فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      السقوط الصهيوني والخسارة الوجودية!

      السقوط الصهيوني والخسارة الوجودية!

      حاول الصهاينة أن يقيموا "دولة" على أساس من فكرة دينية مغلوطة، ديناَ وتاريخا، فارتكبوا فظائع في عام 48، وأقاموا كيانهم. ومن ساعتها، وهم يتوسعون على حساب حقوق الفلسطينيين وأراضيهم. حتى ابتلعوا 80% من أرض فلسطين.

      وفي خلال ثلاثة أرباع القرن، تصايحوا بما فعله بهم هتلر، مما قالوا عنه "هولوكوست" التي ضربوا حجمها الحقيقي في ثلاثين على الأقل! واستغلوا هذا الحدث ليكتسبوا تعاطف العالم وشعوبه النصرانية أو الملحدة!

      وقد كان أن تمتعت دولتهم الصنيعة بتعاطف العالم، شعوباً وحكومات، خاصة مع ماكينة الدعاية والإعلام الهائلة المخيفة التي تعمل لصالحهم ليل نهار. فكان أن صار الكل لا يرى فلسطين إلا حقا للصهاينة، ويرى الفلسطينين إرهابيين معتدين على حق الصهاينة!

      سادت تلك السردية التعيسة المعوجة، خمسة وسبعين عاماً كاملة!

      لكن، لمَّا كان الحق، وإن أمكن خفاؤه، لا يمكن اختفاؤه، وحدث ما حدث في السابع من أكتوبر، بغض النظر عن تقييم ما حدث، تراجع التأييد الشعبي المطلق، في كافة أنحاء الأرض، لليهود عامة، وللحركة الصهيونية ومشروعها الاستيطاني في فلسطين خاصة. وتحدثت شعوب الغرب، بمخالفة حكوماتها جميعا، وبكراهية الدولة الصنيعة وفضح ما تفعل. وارتفع رصيد الشعب الفلسطيني في نفوس الكثير من الغربيين إلى حد كان من المستحيل تصوره أو إيجاده، بأي ماكينة إعلام في العالم. وتعدى الأمر إلى أن زاد حد التعرف على حقيقة الإسلام بين كثير من النصارى في الغرب، بما سرت له النفوس، وإن كنا لا نصل بالأمر إلى حد المغالاة في هذا الأمر كما يروق للبعض فعله.

      الأمر هنا هو أن هذا التعاطف، يعكس بنفس حجمه، خسارة الصهاينة على المستوى العام، لمكانة عملوا عليها عقودا، وأنفقوا أموالا لا تُحصى.

      وهذا المشروع الاستيطاني، يقوم على مقومات رباعية محددة، هي المال، والتأييد العام، وضمان قدسية السردية التاريخية، وأمان مستوطنيه، ولا غير!

      ومن خلال ما حدث، فقد تم تدمير مقومات ثلاثة من الآنفة. فقد فقدت الحركة الصهيونية مصداقية سرديتها، كما فقدت التعاطف المطلق، بل وانعكس ظل الإرهاب عليها بعدما كان حكراً على المسلمين! كما فقدت، بلا رجعة الأمان الذي كانت حريصة على تهيأته لمستوطنيها الغاصبين للأرض.

      ومن المستحيل، حضاريا وتاريخيا، على مثل تلك الصنيعة التي أسموها "إسرائيل" أن تحتفظ بوجودها وثباتها على المال لا غير. فإن المال، في آخر المطاف، وليد الطاقة البشرية المنتجة له. فإن تغير توجه تلك الطاقة، قل، بلا شك، حجم الدعم، وبدأت دورة السقوط في مزابل التاريخ.

      وهذا بالضبط، هو ما جُنَّ له جنون القوة العسكرية في عاصمة الكيان المزعوم!

      فإن اختطاف مئة ونيّف من الرهائن، لا يبرر هذا العنف الوحشي أبدا، إلا في كيان فقد مقومات وجوده، وأولها الأمان، ثم التعاطف والأساس الأيديولوجي. ولم يبق إلا التمويل داعما له.

      هذه لم تعد دولة تنشد استقراراً ولا مجتمعاً يقصد إلى حضارة!

      عادت تلك الصنيعة كتلة عسكرية ضخمة، تغتصب أرضا، وتذبح شعباً أمام العالم كلّه، دون رحمة. ففقدت مقومات وجودها وعادت سرطاناً بدت أعراضه للجميع، ولاحت نهاية تمدده للطبيب!

      المجتمعات غير الحضارية، المبنية على وهم تاريخي وعدوان وتسلط عسكري، لا يمكن أن تصمد أمام تلك الهزة البركانية التي فجّرتها تلك الأحداث في السابع من أكتوبر.

      فهؤلاء إلى زوال. والعد التنازلي لزوالهم قد بدأ في السابع من أكتوبر، بأمر من الله لا بفضل بشرٍ من البشر، مع كل ما في التجربة من صواب ومن خطأ، وما فيها من نقص ومن كمال.

      وأما العدّ، فهذا علمه عند الله وحده.

      د طارق عبد الحليم