فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      العَوراتُ الأربع .. للثورة المِصْرية

      الإسلامُ فوق الثورة .. والله من ورائها حافظ

      مُنجزاتُ الثورة المصرية – حتى الآن – هي مُنجزات هائلةٌ، لم يكن يَدُر بخَلَدَ أحدٍ منذ أسَابيع قليلة، حتى في الخَيال، أن تتحقّق هذه المُنجزات وأن تتغير صُورة السَاحة السِياسية في مِصر بهذا الشكل، إن كانت لهذه الساحة صورة من قبل!

      حسنى مبارك الطاغية خارج الحكم، العادلي يواجه تهم القتل العمد، تعديل الدستور والشُروط الجَائرة للترشّح الرئاسيّ، والضرب على ايدى الشرطة الغاشمة، واستحلال مباني أمن النظام الإرهابيّ، إخراج العديد من المعتقلين، وتشكيل حكومة إنتقالية لا تتبع لنظام مبارك.

      إنجازات هائلة ولا شك، لكن، كما ذكرت من قبل، فإن ثوراتِ الشعوب لا تنظر إلى ما تمّ إعجاباً ورضاً به، بل تتشَوّف وتسعى حثيثاً لتحقيق ما تبقى من أهدافٍ، بلا كلل أو خوفٍ او تباطؤ.

      من هذا المنظور، فإنه لا يَسع الناظرُ في وضعِ الثورةِ المصريةِ، إلا أن يجد إنها، على عَكسِ الثورة الليبية، قد تراجع مدّها بشكلٍ حادٍ، وتكاد كوادرها أن تكون قد استسلمت لمجلس العسكر، على خلفية أنه قد "سمح" بالكثير من طلبات الثوار! وكأن الأصلَ أن المجلسَ هو المُنعِمُ المتفضّلُ بما جادَ به، وأنه، كما يقول المثل المصريّ "إن كان حبيبك عسل..".

      هذا اللون من التفكير والتصرف لا يمثل ثورةٍ حَقيقية، تريدُ أن يكتمِلَ عملُها إلى نهايته المَرجوة. هذا اللون من التفكير والتصَرّف لا يعبر إلا عن بقايا خوفٍ كامنٍ من "السُلطة" أيا كانت، حكومية أو عسكرية. لا اقول أن أبناء الثورة قصّروا فيما كان، حاشا لله، بل أقول أنهم تراجعوا مبكراً عن ممارسة الضغط لإزالة التقيحات من جسد الأمة، دون مُبرر.

      عوراتٍ أربع لا تزال تواجه الثورة المصرية، نحسَب أنه حان الوقت لسَترها:

      العَورة الأولى: حلّ جهاز أمنِ الدَولة: وهو مطلبٌ كان، ولا يزال، على رأس مطالب الثورة الحيوية التي لا يمكن أن تتخلّص البلاد من الترويع والترهيب بدونه، بل قد رأينا، وبإعتراف رئيس الوزراء، أن ايدى تركيباته السابقة لا تزال تعمل على زلزلة الأمن، بينما يعطى الجيش "الطَرْشَة" لهذا المطلب، ويتخفى وراء إعادة الهيكلة، وهي خطوة لا يمكن أن تحقق إلا عودة النظام السابق متخفياً وراء أسماءٍ ومهامٍ جديدة. لا يعلم أحد ما هو تعريفُ الإرهاب الذي يقصده المجلس والذي سيوكل لأمن الدولة بمطاردته؟ ما هي حدوده؟ هل ينطبق على الجماعات أم على الأفراد كذلك؟ وما هي آليات التعامل مع من يرى عاملي هذا الجهاز وضعهم على قائمة الإرهاب؟ أي إعتقالهم وتعذيبهم لإنتزاع إعترافاتهم؟ ام يحيل ملفاتهم إلى جهة قضائية للتحقيق فيها؟ ثم من يتولى الإشراف على جدية وصحة ممارسات هذا الجهاز فيما يوكل له من أعمال؟ فمن حديث ان " لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ" مسلم، هل يعقل أن يُترك هذا الجَهاز حتى دون جِهة إشرافٍ على عَمَله؟

      العَورة الثانية: حل الحزب الوطنيّ: وهو كذلكَ كان، ولا يزال، مَطلباً اساساً، يَضمن أن لا تعود فلولَ النِظام المُباركيّ إلى العمل مرة أخرى من خلال أحزابٍ جديدة، وبدعم من أموالهم الطائلة التي لا يزالون مسيطرون عليها إما بالتهريب أو الإخفاء، نظراً للتسويف الذي مارسه مجلس العسكر في إتخاذ إجراءات التحفظ عليها، متيحاً بذلك الفرصة لهؤلاء لتأمين ما يمكن من أموال منهوبة.

      العورة الثالثة: إلغاء قانون الطوارئ: وهو أعجب ما يكون مما يظهر أن الثورة قد نسيت، أو تناست، بالمَرّة هذا المَطلب، رغم أنه كان من الأسباب الرئيسة لقيامها! ولا يمكن لأمّة أن تتحرَك كوادِرها وتتفاعل أفرادها في إتجاه الحرية للإصلاحٍ تحت ظلِ قانون ظالمٍ باغٍ يقيد الحريات العامة.

      العورة الرابعة: تشكيل مجلسٍ رئاسيّ مؤقت: وهو كذلك مطلبٌ يهدف إلى تنظيم العملية الإنتقالية بطريقة مَدنية، لا عَسكرية، لتجنب ما اسلفنا من عورات، وقد رفض العسكر هذا المطلب بالمرة مما يثير المخاوف، بل مما يؤكد المخاوف من توجّه العسكر إلى فرض وصاية على الثورة، الآن وبعد.

      ثم،إلى جانب هذه العورات الأربع، نجد أموراً أخرى، وإن كانت ثانويةً بالمقارنة إليها، مما يجب على الثورةِ المواصلة لتبديلها لتأثيرها المباشر والهدّام على مكاسب الشعب، مثل إقالة  مجالس إدارات الصحف الحكومية، ومحاكمتهم كاسامة سرايا وعبد المنعم السعيد، وإقالة النائب العام الموالي لحكم مبارك، والذي طالما سكتَ عن بلاغاتٍ قُدّمت له بل وطَواها في ادراج المكاتب دون تحقيق، وإنشاء هيئة قضائية مستقلة لمكافحة الفساد في العصر البائد، يكون عملها تلقى البلاغات والتحقيق فيها وتحويلها لأجهزة الشرطة للقبض على الفاسدين.

      ومما لا شك فيه انّ هذه الاحداث الطائفية تقصدُ فيما تقصدُ إلى تشتيت نظر الشعب وشباب الثورة عن هذه العَورات، وتسْريب مَشاعر الخَجلِ من إستمرار الضغط على العسكر، لا الحكومة، لستُرها.

      وها هي الثورة التونسية، مُلهِمة الثورات في عصرنا، قد سبقت الثورة المصرية، وسارت إلى نهاية الطريق، بعد إعلان حلّ الحزب الحاكم وأجهزة أمن الدولة. فهل تلحق بها ثورتنا المصرية قبل فواتِ الأوان، والأمان.