فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      نظرات بشأن تنظيم البغدادي

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه وسلم

      من أهم الأغراض التي وجهنا إليها القرآن الكريم، الاعتبار بقصص من مضى، والتدبر في تاريخهم، لتجنب ما وقعوا فيه من بلاءٍ جلب عليهم التدمير والفناء. قال تعالى " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" يوسف 111. فالاعتناء بالتاريخ، ومن ذلك، وخاصة فيه، تاريخ الحركات التي نشأت تحت مظلة إسلامية، لغرض إسلامي، صحيح أو سقيم، وما أكثر السقيم منها!

      وقد مرت الحركة الإسلامية، ومن حولها الأمة كلها، خلال العقود الثلاثة الماضية خاصة، والعقود الأربعة قبلها عامة، بزلازل عنيفة، تمثلت في ظهور حركات على ساحتها، من غرضها الدعوة للإسلام، أو القتال في سبيله، على غرار ما سبق من قيام حركات نشأت في الثلاثينيات، ثم ظهرت متحورات منها، أو على الأصح كردة فعل لها، في الستينيات والسبعينيات، ثم استمرت بعض تلك الحركات، واختفى بعضها.

      وكان أبرز تلك الحركات، هي جماعة القا.عدة، التي كانت بدايتها في الستينيات، مع مجموعة د أيمن الظو.اهري حفظه الله، فيما عرف بجماعة الجها.د. ثم كان انتقالها إلى أفغانستان في الثمانينيات، لحرب الروس، وتكوين جماعة القا.عدة مع الشيخ أسا.مة بن لا.دن رحمه الله تعالى، ثم ما كان من تاريخها بعد أحداث وقعة مانها.تن، وإنشاء قا.عدة الجها.د في الجزيرة، ثم في المغرب العربي، واللتين لا تزالا تمارسان عمليات في الساحل الأفريقي وفي اليمن.

      لكن الغرض هنا هو الحديث عن جماعة أخرى، عرفها العالم باسم الدولة الإسلامية في العراق، ثم في العراق والشام. كما أن الغرض هنا ليس تتبع التطور السياسي والعسكري لتلك الجماعة، من طهور وتوسع (باقية وتتمدد!) إلى انحسار وتمحور، ثم اعتماد شبه كليّ على العون الغربي في البقاء والتنقل من بقعة لبقعة، كوسيلة للضغط على القاعدة، ثم على طالبان.

      الحديث هنا هو عن أمرين رئيسين، في نظرنا، أديا لانهيار تلك الجماعة التي كانت تسيطر على مساحات شاسعة من العراق والشام، لتصبح شراذم يتلاعب بها الغرب، تحت غطاء قتال "المرتدين" في القا.عدة وطال.بان.

      الأمر الأول

      وهو ما أدى في الحقيقة للأمر الثاني، هو تغلغل من ليس لهم باعٌ وركيزة في العلم الشرعيّ، في توجيه الحركة، والإشراف على إصدار مناهجها وتدوين عقائدها.

      وحين نقول " من ليس لهم باع وركيزة في العلم الشرعيّ"، فإننا نعني من هم من طبقة الجهال أو الرويبضات العلمية، وإن كان لديهم بعض المتناثرات من العلوم، في هذا الفن أو ذاك، دون تلقي العلم، صغاره ثم كباره، والصبر عليه سنيناً طوالاً، ودون أن يكون لهم من بعد ذلك مشاركاتٍ معتبرة في الوسط العلمي.

      وهذا ما نراه في حال غالب من تولى التقعيد والتنظير في دولة البغدادي، كما سنذكر بعد فيما وصلني، مثل أبي محمد فرقان وأبي عمر الكويتي وأبي جعفر حطاب وأبي مصعب التونسي وأبي ميسرة الشامي وغيرهم ممن أصّلوا لأيديولوجيات مختلفة داخل التنظيم وتبنوها وفاصلوا عليها. وهو ما أدي للأمر الثاني الذي هدم ذلك الكيان ومزّق أوصاله.

      الأمر الثاني

      وهو نشأة تيارات، أو فرق فرعية، تحت مظلة التنظيم الرئيسية، تتبنى مواقف عقدية متباينة، تتمحور حول مسألة التكفير والإعذار بالجهل وحال العاذر، وتجتمع كلها في أن التكفير أصل من أصول الدين ومن مفاهيم لا إله إلا الله. ومن هنا قول القائل إنهم فرقة قائمة بذاتها من حيث حدّ الفرقة هو الاجتماع على قول بدعي مخالف لأصول عند أهل السنة [1].

      وتلك التيارات، كما رصدها أحد الباحثين في شئون الجماعات، ووصلني من عالمين بحقائق الدولة أن ما فيها أقرب ما يكون من الصحة [2]، هي ثلاث تيارات مختلفة:

      1. تيار تركي البنعليّ وأبي بكر القحطاني: وهو الأكثر اعتدالا وقربا من السنة، لكنه يتفق مع الفكر الأصلي في تكفير العاذر، وإن أنكر التسلسل. وتركي البنعلي طالب علمٍ لم يتعمق في طلبه ولم يكن فيه ماهراً بشهادة بعض مشايخه. وكان أبو بكر القحطاني طالبَ علمٍ مجدٍ.
      2. تيار أبو محمد فرقان: وهو رجل ضئيل العلم، لم ينا منه شيئا يُذكر، وكان رئيس دائرة إعلامهم ومنشأ مجلة الفرقان. وتشدد هذا التيار فجعل التكفير أصل من أصول الدين وكفّر بالتسلسل، وهو التيار الذي غلب على التنظيم في نهاية الصراع.
      3. تيار الحازمي: وهم أتباع أبي عمر الحازمي المبتدع، وهو من تولى كبر هذه المصيبة من أساسها. وتبنى هذا التيار أبو جعفر حطاب، وهو رجل ضئيل العلم، قليل التحصيل. وقد اعتبر التكفير أصل من أصول الدين، وكفر العاذر وقال بالتسلسل. وقد كفر الحطاب قيادات التنظيم ومنها البغدادي نفسه! ولا نستغرب هذا، فقد كفّرت فرق من الخوارج بعضها بعضا من قبل. وقد قتله التنظيم ومن معه، وانحل هذا التيار في أوائل مارس 2015.   

      هذه التيارات المتناحرة، كانت تحوم كلها حول السيطرة على الأيديولوجية الرسمية للتنظيم، واستقطاب البغدادي ومن حولة لما يعتقدون، ثم استقر بها الأمر لتيار أبي محمد فرقان (واسمه وائل حسن سلمان العراقي) رغم مقتله في سبتمبر 2016 على يد التحالف الصليبي، عقب مقتل البنعلي البحريني على يد القوات الصليبية في مايو 2017، والقحطاني (عمر بن سعود الجزراوي) الذي قُتل بعده بشهر واحدِ، وقيل إن ذلك بسبب غارة جوية، لكن ترددت أقوال عن أن التنظيم، وبالذات تيار الفرقان، كان من وراء مقتله. وبذلك خلا الجو لتيار أبي محمد الفرقان. والجدير بالذكر أن البغدادي لم يفصح أبدا عن نصرته لأي اتجاه منها.

      هذا التناحر والتشتت العقدي، سببه أن المتناحرين كانوا من سفهاء الأحلام، لم يحصلوا ما يهديهم في دروب العقيدة ومسالك الهدى، من علم نافع وثبات قدم في المعرفة.

      لكن ما نخلص إليه هنا، بعد تقرير تلكم الأمرين الذين يجب أن ينتبه لها أهل السنة، فيما يقيمونه من بناءات تنظيمية أو مؤسسات جماعية في مجال الدعوة والجها.د. وهما الحذر من تصدير الرويبضات وصغار المتعلمين، ثم الترصد لأي فكر بدعي مخالفٍ للسنة الصريحة، واستئصاله مهما كانت نية صاحبه ومقصده.

      أما عن تنظيم الدولة، فإنه ليس من المنهج العلمي أن يقوم الحكم على تنظيم عقدي ما بناء على ما تفرق بين أفراده من آراء، أو تتبع ما يقوله هذا التيار أو ذاك في الردهات الخلفية لذاك التنظيم. لكن الأصل هو الجامع بينها والسمة العامة التي يتسم بها، ثم ما هو مُعلنٌ من منشوراتها وبيانات متحدثها الرسمي، وعلى ذلك يُبنى الحكم على الجماعة. وما عايناه من خطابات العدناني المتحدث الرسمي باسم التنظيم، وتكفيره للقاصي والداني، واستباحته لدماء المسلمين، ثم ما رأيناه من تصرفات ذلك التنظيم، من قتل أهل الإسلام وترك أهل الأوثان[3]، يجعل كلّ تلك التفاصيل من الأقوال والأيديولوجيات المتناحرة، لا تُغني شيئا في حرورية ذاك التنظيم وخارجيته الظاهرة. وهو ما ذهبنا إليه بادئا ذي بدء في أبريل 2014، بفضل الله وبنور من هداه.

      اللهم ثبتنا على دينك وأبعدنا عن مزالق الفتن ومهالك البدع

      د طارق عبد الحليم

      28 ربيع ثان 1443 – 3 ديسمبر 2021

       

      [1]  الاعتصام للشاطبي

      [2] https://eipss-eg.org/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D8%B3%D8%A7%D9%85-%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84-%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9/#_ftn34

      [3]  راجع المجلد الثاني والثالث من مجموعة الأعمال الكاملة د طارق عبد الحليم في تفاصيل أحداث الشام