيه النكاية. فإن كانت النكاية التي يقصدها المجاهدون اليوم هي من قبيل الإغاظة وإشفاء الصدر، فلا بأس من هذا، لكن إن كانت من قبيل إقامة دين الله في الأرض، فهي ليست الوسيلة على وجه اليقين، الآن على الأقل.

4-       هل ما فعله أبى بصير من الاغارة على عير قريش كان هدفه فتح مكه أم ان يطأ موضع يغيظ الكفار؟

كما أوضحت سابقاً، فإن غرض أبو بصير غرضٌ فرديّ معينّ، لذلك لم يتبعه فيه بقية الصحابة، إذ علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس الطريق إلى إقامة أرض الإسلام، وإلا لدعا اليه كافة الصحابة، ولم يتخلف عنه هو نفسه صلى الله عليه وسلم. فمن كان غرضه هو غرض أبو بصير، فله على نفسه بصيرة، ولن يمنعه أحدٌ من ذلك.

5-       ما السبيل السلمى لتنمية القوة وإعداد العدة فى مصر وهل هناك إستجابة لدعوات شيوخ أهل السنة؟

السبيل واضحٌ لغير المُتعجل، ولمن لا يتعدى حدود الله بوهمٍ أو ضيق أفق، وهو سبيل الرسل كلهم، وهو نشر الدعوة إلى التوحيد، والصبر عليها، فإنه ليس علينا هدى الناس، وقد قال تعالى لسيد الرسل "فذَكّر إنما أنت مُذكّر لستَ عليْهِم بمُسيطِر"، والعبرة بالأخذ بالأسباب المشروعة حسب شروطها وموانعها، لا حسب الهوى والتمنى، وليس علينا من الإستجابة، إنما هي لله سبحانه، ولسنا أفضل من نوح عليه السلام.

6-       ألا يمكن أن تكون العمليات "الطفولية" من باب ما لا يدرك كله لا يترك جله وإعذار إلى الله ودفع للعدو؟

العمليات ليست طفولية، والمقتول فيها شهيد بإذن الله، ولكنّ الفكر الجماعيّ الذي يسود اليوم فكر ساذج لا يصلح لإقامة دولة، إذ لا يأخذ في الإعتبار جلّ ما مرت به الحركات الإسلامية في القرن الماضى، ولا يراعى سدّا لذريعة، ولا تفاوتاً في المصالح والمفاسد، ولا إعتباراً لمآلات. أما عن إنه إعذار إلى الله، فكما قلت سابقاً، هذا يجوز على المستوى الفرديّ لا الجماعيّ، والواجب على الفرد غير الواجب على الجماعة، أما عن دفعه للعدو، فهو صحيح في بعض الأماكن دون بعضها، مثل أفغانستان والعراق، أما مصر فوضعها مختلف لمن عنده فهم للأوضاع الدولة من ناحية، وللوضع الشعبيّ من ناحية أخرى.

7-       هل هناك مشاحة فى المصطلح وهل سمى المسلمون أهل سنة إلا لحدوث طارئ أجبرهم على التميز؟

المصطلح لا مشاحة فيه، لكن إن كان يجرّ أذى فنعم فيه مشاحة، والأمر أمر أمنيّ لا إسميّ، والحماقة هي التي تدعو للتغافل عن الواقع، وتبسيط الأمور، والبخترة بالإسم لا تصح إن أدى إلى أذى لا داعي له.

وقد أطلت في الجواب، لكن ليس هذا إلا لمحبتي للسائلين، ولمعرفتي بصدقهم وإخلاصهم لدين الله.

دورنا اليوم أن نشرح للناس ما يعنيه التوحيد، ونسقطه على الواقع القائم بكل أمانة ووضوح، وأن نجعلهم يميزون الإسلام الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، من إسلام الإخوان الأمريكيّ، ثم أن ندعهم، في هذا التوضيح، يعتادون على فكرة أنّ الجهاد ليس إرهاباً، كما صورته الصهيو- صليبية، وباركته النظم العربية، إذ الإرهابُ هو قتل الأبرياء بغير حق، كما تفعله أمريكا وحلفاؤها في أفغانستان والعراق، ويفعله العدو الصهيوني في غزة. بل الجهاد هو بذل الجهد لتغيير الواقع القائم عن طريق المواجهة، التي تختلف صورتها حسب المكان والحال، وحسب ما يصلح منها في مناطاتها المختلفة. والعاقل من عمل دون أن يتحدث، والثرثار من أرغى وأزبد، ثم لم يأت بخيرٍ.