"وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا"
وصلتني كلمات من أخ شيخٍ حبيب، عرفت لاحقا أنها لأبي قتادة الفلسطيني، أعاده الله إلى صوابه، بعد أن جرفه تيار التلون، وجرّه إلى متاهات من الرأي فضلّ وضرّ.
المقال، الذي جاء على شكل سؤال كأنه وُجّه إليه! فيه كثير من الأخطاء العقدية والحركية، حيث أريد به ابتداءً الترويج لفكر تبناه الرجل يعد خروجه من السجن منذ عشرة سنوات، وتحوله لمنهجٍ إخوانيّ المحتوى صوفيّ الحسّ، انبطاحي الحركة. وهي ثلاثية متناسقة متشابكة الأرجل، تسير معا على الدوام حين تصيب من تصيب ممن أراد الله ابتلاءهم بها! كما أُريد بالمقال التبرير لجماعة معينة، انحرفت عن الجادة بنفس الدرجة، وشجعها الفلسطيني وبرر لها وتبنى رؤيتها. فكان متناقضا مع شخصه القديم الذي تبنى من قبل جماعة الجزائر المسلحة وبرر لها وأفتاها بما أباح الدماء المعصومة! وإن أنكر ذلك فلضعف النفس عن مواجهة أخطائها، لا غير.
فبعد أن بدأ الرجل بداية طيبة، وضرب مثلا للتوجيه والاستغلال لداعش الخوارج من قبَل الكفار، وذكر حالات مشابهة لخطأ فهم حزب التحرير مثلا، عرّج على جهاد البوسنة.. وهنالك بدأ التخليط والعكّ الصراح! وبدأ الترويج لقبول الأوضاع غير المشروعة بحجة القدرية الإلهية فانتبه!
بدأ الفلسطيني في استعمال مصطلح حادث، أريد به تبرير التعامل مع المشركين، دون اعتبار الشروط وانتفاء الموانع، بشكل عقلي مصلحي مجرد، قال "فلا بد من تقاطع المصالح، وهي من رحمة الله بالخلق زمن ضعفهم، وذلك في سنن التدافع". وهذا المذهب البراجماتي الخبيث، بإطلاقه، مضاد لقواعد ديننا الحنيف، فإن رسول الله ﷺ كان في حالة استضعاف مدة عشرة سنوات، فأين مذهب "تقاطع المصالح" في سنته ﷺ؟ نعم، كان يشتري ويبيع مع الكفار، ويتحدث ويتعامل، لكن، أين هو من السماح لأتباعه من الترويج لعقودٍ تخدش أمن المسلمين وسلامتهم؟ أو حراسة قوافلهم ومتاعهم مثلا؟ تبا للفلسفة المتلبسة برداء الإسلام!
ثم يقول، مدلسا كعادته "والعجب من بعضهم أنه يريد اختيارا لموقف لا يحقق إلا مصلحة نفسه، وهذا كالذي يطلب حسنة مطلقة بلا اختلاطها بسيئة" في معرض حديثه عن طالبان. ومن الواضح إنه يقصد من عاتب طالبان على تبنيها لسياسة خارجية تسعى لدخول الأمم المتحدة بأي وسيلة ولتبني منهجا قد يؤدي لفكر مقتطع جزئيا من مناهج المنبطحين العرب. وقد كذب ودلّس، فإن من عاتب طالبان، لم يقصد مصلحة نفسه، فليس لمن فعل مصلحة في هذا على الإطلاق! ثم إن من عاتب طالبان لم يكفرهم، على العكس، دفع عنهم تهمة الكفر التي يحاول الدواعش إلصاقها بهم! فالرجل مدلس محترف بلا ريب! ولعله، كذلك يضرب عصفورين بحجر واحد، فيبرر لهتش البلاء فعلها في إعانة الترك على تنفيذ أستانا وتحقيق أجندتهم التي أفرزت تقاربهم مع بشار النصيري، كنتيجة لاتباع فلسفة الفلسطيني المنحرفة عقلا وشرعا.
ثم ثم يصل إلى قمة خطله وانحرافه بقوله " لذلك قد يساعدك الكفر تحقيقا لمصلحته في رد العدوان عن المسلمين ونصرة مستضعفيهم، فمن الجهل والضلال رد مساعدتهم في هذا، وهذا الذي يقال فيه: جهاد الدفع لا شرط له، وكل أنواع الجهاد المعاصرة ما كان لها أن تقوم لولا سنة التدافع بين الكفار أنفسهم". فسبحان الله العظيم! أي ضلال هذا! وإن حسُن بالتزيين والتفلسف!
الكفر لن يساعد أبدا في رد العدوان عن المسلمين ونصرة مستضعفيهم! هذه مقولة لم نر أجهل منها قولا ولا من صاحبها قائلاً! الرجل منكر لقول الله تعالى "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ". أهناك أوضح من هذا القول قول في المسألة. الكفر قد يعين "شكلا" لا موضوعا، آنيا لا مستديما، بشروط لا يمكن أن يعين بغير استيفائها. وهذا هو الخبال الذي ذكره المولى سبحانه. لكن قصير النظر مريض الاستشراف لا يعرف الفرق بين الهدف القريب والبعيد، فرمى من يتبع آيات آل عمران بالضلال والجهل، ونسب ضلاله وخروجه عن سنن الله الثابتة بالتمحك في سنة التدافع، التي لا محل لها في هذا التصور! آية من آيات ضعف التصور والاستنباط وخلل المنهج وعوار الفطرة.
ثم بهذا المنطق الأعوج المريض، فلا بأس بالاستدانة من البنك الدولي، ولا بأس بالمصالحة مع السيسي وابن زايد وابن سلمان على ما فيهم من كفر، ولا مانع من الانضمام للأمم المتحدة والتوقيع على مواثيقهم، فهي سنة التدافع!!
ثم أين وجد عنتيل الفقه هذا أن جهاد الدفع لا شرط له؟ هذا القول يقع على الشروط التي تقع على المكلف المسلم حين يكون مطالبا بالجهاد، من قدرة ومفهم الكفاية وغير ذلك، ففي هذا لا توجد شروط على المسلم للمشاركة في جهاد الدفع حتى يندفع العدو. أما أن يقال إنه لا شروط فيه، فيحارب المرء مع من هو عدو للإسلام أصلا، تحت راية عميّة جاهلية، وأن يعين الكفار على بعض شؤونهم التي ستصيب المسلمين بأشد الضرر، عاجلا أو آجلا، فهذا خيانة لله ولرسوله ﷺ وللمؤمنين.
هذا الرجل قد صار آفة في جسد الحركة الإسلامية، يتخفى بثوب كان يتلبس به في ماضيه، حين كان يُكفر حماس والإخوان والقرضاوي وأمثاله، ثم يبق منه رائحة يضلل بها أهل العمى من جهلة الأتباع. فاحذروه وحذّروا منه أكرمكم الله.
د طارق عبد الحليم
27 رجب 1444 – 18 فبراير 2023