فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      معالمٌ قي طريقِ الدعوةِ .. نَظرةٌ عَاجِلةٌ

      شعارنا

      الإسلامُ فوق الثورة .. والله من ورائها حافظ

      مَعالمٌ في طريقِ الدعوةِ .. نظرةٌ عاجلة

      لاشكّ ان لحظات التغيير التاريخيّ التي تمر بها الأمم والشعوب كلّ حينٍ في حياتها، تحتاجُ إلى وقفات تأملٍ وتدبّرٍ من النخبة التي تقود الأمة في هذه اللحظات، سواء على أرض الواقع، شباباً، أو على صفحاتٍ الكتبِ والصُحفِ، شيوخاً. فالتغيير يعنى بالضَّرورةِ تَحويلاً في  الإتّجاه، وهو ما يَسْتدَعى نظراً وفكراً، وحِرصَأ وحِنكةً في نفس الوقت، فالتحوّل إلى مَجهولٍ، أو غَامضٌ على أقل تقدير، يَحتَاج إلى مَشاعِلٍ تضيئ الطريق، وإلى مَعالمَ تهدى الى مَداخِله وتبيّن مَراحِله، وهو أمرٌ يَحتاج إلى دِراسة مُفصّلة جَادة، إنّما نوجِز هنا ما نَأمل أن يكونَ نقاطاً على جَدولٍ عَمَلٍ لهذه الدراسة والتي أزمَع – إن شاء الله تعالى - أن أدعو اليها من أرضِ مصرَ، إن يكتبُ الله لي العَودة اليها في الصَيف القادِم بعونه تعالى، إن طاوعَت النفس واندَحرَ الشَجَن ممّا حلّّ بساحتنا.

      ولحظاتُ التغيير التي تَجتاحُ وطنَنا العربيّ المُسلم الحبيب ليسَت بِدعاّ في ذلك. لكنْ ما يُثلج القلبَ ويهدّئ الخَاطرَ أنّ طريق التغيير هنا معلومٌ مقرّرٌ، بخلاف ما يعترى غيرنا من أمَمٍ ليس لها علمٍ ولا هدىً ولا كتابٍ منير. التغيير الموفقُ الذي يرفع أمّة العَرب إلى آفاق النصرِ وغاياتِ التقدّم لا يكون إلا بالله وبالإسلام. هذا أمْرٌ مفروغٌ منه لا داعٍ لترداد الحَديث عنه. إنما الأمرُ هو كيف تتوجّه الدعوة بين الناس بعد أن ظلّت تتخبط بين أشْكال عديدة، نتيجة إختلاف في الرؤى وإختلاف في الأهواء على حدٍ سواء، مما أدى إلى التضَارب والتنافر، ثمّ إضعافها كلها على حِسَاب بعضها البعض.

      وهذه المَعَالم التي تحتاجُها الدعوة إنما تتبيّن من التفاعل مع مُعطيات الواقع، من خلال تحليلِ أحداثِ المَاضى، في ضَوء أهداف المستقبل. وبعبارة أخرى، فإن هذه المعالم يمكن أن تتلخص في المراحل التالية:

      1.       النظر في الماضى وما تراكم فيه من أشكالِ الدعوة.

      2.       النظر في الواقع الناشئ الذي يتبلور حالياً، والذى ما لاتزال معالمه غير واضحٍة فيما ستنتهى اليه.

      3.       النظر فيما يراد أن تصل اليه الدعوة، شكلا وموضوعاً، في المستقبل القريب والبعيد.

      وسنحاول في هذه العجالة أن نعطى تصوراً لهذه المراحل حسب ما تراكم لدينا من معرفة بالماضى، وقراءة للحاضر، ورؤية للمستقبل.

      1.       النظر في الماضى وما تراكم فيه من أشكالِ الدعوة: ولن نحاول هنا التوسّع في دراسَة الحركات الدعوية التي ظهرت في العقود الماضية، لكن نكتفي بتقرير الأطياف المختلفة التي كان لها دورٌ ووجودٌ على أرض الدعوة، بحقٍ أو بباطل:

      a.       الإخوان المسلمون، ومنهجهم معروف، وهم قد فشِلوا، بكل مقياسٍ، في تحقيق أي تقدّمٍ سِياسيّ بما تبنوه من منهجٍ في الإنخراط تحت مظلة العمل السِياسيّ في عهود الطغيان، وتركيزهم على العمل السياسيّ دون الدعوىّ، مما جعل الكثير من منتسبيهم وكوادرهم في حاجة ماسة إلى تنمية علمية شَرعية مَنهجية.

      b.       السّلفيون: وهم، وإن كانت عقيدتهم النظرية وفهمهم للتوحيد وتمسكهم بما صحّ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرب إلى الحق من غيرهم، إلا أنهم قد وقعوا في شبه الإرجاء، كالإخوان، حين طبقوا مَناطَات أحَاديث السَمع والطَاعة، فخرَجَت قراءتهم للواقِع مَريضة مُهترِئة بعيدة عن الحق، أعجزتهم عن التفاعل مع الحَاضر المُتغيّر.

      c.       أهل السنة والجماعة: وهم، وإن لم يكن لهم تنظيم أو قيادة، وإن كانوا غالباً من المستقلين، نظراً لشِدة بطشِ السَلطات الكافرة بهم، إلا إنهم موجودون في السّاحة، عَالمون عَاملون، لا يضُرّهم من خَالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله. ومن هؤلاء الكثير من الشَباب ممن تربّّي على أيدى شُيوخ أهل السّنة في العُقود الأربَعة الأخيرة أسَاساً.

      d.       السلفية الجهادية: وهي شكل آخر من أشكال السَلفية التي تعتمد الجِهَاد الآنيّ حلاً.

      2.       النظر في الوَاقعِ الناشِئ الذي يتبلورُ حَالياً: وهو ما نراهُ حَالياً من تطوّر خُطواتِ الثورة في سَبيل تحريرِ مِصر من الفَسَاد والظلم وإستبدال النظام الفَردي الديكتاتوري بنِظامٍ أكثر حُرية، وإن لم يكن حُرٌّ تماماً بسَببِ تربّصّ قياداتِ الجيش بتجربة التَحرّر التَام، وهو البُعد الذي يجب أن تَحترِس منه أيّ دَعوةٍ قادمةٍ، إذ سَيتربّص الجَيش، ذو القيادة العلمانية، بأيّ حركة قد تثمر إتجاهاً عاماً قد يوجِه السياسة توجيهاً إسلامياً من خِلال مَجلسِ الشعبِ والاحزابِ. ولا زلنا نسْمع من بعض الشخصيات السياسية "الوطنية"، بل وللأسف من بعض شَباَب الثورةِ كذلك، أن إعادة هيكلة جَهاز أمنِ الدولة يجب أن يتوجه لتجميع التقارير والمعلومات عن "الإرهاب"! وهو ما نعرف أنه يعنى في المُصطلح السياسيّ الحديث "الدَعوة إلى الإسلام". هذا التوجّه يبيّن أنّ أهل الإسلام سيكونون تحت المجهر، ولن تكون الفرصة أمامهم متاحة حتى ولو حَصَلوا على الأغلبية الديموقراطية.

      بَقِي أن نَفهم أنّ الشكل النهائي للحُكمِ في مصر لم يتبَلوَرُ بعد، وأنه طَالما يتحكّم الجَيش في مَطالبِ الشَعب، ولا يحقّقها إلا تحت التهديد الشعبيّ، فإن حركة التحرّر ستظل حَبيسة مُقيدة، إذ إن الحرية لا تُمنح، من جيش أو غيره، بل يجب أن يكون صَاحبُ القرار هو مُنفّذه، لا أن يكون منّفذ القرار مُجبراً عليه، ولنا في إنقلاب الجيش بموريتانيا على أول رئيس منتخب بعد عهد ولد طايع، وتولي الجنرال محمد بن عبد العزيز (ما يذكرنا بسامي عنان!) ما يجعلنا نتوجس من نهم الجيش للسلطة في كل زمان ومكان. كذلك لا يجب أن نأمل خَيراً في الحُكومة الإنتقالية، إذ من الواضِح إنّ التوجّه العام لتعيين شَخصياتٍ عِلمانية "ليبرالية" كعماد أبو غازى على رأس الثقافة في مِصر، وهو مَاركسيّ ليبراليّ مَعروف. ولعل الإحتكام إلى صَناديق الإقتِراع أن يقرّبنا من هَدفنا خُطوة أو خُطوات.

      3.       النظر فيما يراد أن تَصِل اليه الدعوة، شَكلاً وموضُوعاً: وهَدَف الدَعوةِ إلى الإسْلام وتطبيقِه في حَياةِ الناس، مَعروفَة ولا تحتمِلُ تعدّدية ولا مُمَاحكة.

      لكن الأمرّ هنا هو كيف يمكن أن نتوجّه بها إلى الناس؟ بما نبدأ به، وما نُريد أن ننتهى اليه، ما هو أسْلوب الدعوةِ المناسِب وسَطَ العَامّة، وما هي الفَرضِيّات التي يعمل الدُعاة على أسَاسها. ثم، وهو الأهم، ما هو طريق تكوين وإعداد الدعاة، غير الرَسميين، بعيداً عن الأزهر وعن الجَمَاعَات الإسلامية التنظيمية، وأقرب إلى رجل الشارع البسيط المسلم.

      كذلك يجب تحديد رؤية شرعية لما يطمح اليه المسلمون في المستقبل، وسط خريطة العالم العربيّ، أخذا في الإعتبار الواقع العربيّ والعالميّ، وتطور أشكال الحكم، وتعقد مجالات الحياة، ليكون الهدف الإستراتيجيّ للمسلمين في مصر قابلٌ للتحقيق دون تفريطٌ في اصوله وقواعده، ودون وَضْع عَراقيلٍ، لا دليل شَرعيٌّ معتبرٌ عليها، تُعيق تَحقيق الهَدفِ الإسْلاميّ الأعلى، وهو تحكيم دين الله في أرضِ المسلمين، لصَالح كل يعيش على هذه الأرض المسلمة.

      ولعل الله أن يَمدّ في العُمرِ حتى الصَيف القادم، حيث أنوى، والنية لله تعالى، أن أتقدم بورقة تحت عنوان "رؤية عَملٍ لمنهج الدعوة ومعالمها"، إلى كلّ من أراد أن يكون عاملاً فاعلاً في طريق هذه الدعوة التي:

      • هدفُها "التوحيد"،
      • وكَلمتُها "لا إله إلا الله"،
      • وشِعارُها "الإسلامُ فوقَ الثَورةِ .. واللهُ من ورائِها حَافِظٌ".

      والله وليّ الذين آمنوا، والذين كفروا لا مَولى لهم.