فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تنظيم الإخوان في ميزان الحق

      (1)  الجزء الأول

      من أكبر الخدع، أو بالأحرى المغالطات، التي حدثت في تاريخنا المعاصر، فعصفت بتوجهات جماهير من المسلمين، ممن كان من الممكن استخدام طاقتهم وإخلاصهم الفطري لدينهم، في سبيل تحقيق أهداف عليا لتحرير البلاد من الكفر أولا، ومن الظلم والقهر ثانيا، هو الخلط بين "الإخوان المسلمون" كجماعة ومنظمة، وبين "المسلمون" العاملين في الحقل الإسلامي، خاصة من يحملون فكر "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"!

      هذا الخلط بين الفريقين، قد أحدث صدعا هائلا في قدرات الشعوب العربية خاصة، وحولها إلى أتباع لفكر هم لم يحققوه ولم يتعرفوا على جوانب انحرافه أصلا، اكتفاءً بأمور ثلاثة:

      أولا: الشعارات الرنانة المعلنة!

      • ثانيا: الممارسات الاجتماعية التي تلاقي الاستحسان عادة!
      • والثالث، وهو الأهم، استخدام العدو لاسم تلك الجماعة للهجوم على "الإسلام والمسلمين" عامة، دون قصد الجماعة خاصة، فصار عداء "الجماعة" نيشان على صدرها، في نظر العامة!

      وقد كان ذلك الأمر الثالث سبباً في نكبات أصيب بها التوجه الإسلامي عامة، وتنظيم الإخوان خاصة، من حيث هم العنوان والطُعْم الذي يستخدمه النظام العالمي والعربي الطاغوتي، لضرب التوجه الإسلامي عامة.

      فإن تجاوزنا فكر العوام، ونظرنا إلى الحقائق التي ترتبط بتلك الجماعة فكريا وتطبيقيا، في ضوء أدبياتهم وتاريخهم، لاتضح لنا خلاف ما تراه العوام، بل وكثرة "المثقفين" ممن اقتصرت معرفتهم على نتف من الجمل والسماعيات عن الجماعة.

      الخلفية العقائدية للإخوان:

      وقد تدرج الفكر الإخواني من مرحلة إلى الأخرى، من شيء إلى أسوأ

      يقوم الفكر الإخواني على نظر مبدئي من عقيدة أشعرية، شابته الوحدة الاجتماعية للبناء المسلم، بمعنى أن المجتمع المسلم يقوم أساسا على قبول كل "الغير" من صوفية ومعتزلة وأشاعرة و غير ذلك من أصحاب البدع، على أنهم من النسيج المسلم. بل كان المؤسس الأول للجماعة صوفيا على طريقة الشاذلية!

      ثم تطور الأمر، إلى عقيدة إرجائية صرفة، جاءت في الطور الثاني لتطورهم، وظهرت في دستورهم "دعاة لا قضاة" حيث جعلوا الإيمان هو التصديق، وليس يلزم فيه عمل!

      وقد يحسب البعض أن ذلك أمرٌ أكاديمي بحت، لا أثر له في العمل التنظيمي، وهذا خطأ فاحشٌ وقعوا فيه، كما وقع كافة من تحيَّز لهم، فالعقيدة هي محرك العمل، قولا واحداً، وسنرى ذلك فيما يلي من فقرات إن شاء الله.

      وصاحب عقيدة الإرجاء التقليدية، إرجاء جديد أشد وأنكى من مرجئة العصور السابقة، وهو عدم كفر من يحكم بالأحكام الوضعية، أو يشرِّعها لتكون قوانينا يحكم بها الناس! وذلك أبشع ما آلت إليه نظرية الإرجاء الإخوانية الجديدة، وأشد ما أصاب المجتمع المسلم على يدهم.

      هذا خلاف أن قياداتهم كانوا في كل وادٍ يهيمون، فالعريان صوفي جلد، وعبد المنعم أبو الفتوح قومي علماني متأسلم.. وهو نتيجة ما ذكرنا آنفا من أن التنظيم كان محلاً لكل اتجاه بلا تمحيص!

      وقد يقول قائل: لكن هذا المجتمع هو الذي عرفه الحكم الإسلامي، طوال عصور الخلافة، متنوع ويقبل فيه كل الاتجاهات!؟

      قلنا: خطأ فادح، ومقارنة باطلة..

      المشكلة تكمن في أن التنظيم اعتبر نفسه "مجتمعاً" وتصرف بناء على ذلك التصور، ولم يتصرف على أنه جماعة لها هدف العودة بالمجتمع إلى "مجتمع الخلافة"! والفارق شاسع واسع! فكان ذلك الخلط في الفهم والبناء والتصور، هو أسّ المصيبة التي جلبت الهزيمة في كل محل وُجد فيه هذا التنظيم.

      -----------------------------------------

      (2)  الجزء الثاني 

      التنظيم الإخواني:

      بعد أن رأينا الخلل العقدي الذي اعترى تصور الإخوان، من اليوم الأول، والذي تفاقم من بعد، وعرفنا أنها تنظيم خلط بين كونها جماعة تسعى لإصلاح مجتمع، وبين مجتمع في ذاته، يقبل التعدد والمزج بين التوجهات. وكانت نتيجة هذا الخلط كارثية على الجماعة وعلى المجتمع سواء!

      فالجماعة، لها ضوابط وشروط ودوافع، وعقيدة راسخة تدافع عنها، وتريد تقديمها ليتبناها المجتمع، بل وتفرضها إن لزم الأمر، كما حدث في كافة البلاد المفتوحة التي دخلها الإسلام واستقرت فيها عقيدته!

      فرأينا تنظيم الإخوان يتبنى الفكر التنظيمي للجماعة، من عضوية ولجان وأهرامات عضوية متسلسلة وغير ذلك، ثم رأيناه يتبنى استراتيجية المجتمع في صدد قبول الكل داخلَه!

      حين كوّن النبي الهادي "جماعة المسلمين" الأولى، لم يقبل في ثناياها أي غبش ولا ضبابية، بل عقيدة صافية واضحة صريحة، حتى تمكن من نشر تلك العقيدة في أبناء المدينة، وهاجر إليهم بعض أهل مكة، فكانت جماعة متجانسة لا مكان فيها لبدعي أو فاجر. وكان وجود المنافق هو الأمر الوحيد الذي لم يكن من الممكن تفاديه إلا بكسر حدود الشرع ذاته، والذي يقضي بالحكم بالظاهر.

      ولذلك رأينا تنظيم الإخوان ينجح في مهام اجتماعية كعيادات علاج المرضى وبناء دور اليتامى وحضانة الأطفال المشردين، وإعانة الفقراء، وكلها وظائف اجتماعية، لا تهدف إلى "تغيير نظام حكم" بل إلى ترقيع ظواهر اجتماعية فاسدة فيه. وما ذلك إلا للتصور الفاسد الذي بيناه. ولذلك فشلت الجماعة في كل مواجهة مع النظام، إذ هي ليست معدَّة فكريا وعقائديا وحركيا لأي مواجهة. وأعان على الفشل عقيدتها الإرجائية المتطرفة في أسلمة كل خلق الله، ممن تظاهر بإسلام ووقع في كافة ألون الشرك والكفر. وظن العوام أن ذلك من فرط التقوي، وهو من فرط الغباء والفقر الفقهي لا غير.

      فإن قيل: فحماس تبنت فكر المقاومة المسلحة، وخرجت عن مألوف الإخوان!

      قلنا: لكنها وقعت في المصيبة العقدية الإخوانية التي ذكرناها في آنفا، من اعتبار أن كل من تظاهر بالإسلام مسلما، وأدخلوا الروافض في ديننا الحنيف، ومعهم حكام العرب الطواغيت. فكان أن شربوا المرارة علقماً وجرّعوها لشعبهم في غزة، بإحلال طارثة من الواضح أنها ستقضي عليهم، تماما كما قضى السيسي على تنظيم الإخوان، وشتته في الأرض، وسفك دماء من في الداخل.

      الأسلوب مختلف، والنتيجة واحدة!

      ------------------------------------------

      ونعود إلى الحقيقة الهامة التي ذكرناها في أول مقالنا، وهي "الخلط بين "الإخوان المسلمون" كجماعة ومنظمة، وبين "المسلمون" العاملين في الحقل الإسلامي، خاصة من يحملون فكر "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"!

      ليس كل عامل في الحقل الإسلامي من الإخوان المسلمين. وعداء النظم قد اتخذ اسم الإخوان شعارا لتدمير تلك التوجهات التي تمثل خطرا حقيقياً حياً عليه. بل إن "الإخوان المسلمون" كتنظيم، لم يكن له أي خطر على النظم، إلا خطراً صوريا متمثلا في معارضة من داخل النظام، في أروقة البرلمانات، وساحات القضاء، التي تسيطر عليها الأنظمة بشكل مطلق لا فكاك منه! فمعارضة الإخوان كانت على الدوام معارضة بلا أسنان ولا مخالب! معارضة ناعمة، إن حل وقت ردعها، لصقت كفين على قفاها، وأودعت السجون وعلقت على المشانق، بالتوازي مع تكتيف الحركة الإسلامية التي تعمل من خارج الإخوان بالكامل.

      وتبني الإخوان للديموقراطيات، ومنافستها للنظم داخل البرلمانات، إلى جانب خلله العقدي الأصيل ومنافاته لأيديولوجية الإسلام والتوحيد، فقد أثبت فشله مرارا وتكرارا، في مصر والكويت وتونس والجزائر والمغرب، وكل بلد كان للإخوان فيها عمل!

      لكنهم قوم لا يفقهون!

      د طارق عبد الحليم

      5 فبراير 2024- 24 رجب 1445