السؤال:
ما الذي تأخذونه على حماس، في مهاجمتكم لها، رغم تحقيقها أهدافاً معينة مثل تحرير الأسرى، والبقاء في مركز السيطرة في غزة؟ ولماذا لم تفرحوا مع فرح الأمة بإنجازها؟
=====================
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومنوالاه وبعد
1. صورة من التاريخ:
أمور ثلاثة نريد أن نؤكد عليها أولاً:
الحكم على حركة أو فردٍ، لا يكون إلا بإخضاع تصرفاته لقواعد الشرع وضوابط العقل والمنطق، لا حسب مسالك التشهي وشواغب الهوى.
كما أن الحكم على فردٍ من الأفراد يختلف عن الحكم على جماعة أو حركة أو طائفة معينة، اختلافاً جذرياً.
والأمر الثالث هو أن النوايا والمقاصد ليست مرجعاً في الحكم على الحركات والجماعات، أو على الشخصيات العامة البارزة بالحديث في أمر الناس.
أما وقد سردنا تلك القواعد واتفقنا عليها، فنقول بعون الله تعالى:
حماس حركة ظهرت على يد أحمد ياسين، وعدد من قادة القطاع، في عام 1987. وقدمت نفسها على أنها "حركة إسلامية"، تابعة للإخوان المسلمين، بمعنى أنها تسعى لتحرير أرضها باسم الجهاد، الذي غايته إعلاء أمر الله تعالى، ومناهضة لحركة فتح في الضفة الغربية، بعد أن استقلت بحكم القطاع عام 2007، بعد فشل مؤتمر مكة، وقيادة اسماعيل هنية للحكومة في القطاع.
ومنذ أن استولت حماس على الحكم في القطاع، تكيفت حالتها الفقهية إلى حالة "تمكين" لا شك فيها، حيث كانت تدير كافة أوجه الحياة للمجتمع الغزي، بل وتصنع السلام، وتجبي الأموال.
ولكن قيادة حماس لم تفِ بوعدها في اعتماد الشريعة كمرجعية وحيدة أصيلة للحكم. بل تنصلت وتلونت وتململت، وأعلنت الديموقراطية نظاماً، وتركت مظاهر الفسق تنتشر بين طبقات المجتمع دون رادع أو مرجعية، متبنية "الحرية الشخصية" كمبدأ للتعامل مع الفرد.
وقد أعلن أحمد ياسين مناصرته لثورة الروافض وعلى رأسها الهالك الخميني، واعتبارها منهجا له ولحركته، في إبان زيارته لمقبرة الهالك عام 1998، حيث تناقلت وكالات الأنباء القول "طهران أ.ف.ب: أقسم المرشد الروحي لحركة المقاومة الاسلامية (حماس) الشيخ احمد ياسين على "مواصلة طريق" آية الله الخميني عندما زار امس ضريح مرشد الثورة الاسلامية في ايران.
ونقلت وكالة الانباء الايرانية عن ياسين قوله ان حركته "مستعدة لمواصلة طريق الامام الخميني" الذي قاد ثورة 1979 وأسس الجمهورية الاسلامية الايرانية".
ثم حين اختلفت بعض الاتجاهات الإسلامية الأصولية، التي أرادت أن تعود لتطبيق التعهد الأصلي في ميثاق حماس، بالالتزام بالشرع، ومنحهم فرصة مناوشة اليهو* د ، ولو خارج إطار حماس، ضربتهم حماس ضربة موجعة، بل قتلت منهم عددا بلغ 19 شهيدا بإذن الله، على رأسهم قائد جماعة أنصار الله عبد اللطيف موسى.
وكانت مجزرة مسجد ابن تيمية عام 2009، هي المسمار الأخير في نعش قبول حماس بين المسلمين الموحدين، بلا رجعة!
وظلت قيادات حماس، وهنية خاصة، تقدم نفسها على أساس أنهم الزهاد العباد، غير طالبي الدنيا وما فيها! رغم أن ذلك لم يكن إلا عرضا مسرحيا، أو photo ops للاستهلاك الجماهيري. وكان أبناء القادة وأهلهم يعيشون على مستو لا يقترب منه إلا أغنياء غزة، ويتلقون التعليم في الخارج.
2. الحدث المرّ:
في السابع من أكتوبر 2023، تبين فجأة أن أحد القادة، يحي السنوار، والذي كان مسؤولا عن الجهاز الأمني في الثمانينيات، ثم اعتقله الكيان وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، ثم أفرج عنه في صفقة شاليط، كان مبيتا لهجوم أعد له، يُقصد به خطف عدد من الرهائن، ليقايض بهم على ما أعلن عنه كأهداف لعمليته، على أساس ما كان في صفقة شاليط من قبل!
وقد كانت حماس قد خططت وقامت ببناء شبكة معقدة من الأنفاق تحت أرض القطاع، لاختباء مقاتليها، وتخزين السلاح والطعام، حال أن قامت حرب مع الكيان.
وقد قامت الأنظمة العربية بإظهار العداء لحماس، بشكل لا يدع مجالاً لشك في عدم دعمها لها، من حيث أن الأنظمة لم ولن تدعم من يتخذ السلاح وسيلة لأي مواجهة، سواء بحق أو بباطل.
3. الأخطاء القاتلة:
وقد توالت أخطاء حركة حماس، منذ أيام مؤسسها ياسين، حتى أفضت إلى ما قدمت.
وتقييم الأخطاء ينقسم إلى عقدي وحركي:
الكوارث العقدية:
العمى العقائدي الذي جعلها ترتمي في أحضان أخبث حركة رافضية، من أحفاد العلقمي والصفوية، والذين يقذفون أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عِرض الحبيب المصطفى ﷺ ، ويكفرون الصحابة وعلى رأسهم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ويدَّعون تحريف المصحف، والألوهية لعلي والحسين، رضي الله عنهما، وغير ذلك من المكفرات العقدية والبدع الشركية في التصرفات.
لا يجب أن ينظر المسلم إلى مثل هذا الولاء والانتماء باستخفاف أو استهانة، فهذا، لعمر الله، فيه محبة لمن آذى رسول الله ﷺ وخرج عن ملتنا ردة عنها. والولاء ركن من أركان التوحيد، والمرء مع من أحب. وهذه كبرى الأثافي، وبها، كما أعتقد اعتقادا جازما، دمر الله عليهم عملهم كله. حتى بلغ بهم الحال أن تصالحوا مع بشار الأسد سفاح سوريا، دون اعتبار لأي وشيجة دم مع السوريين السنة الذين عصف بهم ذلك النصيري، ولي الروافض!
اعتمادهم المفهوم الوطني للحركة، وتقديس "القضية" و"الحركة"، حتى أصبحتا هما الهدف المقصود لذاته وعينه! وحتى صارت نصرة القضية مقدمة على نصرة التوحيد في أدبياتهم وعلى ألسنة قادتهم! فمن نصر القضية فهو الولي الحبيب، كافرا كان أو مشركا، ومن خالف مسار الحركة فهو العدو اللدود، ولو كان أفضل أهل التقى والجهاد! ففلسطين قبل كل شيء وبعد كل شيء! وهو مفهوم كفري محض لا محل له في أدبيات الإسلام.
اعتمادهم النموذج الغربي الديموقراطي في حكم غزة على مدى سبعة عشر عاماً تمكنوا فيها بالقطاع مما كان يسمح لهم في إقامة الشرع، ولو جزئياً.
الكوارث الحركية: مصيبة 7 أكتوبر:
الوهم والخيال في وضع أهدافٍ خيالية لا يمكن تحقيقها بألف
جندي يهجم على أطراف غلاف غزة، ويأسر مائة وخمسين رهينة!
· تحرير القدس والأقصى
· تبييض السجون
· رفع الحصار عن غزة
· بناء ميناء ومطار
ما هذا؟! ما هذه الأهداف؟! لو اجتمعت الجيوش العربية كلها اليوم، ما وضعت أهدافا لها بهذا السقف!
لم يكن هناك أي تصور للواقع المحيط بالحركة في قضية التعامل مع النظم العربية. إذ ادعوا أنهم اعتمدوا على دعم الحكام العرب!! وهيهات هيهات! هذا لون من الخبل والاستغفال. ولا أظن أن هذا الإدعاء قد ظهر للإعلام إلا لتبرير حجم الفشل الذريع في التخطيط والإعداد، والمهمة كلها برمتها. فمن لا يعرف أن حكام العرب صهاينة بنسبة 100%، لا يصح أن يكون في يده مصير قومه.
الجهل بطبيعة الحركة الصفوية الفارسية، ومدى مكرها وخبثها، وهدفها الأعلى في تدمير أهل السنة أينما كانوا. ومن أراد شاهدا فعليه بأحداث سوريا ولبنان والعراق واليمن! وقد والوا هؤلاء الروافض، ومن غباء تصرفاتهم، أن صدقوا أن الروافض سيواجهون الصهاينة من أجل أعينهم، وقد كان الأمر كله يتعلق بدفعهم لمثل هذا العمل، حتى يرتفع التهديد القائم على إيران بشأن برنامجها النووي، وإلقاء ذراعها، حماس، في أتون المعركة، ولتلاقي ما تلاقي، وليحارب حسن نصر اللات العمود عدة شهور، ولا بأس!
إسناد مثل هذا القرار لرجل مثل السنوار، الذي كان، بلا شك، مضطرباً نفسياً، بعد اعتقال حوالي ثلاثة وعشرين عاماً، دون عمل فحص نفسي له، كما يحدث في النظم الراقية، لضمان استواء فكره وعدم تأثره الشخصي بعداءات قد تجلب الدمار على قومه، وقد كان!
والعجيب أن هؤلاء الخسارى، بعدما ظهر أن الكيان لن يسير على نهجه في موضوع شاليط، بل سيدمر القطاع بكامله على رأس من فيه، ويقتل أكثر من ستين ألف نفس بريئة، ويجرح مائة وخمسين ألفا، ويشرد مليوني غزوي في الخيم وعلى الشواطئ، أمر من وراء الخيال حقا!
ثم يقول هؤلاء الخسارى: انتصرنا!
لا حياء ولا دين ولا ضمير!
كيف يكون شكل الهزيمة لو هزموا إذن؟ ما صورتها؟
لكن هذا نابع من اعتقادهم الأصيل، في أن "الحركة" هي الهدف، بل هي القضية. وطالما لهم جند يلبسون الأخضر المكوي النظيف، ويجوبون الشوارع المهدمة بين الخلق المشرد، متصايحين باسم حماس والقسام، فهم منصورون، ولو قتل أهل غزة جميعا!!
مرض عقلي عجيب غريب، ومقاييس للنجاح والفشل والنصر والهزيمة لا منطق فيها ولا قواعد لها، إلا اللعب بعقول العامة والدهماء!
4. لم لا نفرح بفرحهم!
وهل لمسلم عنده ضمير حي أن يفرح بأي شيء كان، ومائة ألف عائلة ثكلت ابنا أو أبا أو زوجا أو اخا، أو كلهم جميعا، نساء وأطفالا على وجه الخصوص!؟
كيف يفرح بشر بخروج عدد من الأسرى، اعتقل غالبهم بعد العملية الفاشلة، وهو يرى أن حياة الملايين قد تحطمت، وآمالهم تبعثرت، ومستقبل أولادهم لا عنوان له في الأفق!؟
فشلوا في توقع رد الفعل الصهيوني، والإعداد له ..
أعدوا لاختباء مجنديهم، لكنهم لم يعدوا لحماية شعبهم فوق الأرض، فتركوهم يقتلون ويذبحون ببشاعة اهتز لها العالم ..
قالوا: انتصرنا إذ لم نحقق للعدو أهدافه!
سبحانك ربي .. يتحدثون إلى مخابيل لا عقول لهم!
وماذا خسر العدو في كل هذا الهياط؟
هل قتل له مدني واحد؟
هل ضربت له مدينة واحدة، فرأينا دمارا وحرائقا ونزوحا وتوقفا للعمل وشوارع مهدمة ومبان محترقة! إلا فرقعات الحوثي وضربات حزب اللات على العمود، وصواريخ حماس التي لم تصب هدفا إلا واحدا إن أحسنا الظن!
* مالاً، سيعيده له شركاؤه في الصهيونية
* عملة تحسن أداؤها ..
* بل سيطر على القطاع واحتله ومنع أي نشاط فيه في المستقبل القريب والمتوسط، عقوداً لا يعلمها إلا الله، إلا إن أراد ربي معجزة كونية.. ثم تركه خرابا يبابا، "وكأنك يا أبو زيد ما غزيت"!
قالوا: كانت نيتهم الجهاد والنصر؟! قلنا: لا، فالنيات في تقييم الجماعات لا محل لها في الميزان البتة .. البتة!
النيات قد تكون معتبرة في تصرفات الأفراد، غير المسؤولين من القادة، والتي لا انعكاس لها على مصلحة الغير، حتى في حالة الفرد! وإلا لسقطت حقوق الناس بحسن النيات، وانعدم معنى المحاسبة والمسؤولية والجزاء!
والأمر أقطعُ في موضوع الجماعات، فالنية والقصد لا اعتبار لها بأي شكل من الأشكال، بل هو التصرف ومآله، لا قصده ونية فاعله!
وهل لمسلم عنده ضمير حي أن يفرح بأي شيء كان، ومائة ألف عائلة ثكلت ابنا أو أبا أو زوجا أو اخا، أو كلهم جميعا، نساء وأطفالا على وجه الخصوص!
كيف يفرح بشر بخروج عدد من الأسرى، اعتقل غالبهم بعد العملية
علام نفرح وبماذا نحتفل .. بعدد من المركبات والبنادق نرى أكثر منها في فرح من أفراح الصعيد؟!
ما هذ؟! أفيقوا يا قومنا!
طارق عبد الحليم
27-1-2025
27-7-1446
الحمير