فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      عن إشكالية الحاضنة الشعبية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه

      حين نتحدث عن الحاضنة الشعبية فإننا نقصد تلك الجمهرة من أهل الإسلام، تعيش على رقعة أرض، وتحتضن بينها كوكبة من المسلمين من المخلصين، القائمين على الدعوة لدين الله تعالى، والعاملين على عودة الشريعة للحكم في أرض المسلمين. وهذه الحاضنة منها الخاصة ومنها العامة، أو المحلية والدولية إن أردت التعبير الأدق.

      وتلك الجمهرة، بذاك الحدّ الواسع، ليست كلها حاضنة بالمعني الذي نريد إليه، أو كما تجري من أقلام المهتمين بالشأن الإسلاميّ. فإن الكثير من المقيمين على الرقعة الإسلامية ليسوا ممن يهتم بشؤون المسلمين. والأقلية فيهم من يجد شجاعة ليكون "حاضنا" لأي نشاط إسلاميّ، أو معينا له، أو متستراً عليه، حيث زرعت قوى الظلام الكفرية الرعب في قلوب أغلب العامة من الناس.  

       كذلك تختلف طبيعة الحاضنة من بلد إلى بلد. فالحاضنة في أفغانستان ليست كالحاضنة في الجزيرة أو مصر أو بلاد المغرب العربي. كما تختلف حسب موقعها، فالأرياف والنجوع والقرى محل أفضل للحاضنة من المدن الكبرى التي تلوثت أخلاقياتها، وصار الجبن والحرص الشديد على النفس والمال والعيال، حتى دون أي ظاهر يهدده. فهم يعيشون في جوٍ من الأوهام، كله خوف ورهبة وتربص، كأنهم من وصف البحتري:

      ومن العجائب أعين مفتوحة *** وعقولهن تجول في الأحلام

      فمن هنا وجب على المسلم المعتني بالتغيير، أن يضع في حسابه تلك العوامل، حين يتحدث عن الحاضنة، وإمكانية استغلالها لصالح الدعوة إلى الله.

      ثم الحاضنة الدولية، والتي أعني بها أولئك الأفراد والتجمعات من الأقليات المتناثرة في دول الغرب، الذين هم بطبيعة الحياة وظروفها أقدر على الحركة والإمداد المادي ووسائل التواصل والإعانة للمسلمين من غيرهم. وهؤلاء كذلك، ينقسمون إلى غالبية سادها الجبن والأنانية والحرص على الحياة والخوف من صفرة كلّ صافرٍ، وأقلية بقيت تعين وتساعد على عمل الخير، من تحويل مالٍ، أو رسائلٍ، أو نشر كتبٍ، أو غير ذلك من وسائل الدعم اللوجستي للدعوة والدعاة. ولا يجب أن تسيطر روح الخوف والحذر من كلّ خطوة يخطوها الحاضن للدعوة، إلا إن كان هناك سبب ظاهر حقيقي، لا خفي مُتوهم من وقعِ الدعاية المُفرطة في قدرات العدو.

      وتقدير تلك العوامل هام للغاية بالنسبة للدعاة، من حيث يجب معرفة حقيقة حجم وطبيعة ما يسمونها الحاضنة، فإن الخطأ في التقدير وخيم العواقب. وها نحن اليوم نرى تخلف الجمهرة من الناس عن إعانة الإخوان حين سقطوا كلهم فريسة السيسي في مصر، وتخلفهم عن نصرة العلماء والدعاة المعتقلين في الجزيرة وغيرها. ذاك هي حقيقة تلك الجمهرة من الناس، فلا يغترن أحد بكمّها، بل هي أقرب أن تكون الهاضمة (!) منها الحاضنة.

      د طارق عبد الحليم

      10 جماد الأولى 1443 – 14 ديسمبر 2021