فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الشعرة التي يجب أن تُقطع!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه

      ابتلي الكثير من الموحّدين اليوم، بما طرأ على بعض من أهليهم، أبناء أو إخوة وأخوات، أو غير ذلك من القرابات، من ظهور كفر أو بدع مغلّظة، بشكلٍ واضح صريحٍ لا شك فيه، سواء بتبني آراء كفرية ثابتة، تخالف ما هو من المعلوم من الدين بالضرورة، أو موالاة كفار، أو تصحيح كفر،أو إنكار مسلّمات شرعية، أو غير ذلك من الصور.

      يتعلق بعض الإخوة بمفهوم أظنهم أسندوه إلى تعبير ورد عن معاوية رضي الله عنه، عُرف "بشعرة معاوية"، وما جاء عن ابن حبّان فيها أن معاوية رضي الله عنه قال "لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف؟ قال: لأنهم إن مدوها خلّيتها وإن خلوا مددتها" ويعنى أنه رضي الله عنه يعتني ببقاء العلاقة مع من هم من المخالفين حتى لا يقطع كل أمل في عودتهم لما يراه حقاً. أقول تعلق بعض الناس بهذا التصور، فصاروا يطبقونه على أولئك الضالين من حولهم، وغالبا من أهليهم ومعارفهم، ممن ضرب بالإسلام عرض الحائط، وناصر ما يضاده، واستعلن بأقوال وأفعال تعاكس ثوابته، بدعوى "إبقاء الشعرة"! التي "ساعة تروح وساعة تيجي" لمن يعرف مرادي!

      هذا التصور، الذي يضاهي تصور "سلمية" السياسي، لكن على المستوى الاجتماعي، لا صحة فيه من الناحية الإسلامية على الإطلاق، بل هو مضاد لثوابت وتصورات إسلامية، لا جدال حولها.

      من ذلك أن الثابت من أقوال السلف هو قطيعة مرتكب البدعة، حتى لو قلنا بالمغلظة منها. فقد جاء فإن"أبا داود يعقد في سننه (باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم) و(باب ترك السلام على أهل الأهواء) وفي (الترغيب والترهيب) للمنذري (الترهيب من حب الأشرار وأهل البدع) وفي الأذكار للنووي ( باب التبري من أهل البدع والمعاصي ) وكذلك في كتب العقيدة ففي كتاب الاعتقاد للبيهقي (باب النهي عن مجالسة أهل البدع) وفي كتاب اللالكائي (سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم والمكالمة معهم والاستماع إلى أقوالهم المحدثة وآرائهم الخبيثة) إلى غير ذلك، بل إن بعض الأئمة من أهل السنة كان يُمدح لشدته على أهل البدع، كما في ترجمة غير واحد من السلف"، كذلك ما ورد في الجزء الأول من الاعتصام للشاطبي، يقول"

      "ويتعلق بهذا الفصل امر آخر وهو الحكم في القيام على اهل البدع من الخاصة أو العامة وهذا باب كبير في الفقه تعلق بهم من جهة جنايتهم على الدين وفسادهم في الأرض وخروجهم عن جادة الاسلام إلى بنيات الطريق التي نبه عليها قول الله تعالى) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله

      بل قد انقلب الحال إلى ان عادت السنة بدعة فقاموا في غير موضع القيام واستقاموا إلى غير مستقام فعم الداء وعدم الاطباء حسبما جاءت به الاخبار فرأينا ان لا نفرد هذا المعنى بباب يخصه وان لا نبسط القول فيه وان نقتصر من ذلك على لمحة تكون خاتمة لهذا الباب في الاشارة إلى انواع الاحكام التي يقام عليهم بها في الجملة لا في التفصيل وبالله التوفيق
      فنقول ان القيام عليهم بالتثريب أو التنكيل أو الطرد أو الابعاد أو الانكار هو بحسب حال البدعة في نفسها من كونها عظيمة المفسدة في الدين أم لا وكون صاحبها مشتهرا بها أو لا وداعيا اليها أو لا ومستظهرا بالاتباع وخارجا عن الناس أو لا وكونه عاملا بها على جهة الجهل أو لا
      وكل من هذه الاقسام له حكم اجتهادي يخصه اذ لم يأت في الشرع في البدعة حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه كما جاء في كثير من المعاصي كالسرقة والحرابة والقتل والقذف والجراح والخمر وغير ذلك
      لا جرم ان المجتهدين من الامة نظروا فيها بحسب النوازل وحكموا باجتهاد الرأي تفريعا على ما تقدم لهم في بعضها من النص كما جاء في الخوارج من الاثر بقتلهم وما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صبيغ العراقي
      فخرج من مجموع ما تكلم فيه العلماء انواع احدها الارشاد والتعليم واقامة الحجة كمسألة ابن عباس رضي الله عنه حين ذهب إلى الخوارج فكلمهم حتى رجع منهم ألفان أو ثلاثة آلاف
      والثاني الهجران وترك الكلام والسلام حسبما تقدم عن جملة من السلف في هجرانهم لمن تلبس ببدعة..
      وذكرهم بما هم عليه واشاعة بدعتهم كي يحذروا ولئلا يغتر بكلامهم كما جاء عن كثير من السلف في ذلك
      والسادس القتال اذا ناصبوا المسلمين وخرجوا عليهم كما قاتل علي رضي الله عنه الخوارج وغيره من خلفاء السنة ...
      ... والثاني عشر تجريحهم على الجملة فلا تقبل شهادتهم ولا روايتهم ولا يكونون ولاة ولا قضاة ولا ينصبون في مناصب العدالة من امامة أو خطابة.
      إلا انه قد ثبت عن جملة من السلف رواية جماعة منهم واختلفوا في الصلاة خلفهم من باب الادب ليرجعوا عما هم عليه
      والثالث عشر ترك عيادة مرضاهم وهو من باب الزجر والعقوبة
      والرابع عشر ترك شهود جنائزهم كذلك
      والخامس عشر الضرب كما ضرب عمر رضي الله عنه صبيغاً
      وروى عن مالك رضي الله عنه في القائل بالمخلوق أنه يوجع ضربا ويسجن حتى يموت" الاعتصام ج1 ص175 وبعدها. هذا كله في أصحاب البدع الصغرى والمغلظة.

      أما الكفريات فلا مشاحة في تجنب أصحابها ومقاطعتهم بالكليّة، ولا معنى لجلب مصلحة أو درء مفسدة، فأولا إن من ضوابط اعتبار قاعدة المصلحة هو عدم معارضتها للنص، والنصوص في عقوبة مرتكب الشرك والكفر، سواء بمناقضة التوحيد أو معارضة النصوص الثابتة أو غير ذلك من أشكال الكفر، حكمه الاستتابة، فإن تاب وإلا لزم تطبيق حدّ الردة عليه، إن قدر عليه. ولأن الزمان ليس فيه شريعة ابتداءً، فإن القاعدة هي لزوم المقدور عليه من العقوبة، لا اختراع وسائل لتجنبها بدعوى المصلحة المتوهمة. ثم إن المفسدة قد وقعت في أعلى صورها بوقوع الكفر، ولا معنى لتجنبها هنا بعد وقوعها. ودعوى محاولة تجنب استمرار المفسدة غير معتبرة لمناقضتها للحكم الشرعي.

      ومن أخطر تلك الأمور هو من تمسك بالشعرة، في أمرٍ يتعلق بمحبوب له، كالأبناء أو الوالدين، من حيث هناك مظنة الهوى متحققة، قال تعالى "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنة". وهذا الموضع هو أشد المواضع فتنة وخطر على عمل المسلم وتقواه. والأنكى حين يتمسك المسلم بالشعرة مع من يحب، ثم يدعي قطعها مع الآخرين، فهنالك الهوى الصريح. لذا فالواجب استعمال مكيالٍ واحد حتى يتحقق قول الله تعالى "وأقيموا الوزن بالقسط". فلا تطفيف في المعاملات.

      ثم أمر آخر يتعلق بقولة معاوية رضي الله عنه، وهو أنه كان يحرص على تلك الشعرة مع خصومه السياسيين ممن اختلفوا معه في اجتهادٍ عملي، ولم نسمع أنه استعمل هذا المفهوم مع من حرّف عقيدة أو التزم غير نهج السلف في القول والفعل.

      ونحن نعلم شدّة هذا الأمر على النفس، وصعوبة تحمّله، إن تعلق بولدٍ خاصة. لكن هنالك الفتنة. وهنالك يُعرف الحريص على دينه الصادق، مع ربه، من أهل الادعاء والكلام الرخيص.

      د طارق عبد الحليم

      27 شوال 1443 – 28 يونية 2022