فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      عالم اليوم بين الإسلامية والعالمية

      لا شك أننا نعيش في عالم مترابط أشد ما يكون الترابط، متشابك المصالح والمفاسد أشد ما يكون التشابك، شئنا ذلك أم أبينا، أقررنا ذلك أم أنكرنا!

      وهذا الترابط والتشابك، يُملي نوعا من العلاقات، التي ترسم بدورها صوراً محددة من التعاملات، وتنطبع من خلالها أشكال الكيانات التي تقود الأمم والمجتمعات.

      كما أننا نعي جميعا، كمسلمين حريصين على نشر دعوتنا وتحرير أمتنا وإقامة شريعتنا، أن الهدف الأساس هو إزالة تلك النظم الطاغوتية التي أنشبت أظافرها في رقاب البلاد والعباد، وحطمت ثقافتهم ودينهم وحضارتهم، ثم إقامة دولة إسلامية حقيقة بهذا الإسم، لا صورة مشوهة له.

      وهذا الغرض عزيز، صعب أشد الصعوبة، في مثل ظروفنا الحالية وواقعنا الأليم، وضعفنا الذي بلغ حضيض الضعف في العقود الأخيرة. فإنه أينما تولِ وجهك ترى المسلمين يُقتّلون ويُسجنون ويُهمّشون، وتُنتهك حرماتهم وتُصادر ثرواتهم وتٌسلب حقوقهم، ويُبدل دينهم، وتُمتهن كرامتهم، بلا حدود ولا قيود.

      ولكننا نعلم أنّ هذا الوضع لن يتغيّر من تلقاءِ نفسه، أبداً. فإن الله سبحانه ربط الأسباب بالمُسببات، ربطا كونياً وجعله سنة عامة من سننه الكونية التي لن تجد لها تبديلا ولا تحويلا. والحالم بمعجزة من الله تعالى هو المُعاند لسنن الله والراغب عن العمل لله. وهذا لا يعني ترك الدعاء والتوكل، فهما سببان من الأسباب الإلهية، لكنهما لم يكونا أبدا، كافيين لتحقيق الأهداف الشرعية في حياة الناس، إلا في النوادر التي قُصد بها إثبات القدرة الإلهية من وراء الأسباب.

      في خضم هذه المعمعة من المتشابكات، يأتي التساؤل الهام عما يجب أن نفعل اليوم، نحن الضعفاء، والمقيدون في القوة والتصرف، المُحاطون بكافة ألوان القهر والاضطهاد؟

      هناك عديد من الأمور التي يمكن أن يذكرها الناظر إلى مثل هذا التساؤل، الذي قصد الكثير من الباحثين والدعاة إلى تبنيه، كلٌّ حسب توجهه الأصيل في التعامل مع الواقع. لكني هنا أحب أن أوجه النظر إلى أمر أظنه فات، عمداً أو بغير عمدٍ، عن غالب من رصد قدرا من الوقت والجهد لرؤية طريق المخرج من هذه الأزمة العارمة.

      وهذا الأمر هو محاولة فهم الواقع العالمي كما هو على أرض الواقع، تفصيلاً، لا بحسب الأيديولوجيات العامة والقواعد الكلية فحسب. إذ نحن نرى أنّ تحديد موقعنا من العالم والأحداث، يعتمد، في أحد جوانبه الأصلية، على معرفة ذلك العالم وتلك الأحداث، وكيف تتشكّل وتتحاور بما يسمونه "السياسة الدولية"، وهي ما أغفل المسلمون دراسته إلى حدٍّ كبير، إلا النادر منهم.

      نعم، لا حق لا تدعمه قوة، ولا نجاح لا تغذيه إرادة. من أنواع القوة التي نقصدها قوة الإحاطة بالواقع وفهم مجرياته بتفاصيلها، إذ كيف نتوقع التعامل مع واقع لا ندري عن أحداثه إلا عناوينها؟ ونحن، على ضعفنا وانسحاقنا، جزء من تلك الأحداث، وإن لم نكن من صانعيها.

      ومثال ذلك من الماضي القريب، الاحتلال الأحمر لشامنا الحبيب. فإن أمر التدخل الروسي هناك يتخطى الغاز والبترول، ولا يتعلق مقدار ذرة بإنقاذ علج الشام بشار! بل هو في الغالب الأعم، يتعلق بتوسيع دائرة النفوذ السوفياتي في العالم، عسكرياً، وذرع قوات في أنحائه بعد انتشار قوات الناتو – الأمريكي القيادة – في أنحائه، حتى كاد أن يحيط برقاب السوفييت في عقر دارهم. وهو ما يفسّر الموقف الروسي الحاضر في الأزمة الأوكرانية، وما حدث في 2015 من احتلالهم لشبه جزيرة القرم. وهو ما يتعلق بمواجهة عالمية بين الشرق المتمثل في روسيا والصين، وبين الغرب المتمثل في أمريكا وأوروبا.

      هل يهمنا فهم ما يقع اليوم من أحداث أحيت تلك المواجهة مرة أخرى، رغم أن كلا الشرق والغرب عدويين لا يألون لنا خبالا؟ أظن ذلك، إذ، كما أشرت في مقال لي عن الواقع العالمي منذ عدة سنوات، إن فرصة المسلمين تتعلق بفترة التوتر الذي يقع بين الشرق والغرب، والذي ندعو الله أن يصل إلى حد الصراع المسلح يوما ما، وإن لم يكن احتماله القريب قائما، حتى يصرفوا عنا الانتباه، وتتوفر للمسلمين الفرصة لسحق الأنطمة الطاغوتية في ديارهم، بعون الله تعالى.

      من الهام المُجدي أن يكون من الدعاة متخصصون في دراسة السياسة العالمية، وفهم وقائعها وتأويلها، ليمكن الاستعداد للتغيرات التي يمكن أن تؤثر على مسار واقعنا، مهما ظنّ النظر القاصر أن ذلك لا علاقة له بالمسلمين!

      د طارق عبد الحليم

      18 فبراير 2022 – 17 رجب 1443