فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      من "شفاء الغليل في بيان مسائل الشبه والمخيل ومسالك التعليل"

      للإمام أبو حامد الغزالي

      كتاب عزَّ مثيله، وعدم قرينه، وتفرّد في موضوعه، وترفع في مجموعه، فكان درّة في أصول الفقه لا تُبارى. وهو مُختصٌ بأشد مسائل الأصول تعقيدا، وهو موضوع "القياس"، وبأخص خصائصه وهو "مسالك العلة" ومسائلها.

      ولأن الكاتب قصد إلى الحديث مع المتخصصين، كما بيّن في الشروط التي ذكرها في مقدمته، فإن القارئ سيجد صعوبة، بل امتناعا عن الفهم عنه في غالب مواضعه، ما لم يكن متمرساً بمصطلحات الأصول ومستوعب لها على وجه أكمل.

      ولعل الله إن أتاح لي في العمر مَدَّة قدم، أن أقوم بشرحه شرحا ميسّرا كما فعلت مع كتاب "الموافقات".

      وسأضع هنا، لمن أراد الابتداء منفردا، أهم ما يريد أن يقف عليه القارئ من مصطلح، يفتح به مستغلق الغرض من الكتاب، ويتوجه به إلى فهم الصواب، وإن كان مجرد مفتاح للعنوان لا أكثر! فإن المؤلف رحمه الله ذكر كل تلك المصطلحات دون شرح معانيها.

      **معنى القياس (كما اختاره المؤلف)

      هو إثبات حكم الأصل (المُقاس عليه) في الفرع، لاشتراكهما في العلة (التي هي سبب الحكم والدّالة عليه)

      ** معنى قياس الشبه

      * وقياس الشبه له وجهان، يختلط أمرهما على البعض. فمنه باطلٌ يقوم على إثبات حكم الأصل في الفرع بناء على جامعٍ لا يصلح أن يكون علّة، وإن كان فيه شبه العلة.

      * مثال قول أبناء يعقوب "قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ" فهي علة باطلة، إذ سرقة الأخ لا تُعلل سرقة أخيه ولا تُلزم بها. لكن استخدموا الشبه بين الحالين كعلة، وهي باطلة.

      * ولكن العلماء استخدموا مصطلح قياس "الشبه" في لون صحيح من القياس، أو "قياس المعنى" وهو يختلف عن قياس الشبه الباطل، مثاله قياس إثبات النية في التيمم كما هي ثابتة في الوضوء. قال السمعاني في "قواطع الأدلة": "اعلم أن ظاهر مذهب الشافعيّ رحمة الله أنه حجة وقد أشار إلى الاحتجاج به في مواضع من كتبه وأقرب شيء في ذلك قوله في إيجاب النية في الوضوء كالتيمم" قواطع الأدلة في الأصول ج2 ص164،

      ** معنى قياس المُخيّل

      هو قياس شبه أشدّ بطلانا من سابقه، إذ هو إثبات لحكم الأصل في الفرع، بناء على علة موهومة مُتخيلة، غالبا من تكون مشتقة من الصورة العامة للأصل، دون تعيين، كالشبه في الأحجام أو الملابس. وهو الطرف الغائي في القياس الباطل. والقياس على الأسماء، ولو مشتقة، فهو لا يصلح.

      ** معنى قياس الطرد

      والأصل فيه أنه هو القياس على علةٍ صحيحة متعدية في الأصل، ومطردة في الفرع، وهو على ثلاثة أنواع: قياس العلة إن ثبتت العلة في الأصل وثبت كونها علة للحكم، واطردت في الفرع. وقياس الدلالة إن كانت العلة ثابته لكنها ليست موجبة للحكم. وإن كان قد سمي في بعض الكتب من قياس المعاني، فالاختلاف في المصطلح كثير بين العلماء، فلا تهتم به في بداية الطلب. وهو ثابت في القرآن مثل قول الله تعالى " كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ("التوبة 69. فهنا العلة الجامعة هي الخوض والاستمتاع بالخلاق، والحكم هو حبوط العمل والهلاك، فهو متحقق في كل من يخوض ويستمع بخلاقه.

      ** معنى قياس العكس

      وقياس العكس، هو إثبات عكس الحكم لانتفاء العلة المؤثرة في عكسه. والمثال المشهور فيه حديث أبي ذرٍ رضي الله عنه عن رسول الله ﷻ"أَرَأَيْتَ إِنْ وَضَعَها في الْحَرامِ أَكانَ عَلَيْهِ فِيها وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إذا وَضَعَها في الْحَلالِ كانَ لَهُ فِيها أَجْرٌ".

      وشرح تلك الجمل واسعٌ لكن البدء بالتعرف عليها ضروري لطالب العلم.

      د طارق عبد الحليم