فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حكم دخول كفار ينتمون لأحزاب في الغرب، للترويج لحزبهم في مساجد المسلمين

      د طارق عبد الحليم

      25 ربيع أول 1445 – 10 أكتوبر 2023

      الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى ﷺ

       وبعد

      إن الله سبحانه قد ابتلى هذه الأمة، وأبنائها، ببلاءات عظيمة وفتنا مظلمة كثيرة، منها ما هو مخصوص ببلادهم في الشرق، ومنها ما اختصت به الأقلية المسلمة التي تعيش في الغرب.

      ولعل الأصل هنا هو التأكيد على الحكم الشرعي المبني على حديث المصطفى ﷺ " قَيْسٍ بن أبي حازم عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ : " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ ، فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ ، فَأَسْرَعَ فِيهِمْ الْقَتْلَ ، قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ وَقَالَ : ( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ ) ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! لِمَ ؟ قَالَ : (لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا ".

      والحديث قد روي متصلا ومسندا، وصححه الألباني في أرواء الغليل، وتحدث عنه وشرحه كافة العلماء، وهو صحيح المعنى بيقين.

      ***************************************

      1.  

      من المجمع عليه أن الولاء والبراء من التوحيد، ركنا عند البعض وشرطا عند الآخر. فلابد منه لتحقيق التوحيد.

      ومعناه هنا، هو موالاة المؤمنين على إيمانهم بالولاء، ومعاداة المشركين على شركهم بالبراء. وقبل أن أشرع في البيان، أود أن أؤكد على أن أعمال البراء أعظم درجة من أعمال الولاء. ذلك مشتق من قول الحبيب المصطفى ﷺ "ما نَهَيْتُكُمْ عنْه فَاجْتَنِبُوهُ، وَما أَمَرْتُكُمْ به فَافْعَلُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ" رواه مسلم. والشاهد هنا هو أن الترك مقدم على الفعل بإطلاق. ولهذا ورد الآيات بترك الشرك ثم التزام التوحيد " فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا".

      ثم الولاء والبراء درجتان، الولاء والبراء المكفر، والولاء والبراء غير المكفر.
      فأولهما الولاء والبراء المكفر ما يتعلق بأعمال الولاء المُعِين على المسلمين، من التجسس لفضح أمورهم، أو بيان خططهم، أو هدم دور عباداتهم أو تضليل ذريتهم أو ما شابه، ولاء وبراء، فالولاء هو كمن وقف في صف حزب كافر ينصر أجندته في الحمل على كراهة المسلمين والعنصرية ضدهم، أو نشر ثقافة الإلحاد أو تشويه عقائدهم أو تخريب ثقافتهم الأساسية كنشر الشذوذ مثلا في مدارسهم، أو دعم مؤسساتهم التي تقوم على الشرك كبرلماناتهم ومجالسهم. والبراء هنا هو الوقوف ضد هؤلاء النفر من الجواسيس، وفضحهم وفضح مخططات الأحزاب أو الدول التي تفعل كل ذلك، ومقاطعة مؤسساتهم التي تقوم على الشرك كبرلماناتهم ومجالسهم، وفضحها، وإلا فالصمت بشأنها. فإن في الصمت فُرجة " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت" متفق عليه
      وأما الثاني من ولاء وبراء المعصية،  فهو يقع في التعاملات بين الأفراد، لا الهيئات والمؤسسات والجمعيات العامة، التي تأخذ شكل التعميم والإطلاق. مثل أن يقدم أحد من التجار بضاعة كافر على بضاعة مسلم عند تساوي الجودة، أو حتى تفاوتها قليلا، أو في عقد الاستخدام، أو ما شابه، أو في نصر كافر على مسلم في قضية يترتب عليها ظلم المسلم أو ضياع حقه.
      وعدم الإلتفات إلى هذا الفرق بين الدرجتين من الولاء والبراء، نتيجة الجهل السائد، يوقع المسلمين في أخطاء عقدية شنيعة.
      (2)
      وضع الأقليات الموجودة في الغرب تحت حكم الكفر الأصلي وتشريعاته
      تعيش الجاليات المسلمة، في المجتمعات التي تدين بالنصرانية أو اليهودية من أهل الكتاب، تحت قوانين الكفر، خاضعة لها من دون الشريعة. ولذلك فكما تقرر، فإن هذا يجب أن يكون على سبيل التأقيت لا التأبيد، فإن لم توجد أرض تحكم بالشرع، وجب عقد النية على النزوح لها ساعة قيامها وقبولها للنازحين، كما أسلفنا.
      فالواجب على تلك الأقليات، أن تتحرى الحذر فيما تتبعه من قوانين، وما تستحله من تصرفات، من حيث إن الخلط بين تلك المناطات جدّ سهل وخطير في آن واحد.
      أما ما هو من قبيل العبادات، فلا مجال لمجاملات أو تنازلات.
      أما ما هو في باب المعاملات، فهي شقين، شقٌ فيه نصوص محفوظة، وفتاوى مرعية، فهذا لا يصح فيه اتباع قوانين البلاد الوضعية بحال. وقسم فيه مجال لاجتهاد في النص حسب المناط، وفي هذا يُرجع للفقهاء المتمكنين في الفقه وفي أصوله، والعارفين بخبايا الإقامة في بلاد الغرب وأحوالهم، وفي فقه النوازل وعموم البلوى. فهذا من قبيل "الاجتهاد الخاص[1]" الواقع على العامي، وهو اختيار من يقلده ممن يحوز تلك الشروط، والخطأ والتهاون فيه سببٌ لمزلات عظيمة. وقد رأينا أخطاء شنيعة وقعت بسبب هذا الخلل، مثل فتوى بعض فقهاء الجزيرة بجواز دخول الأمريكان لأرض الجزيرة عام 2001، لصد عدوان صدام، فكانت النتيجة قواعد عسكرية دائمة ووجود مدني لهم، خرّب المنطقة الشرقية.
      (3)
      كذلك يجب ان يكون معلوماً أن المناط الواحد قد يقع تحت حكمين مختلفين، بحسب الواقع.
      ومعنى ذلك أن العمل أو التصرف الواحد قد يقع حراما في موضع ولكنه يحل في موضع غيره لعرضٍ طارئ. فإن لكل مناط حكم أصلي وحكم طارئ. فشرب الخمر حكمه الأصلي التحريم، لكن في حالة الضرورة، يصبح حكمه الطارئ الحل حتى زوال العارض "فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ". والجدير بالذكر أن الحكم الطارئ لا يجب التوسع فيه إلا على قدر الحاجة، وعدم الإفراط في البعد عن الحكم الأصلي. ففي حالة شرب الخمر مثلا، لا يجوز لشاربها اضطرارا إلا ما يزيل عنه خطر الموت، لا تمام الارتواء، حسب القاعدة الفقهية "الضرورات تقدر بقدرها".
      (4)
      صنم المصلحة المعبود من دون الله
      من أهم ما اعترى الأمة الإسلامية في أيامنا النحسات هذه، هو فتنة اتخاذ "المصلحة" مصدرا أولا وأصيلا للتشريع، إلها يُعبد ويطاع، دون عرضها على النصوص ومناهج النظر والاستدلال الشرعي السني. وجاء هذا من فتنة تقديم العقل على النقل والمعقول على المنقول، دون توفيق بينهما، وإعراضا عن النصوص ابتداء.
      ولن أقوم هنا بشرح المصلحة وشروط مراعاتها فهذا باب واسع دونت فيها الكثير من المباحث المنفصلة، لكن أشير إلى الشروط باختصار، وهي ألا يكون هناك نص معارض أو قاعدة كلية عامة معارضة، وهو ما يعتبر خرقا للاستدلال الفقهي الصحيح. وأن تكون المصلحة حقيقية لا موهومة، وأن تكون آنية واقعة لا متوقعة.
      والأمر الآخر الجدير بالذكر هو أن "المصالحجية" قالوا:
      جاء الشرع بمصالح العباد
      وما نقول به فيه مصالح العباد
      فما نقوله هو الشرع!
      وواضح إفكهم وافتراؤهم على الله الكذب!
      فإن الشرع جاء بمصالح العباد،
      فما في الشرع هو المصلحة، لا ما يحكم به عقلك هو المصلحة.
      هم يقولون "أينما وُجدت المصلحة وجد الشرع"
      ونحن وسلفنا يقولون "أينما وُجد الشرع وجدت المصلحة"
      فكنا كأنه صح فينا وفيهم قول المولى عز وجل "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ".
      فإن هذا اختلاف تضاد ومجافاة، لا اختلاف تنوع وموالاة.
      (5)
      دعوة المشركين من السياسيين للدعاية لبرامجهم في المساجد
      مما سبق، نقدم تصور الحكم في هذا الأمر، ثم مسببات الحكم وحيثياته.
      دعوة المشركين من السياسيين للدعاية لبرامجهم في المساجد، هو عمل محرّم مُجرّم شرعا، لا يصح أن تقوم به هيئة تقوم على مسجد يصلي فيه الناس لله تعالى ويتلى فيه القرآن. وهو معصية كبيرة وإثم عظيم وباب فساد واسع للجاليات المسلمة في بلاد الكفر. وقد يرقى إلى حد الكفر حسب نية الراضين بهذا المقرين له ومقصدهم.
      حيثيات الحكم الشرعي:
      1.    يقول الله تعالى "وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا"الجن 18.
      يقول القرطبي في تفسير آية سورة النور 36 ما نصه:
      " السادسة : وتصان المساجد أيضا عن البيع والشراء وجميع الاشتغال ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي دعا إلى الجمل الأحمر : لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له . أخرجه مسلم من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صلى قام رجل فقال : من دعا إلى الجمل الأحمر ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له . وهذا يدل على أن الأصل ألا يعمل في المسجد غير الصلوات والأذكار ، وقراءة القرآن . وكذا جاء مفسرا من حديث أنس قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد ، فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مه مه ؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تزرموه دعوه . فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاه فقال له : إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن . أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه . خرجه مسلم . ومما يدل على هذا من الكتاب قوله الحق : ويذكر فيها اسمه . وقوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية بن الحكم السلمي : إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن . أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . الحديث بطوله ، خرجه مسلم في صحيحه ، وحسبك ! وسمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صوت رجل في المسجد فقال : ما هذا الصوت ؟ أتدري أين أنت ! وكان خلف بن أيوب جالسا في مسجده فأتاه غلامه يسأله عن شيء فقام وخرج من المسجد وأجابه ؛ فقيل له في ذلك فقال : ما تكلمت في المسجد بكلام الدنيا منذ كذا وكذا ، فكرهت أن أتكلم اليوم "[2].
      وفي الحديث الصحيح " مَن سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضالَّةً في المَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لا رَدَّها اللَّهُ عَلَيْكَ فإنَّ المَساجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهذا" رواه مسلم
      ومن هذا الباب جاءت أحكام العقود وفسادها إن أجريت في المساجد، فقد روى الإمام أحمد (11/257) ، وأبو داود (1079) من طريق عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ ) ، والحديث حسنه الترمذي في جامعه ، والنووي في " رياض الصالحين "، وابن حجر في "نتائج الأفكار "(1/ 297) طبعة ابن كثير. وقال الجمهور هو نهي تنزيه وكراهة فالبيع يصح مع كراهته، وقال الحنابلة بالتحريم.

      ولا نريد التوسع في هذا الباب أكثر من ذلك، فنقطة الاستدلال واضحة، وهي إنه لو كان البيع والشراء المباح أصلا ممنوعا مكروها في المساجد، فما بالك بإدخال الكفار ليقفوا بجوار منبر النبي الحبيب ﷺ، يروجون لمناهجهم وآرائهم التي قد توافق ما نرى في نقطة، وتخالف في عمومها الهدي الشريف؟ أيقول مسلم سني عاقل بهذا؟

      2.    الصف مع المشركين في برامجهم ودعايتهم الانتخابية، على نوعين، فإما يحدث رضا وموافقة للبرنامج الانتخابي، فهذا يكفر فاعله بلا خلاف بين المسلمين، وأما أن يكون قاصدا لنشر نقطة في برنامجه قد تتواءم ظاهرا مع فهم شرعي معين، ساعتها يكون الفعل حراما وإثما، وفيه ولاء معصية، من باب أنه يلقي بمظلة الشرعية العامة على ذاك الحزب، وعلى ممثليه، وعلى بقية برنامجه. ولن يسلم الأمر ممن ينخدع بهذا فيذهب لانتخاب هؤلاء دون تمييز شرعي.
      3. أما عن نقطة انتخاب هؤلاء الكفار بشكلٍ عام(3)، فهذا عمل من أعمال الشرك الأصيل قولا واحدا، حين تحقق العلم والبلاغ للمعين من الناس، من باب الولاء والبراء، ثم من باب الرضا بالقوانين البشرية التي يسنونها، وإن زعم عدم الرضا، لكن المتابعة رضا شاء أم أبى. وليس في هذا أي شبهة إجبار أو اضطرار إلا عند مخلول العقول. ورد في صحيح مسلم " إنَّه يُسْتَعْمَلُ علَيْكُم أُمَراءُ، فَتَعْرِفُونَ وتُنْكِرُونَ، فمَن كَرِهَ فقَدْ بَرِئَ، ومَن أنْكَرَ فقَدْ سَلِمَ، ولَكِنْ مَن رَضِيَ وتابَعَ" فالمتابعة والرضا متلازمان، ولا يقال كلاهما منفصل، فإن الكراهة وحدها ذُكرت من قبل ووصفت بالبراءة دون المتابعة، والإنكار ذكر وحده ووصف بالسلامة، فلا يبقى إلا مجموع الأمرين بتلازمهما وصفا وحكما، وعدم وجود شبهة فتاوى بعض علماء وأئمة الضلال.
      4.    وأما من احتج بنص ورد عن ابن عثيمين أو بعض فقهاء الجزيرة، فإنه يجب أن يكون معلوما، كما أشرنا في بند (2)، أن هناك أخطاء فاحشة وقعت من علماء لا يشك أحدٌ في علمهم، على مدار التاريخ الفقهي، بل يصعب على المرء حصرها. وفقهاء الجزيرة هم آخر من يؤخذ منهم في شأن حكم الأقليات في الغرب لبعدهم عن الحياة في الغرب، بل حتى أخبارها وطرقها! وهناك في هذا الصدد كثير من المضحكات لا يتسع المجال لسرده.
      ثم إنه يجب أن نقوم بعملية تحقيق مناط القول. وتحقيق المناط هو شق الفتوى.
      فإن أولئك الفقهاء كانوا يتحدثون عن دخول مجالس نيابية أو الترشح لها، في بلادٍ الأصل فيها الإسلام، ودخل عليها كفر طارئ في مجال الحكم بغير الشريعة، وهو محصور في المجالس التشريعية، ولا ينسحب على المجتمع إلا عند الخوارج. فعموم الحكم بإسلام الناس، ومنهم المرشحون، يدرأ حكم الكفر، فإن "الحدود تدرأ بالشبهات" وإن كان حكمهم لا يزال فيه قولان. لكن مسألتنا ليست في هذا المناط. بل مسألتنا في بلاد ومجالس تشريعية في بلادِ كفرٍ أصلي يقيني، يقع فيه العامة الغالبة السائدة، ويُنص عليه، ويدعى له في بلادهم، وتتدين به، أو بالإلحاد، غالبيتهم، عدا أحكامهم التي ارتضوا فيها، كلها بلا استثناء، حكم عقولهم القاصرة. فكيف لعاقل أن يحمل كلام من قال من علماء الجزيرة هناك، على مناط مسألتنا هنا؟!! إلا صاحب هوى لا ضمير له.
      5.    ثم من قال: لكن الأصل في الأشياء الإباحة، قلنا: هذا تنطع جاهل، فإن ذلك فيما ليس فيه نص بالتحريم، وقد ورد ما سبق.
      6.    ثم، ما أوردناه في بند (1) من حديث عدم الإقامة بين ظهراني المشركين، فكيف لعاقل أن يجمع بين الأمر بعدم الإقامة، إلا لمضطرٍ أو ساع لغرض مؤقت، مع المشاركة في الحياة السياسية، ودعوة المشركين للترويج لمبادئهم وبرامجهم، لا لشيء إلا لكسب أصوات؟
      فإن قال قائل: طالما نحن هنا بالفعل مقيمون، فلم لا نشارك؟ قلنا ارجع للبند (3) أعلاه، فإن من عاش هنا هو في حالة استثنائية حتى يغادر، وإن طالت العمر كله، كالمضطر، فلا يصح الأخذ من أشكال تلك الحياة إلا مقدار الحاجة المُغنِية ولا يزيد، ولا يتعداها إلى مرتبة التحسينيات بحال.
      7.    يحتج البعض بما ورد في بعض كتب السير من قصة وفد نجران، وفيه: "يقول من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأينا وفداً مثلهم، وقد حانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمدعوهم."

      هذا الحديث لم يرد في أي من الصحاح الست، ولا معجم الطبراني ولا مسند أحمد، ولا أي من المعاجم أو الصحاح أو المسانيد، بل ورد في كتب السير، وهي مصادر لا يعول عليها في الحديث، وقد اتفق أهل العلم على أنه حديث واه لا يُحتج بمثله. فلا نحتاج لتكلف بيان لمثل هذا الكلام .[4]

      8.    ثم نأتي إلى بند (4)، وهو صنم المصلحة المعبود!
       وهو المعوّل عليه عند أصحاب هذا القول، المخالف للشرع، البدعي الأصل.
      a.    قالوا، حيثما وُجدت المصلحة، وجد الشرع. إذن، نعمل عقلنا (المقصود عقل أي من هؤلاء المهرجين، حسب منبر المسجد الذي يقف عليه أو الجماعة التي يقودها أو المنظمة التي يرأسها!)، فإذا رأينا مصلحة في الفعل (مصلحة من؟ وعلى أي أساس؟) فهو شرع الله! يعني هؤلاء مشرعون آلهة حقا، بزعمهم!
      وهو عين تقديم العقل على النقل! فالأصل هو البحث عن الأدلة الواردة في المسألة، نصاً أو قياسا، فإن حصرناها قلنا: حيثما وُجد الشرع وجدت المصلحة، وكان توجيه الشرع هو عين المصلحة.
      b.    ثم، أين المصلحة في دعوة هؤلاء الكفار إلى المساجد؟ متى نصروا قضية للمسلمين، ومتى تحقق صالح المسلمين بدعوتهم ودعم برامجهم؟ في أي مسألة؟ لا زلنا نسمع عن سياسيين يحضرون للمساجد، يبتسمون في وجوه المسلمين، فهل رأينا في أي عهد أو مكان، تمويلا للمدارس الإسلامية مثلا؟ أبداً! هل رأينا دعما لوقف نشر الشذوذ؟ أبداً! أين المصلحة؟ اللهم إن كانت مصلحة مرشح الحزب، خاصة لو أنه ينحدر من أصول إسلامية ويدعي الإسلام، حتى يُنتخب، ويضمن معاش عضو مجلس النواب! فأي مصلحة، ومصلحة من؟
      c.    قلنا قبلاً، إن من شروط المصلحة المرسلة ألا يكون هناك نص في موضعها، وإلا فالواقعة لا تقع تحت مسماها، وأنها يجب أن تكون حقيقية لا متوهمة، ودعم هؤلاء وهم على وهم فوق وهم تحت وهم! فلا يصح بحال من الأحوال، كما رأينا في كندا هنا على مدى العقود السابقة، وفي كل أنحاء بلاد الغرب حقا.
      d.    المصلحة الشرعية والعقلية معدومة في هذا الأمر، بدليل الواقع والتجربة.
      الخلاصة:
      دعوة سياسيين من المتأسلمين أو من الكفار الأصليين للترويج لأي أمر من الأمور، سواء وافقت أو خالفت نقاط في شريعتنا، هو انتهاك لحمى التوحيد أولا، وهو معصية وإثمٌ عظيم، وبدعة منكرة، ما أتى بها أحد من الأولين، وهي محرمة فقها وعقيدة. وقد تصل في بعض صورها للكفر الصراح.
      فعلى من بقي في قلبه ذرة إيمان، ولم يسلم نفسه وروحه لقمة سائغة للشيطان، يلعب بها كيف يشاء، متخذا من المبررات ما يندى له جبين البرهان والدليل، أن يتورع عن توريط المسلمين في هذه الأعمال المحرمة، خاصة وهي فتح لأبواب الذريعة، لقبول تلك الأحزاب وتهوين خطورتها ومنافاة التقيد بها أو موالاتها في عقول المسلمين.
      حكم المساجد التي تقوم بمثل تلك الأفعال المحرمة
      1.     الصلاة في تلك المساجد صحيحة، لا غبار عليها.
      2.     التبرع لتلك المساجد جائز لا غبار عليه.
      3.     الأفضل البحث عن مساجد لا تقوم بمثل هذا العمل، من باب اتقاء الشبهة.
      4.     التبرع لتلك المساجد فيه شبهة قوية، حيث تدعم بالمال من يدعم قوانين كفرية. فالأولى التبرع لغيرها بإطلاق.
      د طارق عبد الحليم
      25 ربيع أول 1445 – 10 أكتوبر 2023
       
       
       

      [1]  الموافقات الشاطبي

      [2]  تفسير القرطبي سورة النور آية 36 ، مجلد 11-12 طبعة دار الكتاب العربي 1967، ص 269

      [3] 

      وهذا قول الشيخ الألباني رحمه الله في المسألة، وهو عن الانتخاب في الغرب https://youtu.be/sxWs6cUq_gs?si=UCB5S4_JtVRxyCPd
      " سؤال: ما هو حكم المشاركة بعض المسلمين الأمريكان في التصويت لإنتخاب رئيس أمريكة، مستندين في ذلك على قاعدة أخف الضررين، متوهمين أن واحدا من هؤلاء الرؤساء مرشحين سيكون أخف وطأة وأقل بأسا على الإسلام والمسلمين.

      جواب: الكفر ملة واحدة. وربنا غز وجل يذكر هؤلاء المسلمين الذين يظنون أنهم يطبقون قاعدة أخف الضررين، قال تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود ولن نصارى حتى تتبع ملتهم." وأنا أعجب، فأعجب كل العجب من هؤلاء الشباب الذين يرقدون إلى مثل هذا الوهم كما جاء في سؤالك، بارك الله فيك. والله غز وجل يقول: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتسكم النار." نار الدنيا قبل نار الآخرة. ولذلك نحن نقول لا يجوز المشاركة في مثل هذه الانتخابات، لأن المشاركة تعني موالاة العملية للكفار، ولذلك محرم بنص القرآن حيث قال رب الأنام، "ومن يتولهم منكم فإنه منهم."

      [4] وعلى كل حال، وحتى لا نخترع العجلة مرة أخرى، نورد إجابة وافية عليه، وردت في موقع الإسلام سؤال وجواب، بنصه:
      " الحمد لله.

      أولا: التعليق على صحة خبر صلاة وفد نصارى نجران

      الأثر الوارد في صلاة وفد نصارى نجران في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ضعيف لا يصح سنده ، ولا يحتج به .

      وقد روي من ثلاثة طرق ، جميعها لا تصح :

      الطريق الأول :

      أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" (1/574) ، ومن طريقه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (2/171) ، والثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان" (3/6) ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، قَالَ: " لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ حَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ ، عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الْحِبَرَاتِ ، جُبَبٌ وَأَرْدِيَةٌ ، فِي جَمَالِ رِجَالِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ . قَالَ: يَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ: مَا رَأَيْنَا وَفْدًا مِثْلَهُمْ ، وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتُهُمْ ، فَقَامُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُمْ  ، فَصَلَّوْا إلَى الْمَشْرِقِ ".

      وهو منقطع معضل ، حيث إن محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام من طبقة تابعي التابعين ، فروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم معضلة .

      الطريق الثاني :

      أخرجه الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان" (3/6) من طريق محمد بن مروان السدي ، عن الكلبي به .

      وإسناده تالف ، فيه محمد بن مروان السدي الصغير ، متروك متهم بالكذب .

      قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (340) :" سكتوا عَنهُ لَا يكْتب حَدِيثه أَلْبَتَّة ". اهـ ، وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكون" (538) :" متروك الحديث ".اهـ ، وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (8/86) :" ذاهب الحديث متروك الحديث لا يكتب حديثه البتة ". اهـ ، وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/286) :" كَانَ مِمَّن يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات لَا يحل كِتَابَة حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة الِاعْتِبَار وَلَا الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال من الْأَحْوَال ". اهـ

      الطريق الثالث :

      أخرجه الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان" (3/6) ، من طريق عبد الله بن أبي جعفر الرازي ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس به .

      وهو منقطع ضعيف .

      فيه " الربيع بن أنس " ، صدوق من طبقة التابعين ، فحديثه مرسل ، ثم يرويه عنه أبو جعفر الرازي ، وروايته عنه ضعيفة مضطربة .

      قال ابن حبان في "الثقات" (4/228) في ترجمة الربيع بن أنس :" وَالنَّاس يَتَّقُونَ حَدِيثه مَا كَانَ من رِوَايَة أَبِي جَعْفَر عَنهُ لِأَن فِيهَا اضْطِرَاب كثير ".  

      ثانيا:  لا يصح الاحتجاج بمثل هذا الخبر على جواز تمكين غير المسلمين في مساجد المسلمين 

      لا يصح الاحتجاج بمثل ذلك على جواز تمكين غير المسلمين من إقامة شعائرهم الكفرية ، ومنها الصلاة قطعا ، في مساجدنا ، فإنه لا يجوز إقراراهم على الشرك في بيوت الله .

      والله يقول :   وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا الجن/18.

      قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (19/22) :" قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) هَذَا تَوْبِيخٌ لِلْمُشْرِكِينَ فِي دُعَائِهِمْ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى إِذَا دَخَلُوا كَنَائِسَهُمْ وَبِيَعَهُمْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُخْلِصُوا لِلَّهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دَخَلُوا الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا . يَقُولُ: فَلَا تُشْرِكُوا فِيهَا صَنَمًا وَغَيْرَهُ مِمَّا يُعْبَدُ .

       وَقِيلَ: الْمَعْنَى : أَفْرِدُوا الْمَسَاجِدَ لِذِكْرِ اللَّهِ ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا هُزُوًا وَمَتْجَرًا وَمَجْلِسًا ، وَلَا طُرُقًا ، وَلَا تَجْعَلُوا لِغَيْرِ اللَّهِ فِيهَا نَصِيبًا " انتهى .

      قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/243) :" فكما أنهم لا يُمكّنون من فعل عباداتهم في المساجد ، فكذا لا ينبغي للمسلمين أن يصلوا صلواتهم في معابد الكفار التي هي موضع كفرهم .

      فإن قيل: فقد روي ما يدل على جواز إقرارهم على أن يصلوا صلواتهم في مساجد المسلمين ، وإذا جاز الإقرار على ذلك ، جاز للمسلمين أن يصلوا في بيعهم وكنائسهم بطريق الأولى .

      فروى ابن إسحاق ، قال حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال: قدموا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة - يعني: وفد نجران - ، فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر ، عليهم ثياب الحبرات: جنب وأردية ، قال: يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم ، وقد حانت صلاتهم ، فقاموا في مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يصلون ، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دعوهم ، فصلوا إلى المشرق .

      قيل: هذا منقطع ضعيف ، لا يحتج بمثله .

      ولو صح ، فإنه يحمل على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تألفهم بذلك في ذلك الوقت استجلابا لقلوبهم ، وخشية لنفورهم عن الإسلام ، ولما زالت الحاجة إلى مثل ذلك ، لم يجز الإقرار على مثله ..

      ولهذا شرط عليهم عمر - رضي الله عنه - عند عقد الذمة إخفاء دينهم ، ومن جملته ألا يرفعوا أصواتهم في الصلاة ، ولا القراءة في صلاتهم فيما يحضره المسلمون ". اهـ

      أما دخول المشرك المسجد غير المسجد الحرام : فهذا فيه تفصيل وخلاف بين أهل العلم ، إذ لو دخل لمصلحة شرعية ، بإذن مسلم : جاز الأمر .

      بخلاف أن يُمكَّن من شعائره الكفرية في بيت الله ، فهذا لا يجوز قطعا .

      قال ابن قدامة في "الكافي" (4/176) :" وليس لهم دخول مساجد الحل بغير إذن مسلم ، فإن دخل عُزر . لما روت أم غراب قالت : رأيت عليا رضي الله عنه على المنبر ، وبَصُر بمجوسي، فنزل فضربه ، وأخرجه من أبواب كندة .

       فإن أذن له مسلم في الدخول : جاز في الصحيح من المذهب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم عليه وفد الطائف ، فأنزلهم المسجد قبل إسلامهم .

       وعنه : لا يجوز ؛ لما روى عياض الأشعري : أن أبا موسى قدم على عمر ومعه نصراني، فأعجب عمر خطه وقال : قل لكاتبك هذا يقرأ علينا كتابه . قال : إنه لا يدخل المسجد . قال : لم ؟ أجنب هو ؟ قال هو نصراني . فانتهره عمر .

      ولأن الجنب يمنع المسجد ؛ فالمشرك أولى " انتهى .

      وخلاصة الأمر :

      أن هذا الأثر لا يصح سندا ، ولا يحتج به فقها .

      والله أعلمhttps://islamqa.info/ar/answers/330474/%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D9%85%D8%A7-%D9%88%D8%B1%D8%AF-%D9%85%D9%86-%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%A9-%D9%88%D9%81%D8%AF-%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%B1%D9%89-%D9%86%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A-%D8%B5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85