فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الهوية الإسلامية للثورة المصرية – حديثٌ إلى الدُعاة

      لعل ما يجب التنبيه إليه في هذه الفترة الحَاسِمة من تاريخ مِصر، أن الشَعبَ المِصريّ الذي ثار على الفَسَاد والطغيان، ونَجح في قطعِ  رأس الظُلم والإستبداد حسنى مبارك، ولا يزال يقاوم، بوعيّ وفهمٍ، لتطهير البلاد من تقيّحات النظام البائد، هو شعبٌ مسلمٌ يؤمنُ بالله سبحانه، ويحبُ رسوله صلى الله عليه وسلم أشد ما يكون الحبّ. ومن الخطأ، كلّ الخطأ، والإجحاف كلّ الإجحاف، أن نّعتبر أنّ هذه الجماهير الغفيرة التي تجمعت لإزاحة الطاغية، والتي سجدت لله على قلبٍ رجلٍ واحدٍ، ليست من الإسلام في شيئ، أو أنّ الثورة ثورة لادينية، لأنها لم تَرفَع مطلب تطبيق الشريعة، كواحدٍ من مَطالبها، أو أنّها لم تسمى نفسها إسلامية. ولننظر إلى ما ذكرنا نظرةً أقربَ وأعمق.

      فالحرية في حَدّ ذاتِها، مَقصَدٌ إسلاميٌّ أصيل تشهدُ له الشَريعة أصولاً وفروعاً، بل هو من أجلّ مقاصد شَريعتنا، حيث لخّصَه الصَحابيّ الجليل ربعيّ بن عامر في حديثه لرستم، حيث بيّن مقصد الشريعة الأكبر "إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد". الحُرية المطلقة من جُور بني آدم إلى عَدل الله سبحانه. فما من مُسلمٍ طلب هذه الحرية وسعى لها سعيها، إلا وكان خروجه في سبيل الله، وكان موتُه شَهادة. وما من مسلمٍ خَضَع للظلم والطغيان، ورضى بالذلة والدون، وقنع بالوقوف جانب الحائط، جبناً أو تأولاً باطلاً، إلا وخالف شرعة محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

      ثمّ، إنّ الخروج في وجه حاكمٍ طاغٍ، دَع عنك علمانيته وكفره، لأمْره بمعروفٍ، ونهيه عن منكرٍ، هو من الضَرورات الشَرعية التي، يُندب اليها بالجزء (الفرد)، وتَجب على الكلّ (الجماعة)، وهو البُعدُ الذي غَاب عن نظر كثير ممن ينتمى لتيّاراتٍ مَحسُوبة على الإسلام، وأدى إلى تركِهم هذه الفريضَة. وما من مُجتمع مُسلمٍ ترك هذه الفريضة إلا وعاش في الذل والخزى والمهانة، حتى يرجِع. وفي الحديث، الذي غفل عنه الغافلون من مدعي الحديث، ما رواه ابو داوود والترمذي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، وَلَيَأْطِرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ" صححه أحمد شاكر وحسّنه العسقلانيّ. فما قام به الشَباب الثائر هو ما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجابهة الظَالم، دع عنك العلمانيّ الكافر.

      ومن الصحيح أنّ مثل هذه الثورات الجماعية، لا تخلُص من كلّ عيبٍ، ولا تبرأ من كلّ دخَلٍ، يريد أن يوجّهها وجهته، وأن يَسِمَهَا بشِعَارِه، وهو ما نراه في الثورة المصرية، إذ أعْرضَت عنها القيادة القبطية رَسمياً، لعمالة شنودة المعروفة، لكن دخلت فيها من القبط طائفتان، طائفةٌ مغرضَةٌ تحمل أجِندة قِبطية عِلمانية كجورج إسحاق، وطائفة قليلة جدا من شباب القبط، ممن يريد التغيير إلى الأفضل. كذلك خرج عدد من العلمانيين، كتاباً وفنانين وصحفيين، من المَعروفين بعدائهم للإسلام، فروّجوا للدولة "المدنية" اي العلمانية اللادينية، وتحدثوا، على إستحياء وحذر، عن المادة الثانية في الدستور، لكنّ هذا الإتجاه قد تضخّم بفعل الإعلام، الذي يفتح له الصدر، ويرسم له صورة الفكر، وليس له ايّ أرضية حقيقية بين الجماهير المسلمة.

      من ثمّ، فإنه، ومع وجوب الحذرَ من هذه القوى والتحسّس من تحرّكاتها وفضح أساليبها، يجب أن نقدّر هذه القوى حق قدرها، ومن الظلم الفاحش البيّن أنْ نصْبِغ الثورةَ كلها بصِبغتها، ونَدينها بدينها. فالثورة ثورة جمهور مسلم، وقد أثبت من تعَوّدنا تسْميتهم "الإسلاميين" أنهم يأتون في آخرِ الصفّ، سَواءً بالتخلف عن الثورة بحجة أنها خروج على وليّ الأمر! أو بإستخدام الثورة لكسبِ مواقف مع الحكومة، والكرّ والفرّ مع النظام الفاسق، وإمساك العصا من النصف، لتحقيق أجندة خاصة لفائدة الجماعة خاصة، بغض النظر عن الجَماعة الكُبرى.

      الدعوة إلى تطبيق الشريعة كاملة هو أمر لا بدّ منه، وهو مقتضى صحة التوحيد، إيماناً للفرد، وتطبيقا للجماعة، وهو ما يجب على المخلصين من الدعاة الخروج به بين الناس وتوضيح المفاهيم وتصحيح الرؤية. 

      دورُ المُسلمين المخلصين العاملين في مَجال الدعوة، لا أقول الإسلاميين، أن يَعملوا على البدءِ في نشرِ الوَعي الشَرعيّ بين الجُمهور المُسلم، وعدم الإنغلاقِ على أنفسهم تحت مُسَمياتٍ يصطنعوها، أو إنتسابهم إلى تجمعات "إسلامية" تحول بينهم وبين الناس. وليعلم الشباب من الدعاة أن الجمهور من شعب مصر أثبت إستعداده وقبولَه وحُبّه لدين الله، وبقيّ أن يتحرّك الدعاة بينهم لشرح التوحيد، وبيان فَضلِ الشريعة، وإزالة جُدران الخَوف التي ذّرّعها النظام العلمانيّ البائد في نفوسِ الناس، من "الإسلاميين" ومن "تطبيق الشريعة"، بمكرِ الليل والنهار وبكافّة الوسائل الإعلامية والإرهابية، وتشويه المَعَاني وخَلطِ المُصْطلحات، وهو المُخَطّط الذي ثبّتَ دَعائمه وشَارك في إنْجاحِه الإسلاميون أنفُسَهم، بتقليص نَشاطِهم داخِل تجمّعاتهم أو جماعاتهم، وبالإستِسلام لشُعور التَعَالي والتفوقِ على من حَولَهم!

      آن الأوان أن ينزِل المخلصون من الدعاة إلى أرضِ مصر، بين أهلها، مُتحصّنين بالفَهم المُتكامل للشَريعة، لا يحبِسون أنفسَهم أسْرى العِلم النظرّيّ، دون التحرّك وسَط العامة، ولا يتحرّكون حَركة عَشواء، بهدفِ الحركة، دون عِلم أو وَعي. ذلك هو الإختبار الحقيقيّ للدعاة، إذ لم يَعد هناك سَبَبٌ للخوفِ والتردّد والتحَوصُل والإنكِماش على الذاتِ، سَواءً الذاتِ الفَردية أو الذاتِ الجماعية المَحدودة، مما يولّد مشاعر العلو والمفارقة، ويجهضُ غَرض الدعوة ويُفرِغُها من مُحتواها. فإن لم يفعلوا فقد وقعوا، بقصد أو بغير قصدٍ، في تكفير المجتمع كلّه، وفي ذلك ما فيه من إثمٍ وخطيئة. وقد نعى هؤلاء من قبل على سيد قطب رحمه الله وقوّلوه ما لم يقله من تكفير المجتمع، فإذا بهم يقعون فيه عملاً ويمارسونه فعلاً.

      لنبدأ بالحديث إلى الناس، حديث قلبٍ إلى قلب، حَديث مُسلمٍ إلى مُسلم، حديث من يحمل هدىً وينير مشعلاً، يبحث عنه الناس، بل ويعيش نوره داخل ذواتِهم، بدلاً من القُعود والإكتفاءِ بالتحذير والتخويف، وبالتهديد والوعيد إن لم تُرفع شِعارات محددّة، وبالتفاعل مع الجُمهور، دون أجندات سياسية لصَالح جَماعة مُعينة، إذ سرعان ما سَيكشفها الجُمهور الذي أثبت أنه ليس بالسَذاجة التي يحسِبها البعض. وبإدعاء عدم "إسلامية" الثورة

      ولنا إلى هذا الحديث رجعة إن شاء الله، والله تعالى الموفق