فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أهل السنة والجماعة؟ أين خبرهم؟ أين أثرهم؟

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      (1)

      مقال شرعتُ في تدوينه منذ أكثر من خمسة أعوام، ردا على استفسار استنكاري من أخي، قبل أن يدرك بلاء الإخوان، يتساءل وقتها "تنعون على الإخوان، فماذا فعلتم أنتم؟! أين أولئك الذين تحدثني عنهم، أهل السنة والجماعة؟ أين خبرهم؟ أين أثرهم؟ ثم على رغم خطأ الإخوان رأيناهم على مسرح الأحداث في كل مكان، ولن نر لآولئك الدين تتحدث عنهم أثرا البتة، إلا في كتب أو مقالات؟". ثم جرفتني أحداث لا حصر لها، فنسيت عن المقال، حتى أيام قليلة، سمعت فيها قريبا من هذا التساءل، على لسان أخٍ قريب.

      والحق أن السؤال له وجهة، من حيث إن هذا العنوان، أو التصنيف، غائب عن الساحة الإسلامية الواسعة، أما لعدم وجود جماعة أو تجمع يحمل هذه الصفة، أو لأن هذه الصفة، صارت عنواناً يدّعيه صاحب كلّ فكر عن الإسلام، سواء كان سنيّا أو غير سنيّ. فادعته فرق الصوفية، وادعته الإخوان المرجئة، وادعته فرقة المعتزلة الجدد، أتباه مركز الفكر الإسلامي بواشنطن، وادعته فرقة المصالحية وعمادها هيئة علماء المسلمين القرضاوية، وهلم جرا.

      تاريخ المصطلح

      لم يكن مصطلح "أهل السنة والجماعة" معروفا أيام الحبيب ﷺ ولا في عهد الصحابة رضي الله عنهم، ولا التابعين. وإنما بدأ استعمال المصطله بشكل واضح في عصر تابعي التابعين، حتى صار معروفا في القرن الثالث الهجري، بعد انتشار بدعة المعتزلة والأشعرية. وكان من أوائل ما عرف في التصنيف في عقيدة السنة، كتاب "أصول السنة" للأمام المحدث الجليل أبي بكر بن حميد (219هـ)، وتبعه القاسم بن سلام وابن أبي شيبة والإمام أحمد بن حنبل والبخاري (256) في كتابه "خلق أفعال العباد" ثم الطبري (310) في كتابه صريح السنة" وخلق من بعدهم. وكان من أهم ما دوّن في هذا الباب هو كتاب "الشريعة" للإمام الآجري" (310 هـ) وكتاب " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" الإمام الحافظ اللالكائي (410هـ).

      الصراع بين أهل السنة ومخالفيهم

      وقصة ذاك الصراع، هي جانب من جوانب الصراع بين الحق والباطل. فكل ما هو من التوحيد والسنة حق، وما خلا ذلك باطل من الباطل. فما خالف التوحيد كان كفرا، وما خالف السنة كان بدعة.

      وقد تفرقت أمة محمد ﷺ إلى فرق كثيرة كما ورد في الحديث "إنَّ بني اسرائيلَ افترقتْ على إحدى وسبعين فرقةً، وإنَّ أمتي ستفترقُ على اثنتيْنِ وسبعين فرقةً، كلُّها في النارِ إلا واحدةً وهي الجماعةُ."صحيح أخرجه أحمد وابن ماجة.
      وقد قسم العلماء الفرق إلى خمس فرق رئيسة وما يتفرع منها، وإن كنا نعدهم ست فرق في واقع الحال، وهي: الخوارج والمرجئة والجهمية والمعتزلة والروافض والصوفية. وقد دونت في عقيدة التوحيد والسنة، وشرح بعض تلك الفرق ما يسّر الله لي إبان السبعينيات والثمانينيات.
      ولعل السؤال الذي يُطرح الآن، هو: وما علاقة هذا الخلاف الأكاديمي الفكري، بالحركات السياسية اليوم، وهي موضوع التساؤل الأصيل؟
      أقول، إن العقيدة، في أمتنا الإسلامية، كانت وستظل هي الخلفية المُحرّكة للحركات السياسية الداخلية، نتيجة التكون الفكري والنفسي الديني الذي صاغ وجودها وصعودها وانهيارها على مدى أربعة عشر قرنا من الزمن.
      ثم الناظر إلى تاريخنا، يجد أن الفكر قد حَكم التحرك السياسي والصراع الداخلي المسلح، في كثير من الأحيان، فصراع الخوارج مع على رضي الله عنه، وصراع خلفاء العباسيين المعتزلة، المأمون والمعتصم والواثق، حين غلّبوا الفكر الاعتزالي وحكموه في الأمة وعلمائها. ثم خلافات الصوفية والأشاعرة مع كبار علماء السنة في إبان علو شأن الفكر الأشعري أيام ابن تيمية. مما أدى إلى تكريس تلك الفرق، ومحاولتها استقطاب العامة لفكرها في كل العصور.
      من الهام الرئيس هنا، أن نشير إلى أن هذا المقال لا يقصد النظر إلى "أهل السنة والجماعة" من الناحية الأكاديمية، بمعنى علمائها وكتّابها ومنشوراتها العلمية. بل الغرض هو النظر في وجودهم على أرض الواقع، حركيا، بين الناس، ومن المحسوب عليهم، ومن هم منه برآء، وما يؤدونه، ذوما لهم وما عليهم.
      وقد دونت من قبل في تصنيفات المنتمين لأهل السنة، في كتابي عن مدّعي السلفية، المداخلة، بعوان "أدعياء السلفية وانحرافاتهم"[1]، الصادر عام 2004، حيث قسمتهم ثمانية أقسام. كما تناول الشيخ د هاني السباعي في مقال هام له بعنوان "أين هم أهل السنة الذين تستنجدون بهم؟!"، عام 2015، أقسام من يُطلق عليهم المصطلح، بعجرهم وبجرهم، فوصل بهم سبعة أقسام. وكان القسم الأخير في الموضعين، بقدر الله، هم "المجاهدون"!
      ولا شك أن المجاهدين، كانوا ولا يزالوا، هم العمود الفقري للحركة الإسلامية الفاعلة، سواء اتفقنا مع بعض التطبيقات الفقهية أو اختلفنا، لكنهم هم القوة الحية الدافعة لتلك الحركة، من وراء الموت الشعبي المنتشر في كافة أنحاء الرقعة الإسلامية.
      لكن المجاهدين، عدا التجربة الأفغانية الفريدة، لا اندماج لهم في أوساط الشعوب، لأسباب كثيرة، سنذكرها في محلها إن شاء الله. والغرض من هذه الورقة، ليس الحديث عن تلك الجماعات المسلحة، وإن كانت جزء من التيار السني العام، لكن، الغرض هو البحث عن أثر أهل السنة والجماعة في المجتمع، وحقيقة وجودهم وما ينشدونه.
      بادئا ذي بدء، فإنه يجب أن أنبه إلى أن الآثار التي يتركها اتجاه معين، يجب أن تُقيّم حسب المقاييس الشرعية، لا المظاهر والإعلام. فمن الواضح أن وسائل الإعلام تظهر اتجاهات معينة، لأغراض تخدم صالح النظم، حتى تستثمرها بعد في وقت الحاجة لإظهار القضاء عليها. كما أن بعض الاتجاهات، كالإخوان، لهم إعلامهم الخاص، شبه الرسمي، يروجون لأنفسهم، ويرسمون صورة أكبر كثيرا مما هم عليه في الحقيقة، بغرض جذب مزيد من العناصر، والدعم، ولأنها أيديولوجية أصيلة لديهم في تضخيم الأعمال دون رصيد حقيقي لها. وقد ظهر أثر ذلك في الضعف المزري الذي واجهت به الجماعة أحداث انقلاب مصر، بل ومن هم قريب من الجماعة كما حدث مع النهضة في تونس.
      أسس ومبادئ المنهج الرباني في الدعوة
      ليس في نطاق هذه الورقة الخوض في تلك الأسس والمبادئ للمنهج الرباني للدعوة تفصيلا، لكن من الواجب التعرف عليها إجمالاً، لنرى، بالمقارنة، ما تم لإقامتها، مما لم يتم، بناء على ما قدمته الصيغ المختلفة للدعوة.
      فالدعوة إما سرية أو جهرية، عامة شاملة أو مختصة بباب معين من النشاط الإسلامي، فردية أو جماعية.

      فالسرية تكون في جو أمني يحاربها كما كان على عهد رسول الله ﷺ، وكما هي الحال في أيامنا التعسة هذه في أرجاء العالم العربي خاصة. وتلك لها خطورتها في بعض الأحيان، نتيجة سهولة انتشار الأفكار البدعية والمنحرفة بين أعضائها، كما يحدث في السجون. وعادة ما تكون الدعوة السرية من خلال جماعة محظورة، وتكون عامة شاملة، حيث إن ذلك ما يجعلها محظورة في المقام الأول. وقد وُد ذلك على الأرض، في حركة الإخوان في طورها الأول، قبل انحطاط شأنها بعد أحداث 1953، وتحولها لطورها الثاني الذي تمثل في تقعيد أيدلوجيتها العقدية/الحركية الإرجائية. وكان رد فعل الوسط الإسلامي على ذاك التدهور، ظهور جماعات أخرى، اختلفت مع الإخوان، من داخل السجون، بعد إعدام الشهيد بإذن ربه سيدقطب. على رأسها جماعة الجهاد بقيادة الشيخ العالم الحكيم أيمن الظواهري، وعضوية سيد إمام، العالم النحرير، قبل خلافه العبثي مع جماعته، من معهم وقتها. وتبلورت داخل مصر حركة "أهل السنة والجماعة" التي كان الشيخ العالم عبد المجيد الشاذلي منظرها، مع إخوانه أحمد عبد المجيد، ومجدي عبد العزيز، ومحمد المأمون، ومصطفى الخضيري، الذي نزع منزعا جعله يفترق عنهم في جزئية "التوقف والتبين". وقد زاملنا، شخصيا، هذه الجماعة المباركة، حين خروجها من السجن في 1974، وكان لها فضل علينا في تعريفنا بما جرى على الحقيقة داخل السجن، حيث أنفقنا الكثير من الوقت في الدراسة والبحث سويا، وتزاملنا وتحاببنا في الله حتى قضى الله أمرا كان مفعولا، ولكن ليس هذا موضع هذا الحديث. كما ظهر أفراد أفذاذ، لم يكن لهم اتصال بتلك المجموعة، وعلى رأسهم العالم الفذّ رفاعي سرور، رحمهم الله جميعا، ثم من بعد جيلنا، ظهر أفذاذ على الساحة مثل الشيخ د هاني السباعي. كما ظهرت شخصيات عدة كان لها أكبر الأثر على الساحة، مثل مصطفى العدوي، وعبد الله السماوي وغيرهم، وكلهم لم ينتمِ للإخوان، لا فكرا ولا تنظيما. وكان ظهور شخصيات عظيمة الأثر في الساحة خارج مصر، نشأت من حضن القضية الفلسطينية، وتحركت في ظل الجهاد الأفغاني، وعلى رأسها العالم الشيخ أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة الفلسطيني، الي كانت له كتابات طيبة في لندن، وإن اضطرب في تطبيقاتها، فخرج بتكفير المسلمين في الجزائر، أولا، ثم تحول إلى عكس ما قال بعد خروجه من السجن في الأردن، فوافق الإخوان وأذيالهم، وهيئة النحس في الشام!

      كان نتيجة هذا الوجود الواسع، والتأصيل لفكر السنة، تدوينا وشرحا، تربية عدد لا بأس به من الدعاة، من الجيل الثالث، كما اعتبره، وهم من قارب أو بلغ الخمسين من العمر اليوم، ثم جيل رابع، نحسبه وهم من في الثلاثينات من العمر. ومجمل فكر هذا التوجه السني، مبنيٌّ على التصور السنيّ في النقاط التالية:

      1. الأسماء والصفات ومختصرها "إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل"
      2. إثبات العبادة لله وحده، بمعناها الحق، وهو إفراده بالحكم، والولاء، والتوجه بالنسك والشعائر.
      3. أن الجهاد حقٌ قائم إلى يوم القيامة، وأنه شقين، دفعٍ وطلب، وأننا اليوم في حالة جهاد دفع عام، في كل محل من رقعتنا الإسلامية.
      4. أن العدو الداخلي هو الأصل في ضرورة التصدي له، قبل الغدو الخارجي، وهو ما اختلفنا فيه مع فكر القاعد*ة في طورها الأول.
      5. أن المبدأ الديموقراطي مبدأ شركي يقوم على أساس أن الحكم للشعب، فما قرره الشعب، يكون هو القانون، بينما قلنا أن الحكم لله، حتى لو قال الشعب كله بخلافه. وهي النقطة الرئيسية التي افترقنا فيها مع الإخوان فراقا لا تلاقي فيه.
      6. بناء على النظر العقدي السني الذي قررته كافة علماء السنة والجماعة في كل العصور، فقد رأينا كفر الحكام بغير ما أنزل الله، بينما رأى الإخوان إنهم "إخواننا بغوا علينا"! وهو ما يمكن أن يتكشفه الناظر للواقع من مصيبة عقدية أدرك العوام مداها بعد فوات الأوان.
      7. أن المشاركة في الانتخابات البرلمانية حرام لا يصح، وأن المشاركين من النواب، منهم من كفر بذلك، ومنهم من دخل بنية الإصلاح، مع استصحاب فكرة كفر النظام، فهو مسلم ليس على الطريق السني الحق. أما العوام فقد رأيناهم جهلى غير مدركين للأمر معذورون على الإجماتل إلا من أدرك منه حقيقة الأمر الواقع.

      ثم أن بعض تلك الحركات التي أسمت نفسها بالجهادية، كالجماعة الإسلامية، وقامت بعمليات عشوائية، لم تكن على الطريق السديد، بل تعجلت بالمواجهة قبل إعداد العدة. وكان نتيجة ذلك تدهور حالهم ثم انتقاضهم وانتكاسهم بالكلية إلى طريق الدمقرطة الشركية.

      ماذا حدث لهذا التوجه، وأين أثره؟

      ومما سلف من بيان ما عليه تصور تلك الجماعات السنية، والأفراد الدعاة، يتبين مدى عمق الخلاف بيننا وبين الإخوان، أساسا، ومدى عداوتنا الأصيلة العقدية مع الأنظمة والحكام، الذين عرفنا وكشفنا ونبهنا على كفرهم منذ الستينيات. كما يتبين إننا، باتباع مذهب أهل السنة، لم نكن في حاجة لإنتظار وقوع المصائب كلها لنعلم حكم هؤلاء الحكام، ومن ثم طريقة مواجهتهم الصحيحة.

      لكن يظهر مما ذكرنا عن منهج تلك المجموعة أمور هامة، تكشف لنا عما حدث لتجمعاتهم وأفرادهم.

      1. طبيعة مذهبهم وعداء الأنظمة له ولهم.
      2. طبيعة مذهبهم وعدم تمكنهم من العمل العام السياسي
      3. طبيعة مذهبهم والعلاقة بين دين العامة (الإرجاء) وبين مذهب السنة
      4. خيانة التوجهات الأخرى لهذا التوجه العقدي وتشويهه بل والبلاغ عن أفراده.

      يتبع إن شاء الله الجزء الثاني

      أهل السنة والجماعة؟ أين خبرهم؟ أين أثرهم؟

      (2)

      يظهر مما ذكرنا عن منهج تلك المجموعة أمور هامة، تكشف لنا عما حدث لتجمعاتهم وأفرادهم.

      1. طبيعة مذهبهم وعداء الأنظمة له ولهم.
      2. طبيعة مذهبهم وعدم تمكنهم من العمل العام السياسي
      3. طبيعة مذهبهم والعلاقة بين دين العامة (الإرجاء) وبين مذهب السنة
      4. خيانة التوجهات الأخرى لهذا التوجه العقدي وتشويهه بل والبلاغ عن أفراده.

      مما لا شك فيه أن "المجموعة" التي يصح تسميتها "أهل السنة والجماعة" بحق، والتي ذكرنا أركان مذهبها في الجزء السابق، لم يكن لها وجود جماهيري ظاهر واسع، في العقود الماضية، إن كان حساب الوجود مرتبط بالدعاية، أو المسرح السياسي، أو الأنشطة الاجتماعية العامة.

      ويجدر بنا هنا أن نضيف أن هذا اللقب، قد تعلقت به الكثير من أصحاب الفرق البدعية والمناهج المنحرفة، على مدى تاريخنا. ففي عصرنا هذا، ادعته الصوفية(!)، وادعته المرجئة الإخوانية، بل وغالب من تحرك على الساحة الإسلامية بحقٍ أو بباطل بشكل رئيس. لذلك وجب للباحث الحذر حين يقرر عمن يتحدث، وعلى أي منهج يُحاكِم.

      ونحن هنا نريد أن نقرر: لمَ لمْ يكن لهذه الجماعة المباركة أثر واضح وجماعة مجتمعة على الأرض، كما أن للإخوان جماعة واضحة، تبهر عيون وعقول الجمهور من العامة، وكما لحزب التحرير، والتبليغ والدعوة، وغيرهم من الجماعات.

      مما تقدم قبلا، رأينا أن مذهب أهل السنة يقوم أساساً، في جانب الحكم والتشريع، على عدم المفاصلة في مصدر القوانين، وصفة الحاكم بغير ما أنزل الله، المشرّع للقوانين الوضعية، والموالي للكفار ولاء نصرة وتعاضد، كما في التكتلات الدولية للدفاع، والمواثيق الدولية في الأمم المتحدة. وكلها نابع من الكتاب والسنة وأصول الفقه وقواعده، على فهم الصحابة رضي الله عنهم.

      كما رأينا موقفها من المؤسسات المبنية على تلك القوانين الوضعية، مثل البرلمانات والأحزاب السياسية، القائمة على مذهب الديموقراطية الكفرية، التي خلط الضالون والجاهلون بينها وبين الشورى.

      من هنا كان العداء بين تلك المجموعة من المسلمين وبين السلطة، عداءً لا حلّ له ولا لقاء بينهما فيه، ولا تقارب على أي مستوٍ يمكن في تصوره ومن خلاله.

      ولأن الجماعات الأخرى، وعلى رأسها الإخوان، تبنّت غير هذا الخط في فهم التوحيد والولاء والبراء، وتبنوا مفهوم الإرجاء، الذي يؤدي إلى أسلمة كل كفَّار عنيد، من الحكام وأنظمتهم، ومعاونيهم، ومواليهم، فقد حدث أن:

      1. انسحب أهل السنة والجماعة من المنافسة في البرلمان وفي الساحة السياسية عامة، على أساس عقدي، لا عن غير قدرة، بينما دخلت الجماعات المؤسساتية كالإخوان في ذاك العمل بكل قوة.
      2. حاربت السلطة أهل هذا التوجه حربا مستمرة لا هوادة فيها، مبنية على مفهوم الإبادة، لا التقييد وكبح الجماح. بينما كانت الإخوان تتمتع بأوقات متطاولة في هدوء وسلام نسبي مع السلطة، مثلما حدث في زمن مبارك، وفي السبعينيات من حكم السادات.
      3. اضطر الأفراد المنتمون لهذا الفكر، والقائمون على الدعوة له، إما للصمت أو السجن والاعتقال أو الهرب بحياتهم. ومن ظل منهم بالداخل، عانى أكثر مما عانى الإخوان، من حيث كانت حياتهم تنتهي بالقتل عادة. وقد رأيت بعيني رأسي شنطة الاعتقال الجاهزة على جانب باب الشيخ الشاذلي والشيخ مجدي عبد العزيز في السبعينيات! قبل ان يولد الشيخ شعبان الحالي.
      4. ظل التيار يكافح بنشر الدعوة سراً وعلنا، بالداخل، على يد قياداته، التي لم يكن للجماهير سبيل إلى التعرف عليها، لعائق الإعلام والسياسة. وكان من أقطابه الشيخ المجاهد رفاعي سرور، وعدد من الإخوة لست في حلٍّ من ذكر أسمائهم لداعي الأمن، فهم لا يزالون أحياء والحمد الله، وإن كانوا كلهم بين السبعين والثمانين عاما في العمر.
      5. تعرض هؤلاء الأفراد إلى عملية اغتيال أدبي على يد الإخوان بشكل مستمر، من حيث كان هجوم أهل السنة دائم على التوجه الإخواني في تعاطي السياسة، من ناحية، ونبذ الفكر الجهادي من ناحية أخرى، والذي تم تطبق تصوراته في الطور الثالث من التطور الإخوانيّ، وهو الطور الذي أدى إلى ما حدث معهم في عهد مرسي، حيث ظهر ضعفهم التام وعدم استعدادهم، لا عقديا، ولا عمليا، على القتال من أجل مبادئهم. فضللوا أتباعهم بعقيدة راجت في عهود لم تحتج قوة، لكن افتضحوا في أول تجربة عملية. وعرف القاصي والداني أن هذا المنهج الدجين، لا تقوم به قائمة في دين الله. حتى أزهر مذهبهم في قولة مرشدهم "سلميتنا أقوى من البطيخ" فضلّ وأضلّ.
      6. وقد رأينا في التسجيلات التي نشرت لخيرت الشاكر، جواه الله ما يستحق، ما افتراه على الشيخ الشاذلي، كبير قادة تيار أهل السنة والجماعة، حتى وفاته رحمه الله، من أن جماعته الصغيرة استضافت رجال من القاعدة! وأنه يتابع أنشطتهم ويبلغها للمخابرات. فالعلاقة بين الإخوان والمخابرات، وهو مما ليس في أدبيات أهل السنة والجماعة، كان أمرا طبيعيا بالنسبة للإخوان، الذين هم أكثر انتشارا في وسط الجماهير. وهو مما سمح لهم بالحركة بحرية أكثر لفترات أطول، حتى يتقاطع الطريقان، فيعود عليهم النظام بالهجوم.
      7. وأمر آخر، هو أن أثر هذا التيار موجودٌ ومحسوس، عكس ما يبدو لعدد من الناس. فإن نتاجهم العلمي هو من أكبر المصادر الشرعية في الساحة الإسلامية، في حقل الفقه والأصول والقضاء والتوجيه الحركي، وغير هذا من مناحي الفكر، ولعل ما كتب الشيخ عبد المجيد الشاذلي أو الشيخ رفاعي سرور، أو الشيخ أبو محمد المقدسي، أو الشيخ أبو مصعب السوري، أو الشيخ هاني السباعي، أو الشيخ عبد الهادي المصري، وغيرهم كثير في أنحاء البلاد كلها دليل على أثرهم القوي الواضح.
      8. ثم أمر آخر، أيديولوجي عقدي، لا يجب أن يغيب عن الأذهان، وهو أن طريق الأنبياء لا يتبعه العامة في العادة، بل هو طريق الخاصة الذين يؤمنون بالمبدأ أولا، ويتحملون في سبيله الصعاب، حتى يشقُّوا، بفتح من الله، طريقا لهم، يتمكنون به من فرض وجودهم على العامة، الذين هم، في غالب الأحوال، أتباعٌ للغالب الظاهر.ونظرة في تاريخ النبوة تُظهر لنا صدق ذلك.

      فعن لوط عليه السلام "فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ"

      وعن نوح عليه السلام "وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ"

      ثم قد خرج إبراهيم عليه السلام وحده هاربا من قومه، ولم نسمع عنهم خبرا بعد في القرآن.

      ونبينا الحبيب المصطفى ﷺ ما آمن معه إلا الأقل من أهل مكة حتى هاجر إلى المدينة. وجاءه الفتح هناك.

       وعن البشر عامة "وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ" & "وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ" & " وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ"

      فمفهوم أن الانتشار بين العوام دليل حق وخير، هو مفهوم خاطئ ملتو مزيف. بل الغالب هو العكس في حقيقة الأمر. وطالما هذا المفهوم والربط بين الكثرة والحق موجود في العقول، فلن ينصلح الفهم والمنهج.

      الخلاصة

      أهل السنة والجماعة، كانوا، ولا زالوا هم قادة "دعوة الحق" على الأرض. وكانوا، ولا زالوا موجودون بإذن الله وكفالته، حسب قول نبينا الحبيب ﷺ "لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي يُقاتِلُونَ علَى الحَقِّ ظاهِرِينَ إلى يَومِ القِيامَةِ." رواه مسلم، و"لا تَزالُ طائفةٌ من أُمَّتي مَنْصُورِينَ ، لا يَضُرُّهم خُذْلانُ مَن خذلهم ، حتى تقومَ الساعةُ" صحيح الجامع. فالحديث الأول يدل على المنصورين منهم بالقتال، وهم من هم ممن تعلم ونعلم! والحديث الثاني هو عن كل من جاهد بالكلمة وبالنهي عن المنكر وبإعلان الحق بكل وسيلة، نفسا ومالا ودعوة، فهو أعم. وهؤلاء ليسوا هم الكثرة، وليسوا هم أصحاب الحظوة في الدنيا، وليسوا هم الظاهرين بين الناس، بل الظاهرين على الحق.

      أهل السنة هم أفراد، وجماعات، للدعوة والقتال في سبيل الله، لم ولن يتوقف وجودهم ومددهم على مرّ الزمن. وحقيقة إنهم لم يصلوا للحكم زمنا من الزمن، أو في مكان من الأمكنة، لا يجعلهم مفقودين. بل هم، كما نحسب عماد الدنيا وعمودها حتى قيام الساعة. فبهم يظل ميزان الحق قائما حتى يطببه الله سبحانه وقت الساعة.

      ويبقى أن نقول لمن يسأل، أين أنتم؟ أن سؤالك غير صحيح، ولا منصف. ولعلك وجدت فيما قلنا إجابة شافية

      وعلى الله التكلان

      د طارق عبد الحليم

      19 يوليو 2023 – 1 محرم 1445

       

       

      [1][1] https://tariq-abdelhaleem.net/ar/post/7