فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      رَحيل النِظام .. أو الطُوفان

      بعد مِضى ستة عشر يوماً على مِيلاد الثَورة المِصرية، انحَسمت الخِيارات أمام النظام إلى خَياره الأخير، وهو الدَفعُ بالجَيش لمُواجَهة الشعب. والجيش، كما قلنا من قبل، لم يظهر منه إلا الحِياد السَلبيّ الذي يدعم النظام، ولو بطريقٍ غير مباشر، عن طريق حِماية المُنشَآت الحكومية، خاصّة السّيادية كالإذاعة والتليفزيون. وهوما دعا إلى التشَكك في دور الجَيش ومؤسّساته، لما لقِياداته العُليا من مَصَالِح شَخصِِيّة وفِئوية، حَازَتها هذه الفِئة العَسْكرِية مدة سِتة عُقود كَاملة.

      القيادة العليا للجيش باتت تلوّح بإطلاق العِملاق العَسكريّ بكل آلياته لينقَضّ على أبْناء الشَعب الذين هم أهله وعشيرته، بصفتها المُتحكمة حتى الآن في المَسار السِياسيّ في مصر، من حيث أنّ كل من رئيس الجُمهورية السَاقِطِ، ونائبه ووزير دفاعه ورئيس حكومته هم من أفراد هذه المؤسّسة العَسْكرية.

      وفي المقابل، ينحَصِرُ الخَيار الوحيد أمام الثورة المصرية في أنْ تتصدى لهذه التهديدات، سواءاً على المُستوى النَفسيّ، وهي لا تَزالُ في مستوى التهديدِ والوعيد، أو على المُستوى الواقعيّ إن تحولت إلى واقعِ صِراعٍ على أرض مصر. وهو خَيار أظَهر الشَعب الصَامد في ميدان التحرير وغيره من البقاع الثائرة إصْرارَه على المِضيّ فيه قُدُماً إلى النِهاية.

      وهو ولا شَكّ قبولٌ بتحدٍ عَسيرٍ ستكون نتيجته دماريٌ واسع النطاق في مصر وعليها. سيسقط شُهداء كثيرون، وستُدمر منشآت وتتعطل أعمال وتفقد أموال لا خصر لها. فالعجب أنّ هذا الخَسيس مبارك يدّعى أنه لم يقرر البقاء إلا للحفاظ على الأمْن ومَنعاً للفوضى! جِبلّة نتنة ليس لها مثيل. ويدّعى وَلِيّه العميل الصَهيونيّ عمر سليمان أنّ بقاء الخَسيس لازمٌ للتغيير! وأذكر في سياق هذا الكذب قول شوقي: كَذِبٌ وتَضْليلُ أحلامٍ وسفسطةٍ. نعم، لم يعد لدى هؤلاء ماءاً في وجههم، إن كان فيه ماءٌ يُحفظُ في يوم من الايام.

      وتأتي أخبارٌ عن خلاف بين العميل الصَهيونيّ عمر سليمان وبين رئيس الأركان سامي عنان. ولا نعرف عن طبيعة هذا الخلاف، أو عمقهن لكن حقيقة أن هناك خلافٌ بين صفوف المنظومة العسكرية يحملُ أملاً في أن تخرج هذه المؤسسة عن سَيطرة قيادات النظام الفاسدة، ولعل سامي عنان أن يزيح هؤلاء وتكون له يدٌ بيضاء عند الشعب. لكنّ هذا الفرض لا يزال بعيداً عن أرض الواقع

      لكن السؤال: هل هناك بديل عن المواجهة؟ هل هناك طريقٌ آخر تنجح فيه الثورة دون هذه الخسائر المُجْحِفة؟ لا أرى أي مخرج بديلٍ إلا تنحى هذه العصبة العسكرية، وتسليم مبارك للمحاكمة، وهو ما لا يمكن أن يحدث أبداً، إذ هذا رهانٌ على حياتهم شخصياً، فإن أيّ حُكومة ديموقراطية لن تتهاون في حقّ الشعب في محاكمة هؤلاء واسترداد حق من قُتل وعُذب واستبيحت كرامته ونُهب ماله. وهو ما يعرفه رجال العصابة جيداًن إذ بدأت بالفعل ملاحقات حقوقية على المُسْتوى القوْميّ والعالميّ.

      هي إذن مواجهة حياة أو موت بالنسبة لكلا الطرفين، الشعب في كفة، وعصابة العسكريين من ناحية أخرى. وهو إذن الطوفان!