فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حول دولة طالبان

      من الواضح أن طالبان تسعى لإقامة دولة إسلامية، تتخذ من الشريعة أساسا لحكمها وقاعدة لتعاملاتها. هذا ما قرره قادتها وأعلنوه مراراً، ثم اتخذوا خطوات في اتجاهه، كجماعة وحكومة، لتحقيقه، مثل موقفهم من التعددية الحزبية، أو السماح بالكفريات الإعلامية، أو تولى النساء مهام تنفيذية.. الخ.

      لكن الدول والحكومات القائمة عليها، لا تقوم منفردة في خلاء سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي. فالدول تحوي شعبا له احتياجات في الطعام والشراب والمسكن والتعليم، وسائر ما تستلزمه الحياة في عصرنا. كما أن لها حدودا مع جيرانها، وهي في حالة أفغانستان، بل وغيرها، حكومات علمانية كافرة تحكم شعوبا يختلط فيها المسلم والعلماني. ثم هي – أي الدولة الوليدة – جزء من قبة سياسية معقدة متشابكة المصالح، تتغلب فيها، في الحاضر على أية حال، قوى الصهيونية المتواطئة مع الصليبية، وتفرض من ثمّ أيديولوجياتها وشروطها على العالم المنهزم أمامها.

      وقراءة التوجهات السياسية في دولة طالبان الحديثة، والتي نراها حاليا في تصريحات مسؤوليها، مثل محمد نعيم وذبيح الله مجاهد، تعكس مؤشراتٍ أراها، في بعض الأحيان غير منسجمة مع المفهوم العام الذي تتبناه الحركة، أو على الأقل، ليست جازمة في صدده، وتحتاج لتفسير وتبيان.

      وقد يعود هذ الأمر إلى دبلوماسية سياسية تعتمد تهدئة المخاوف العامة، أو بمعنى أصح الطموحات الشرسة الغربية في تدمير أية بنية إسلامية قوية. وهذا أمر مفهوم تماما في حالة أفغانستان، حيث جمدوا أرصدتها وسحبوا القوة الفنية العاملة فيها، ومنعوا عنها أي دعم أو تواصل في شبكة العلاقات الدولية المعقدة.

      ومن تلك الأمور "دور المرأة" التي صدّعونا به سنينا، ولم نر له أية نتيجة في تقدم على أي مستو في أية دولة خضعت لتلك المفاهيم وجردت نساءها من ملابسها واعتمدت الفُجر شعاراً والتعرية دثاراً، كمصر وتونس، بل والجزيرة مؤخراً، وغيرهم، وما تبع ذلك من "حريات" كحرية العمل بكافة المهن، والانتخابات وتولى الوظائف العليا التشريعية والتنفيذية، وسلب الرجل ماله وعياله في حال الطلاق، وهلم جرا! فإن التصريحات الأفغانية الرسمية الأخيرة تتماشى، لهجة، مع مطالب الغرب، من أن الحكومة تحترم حرية المرأة، لكنها تريد وقتا ليحكم المجتمع الدوليّ الحكم الصحيح عليها، حسب ما قال محمد نعيم بالأمس. وليس من الواضح ما مراد طالبان بحرية المرأة، التي أعلنوا أنهم يحترمونها، وبين معناها المقصود في مصطلح ما يُسمى المجتمع الدوليّ. فطالبان ذكرت أنها تحترم حقوق المرأة في حدود الشريعة، بل وبدأت حكومتها في فرض بعض القيود على المظاهرات النسائية وعمل المرأة في مهن كثيرة.

      لكن، ماذا يعني إذن "نحتاج وقتا لنصل إلى ما وصل إليه الغير في خمسين سنة" على حد تعبير محمد نعيم؟ أيعني التطور إلى العصرية الحالية المتبرجة مثلاً؟ أيعني تعيين وزيرا من النساء في الحكومة؟ وهل هذا الوقت تحتاجه الحكومة لإقناع الناس بالتجديد المطلوب، أم اقناع بعض رجال الحركة من أصحاب الفكر "القديم الذين شهدوا قيام حركة طالبان في التسعينيات؟ وهؤلاء النفر هم من المتقدمين في العمر عادة، بين الخمسين والسبعين. فهل ينتظر أبناء الجيل الأصغر سناً فناء ذاك الجيل ليمكنه القيام بالتجديد خطوة خطوة، ليتمشى مع العصرية الحديثة، ولو بانضباط جزئيّ؟

      الأمر لا يزال غير واضحٍ فيما يتعلق بالمفاهيم النهائية لحركة طالبان، وإن كان المعلن منها والظاهر، لا يزال، هو إقامة الشرع ومراعاة مصالح الخلق. وهو ما عليه المعول في الحاضر، لكن قراءة الأقوال تعطي انطباعاٍ بأن التوجهات النهائية لا تزال قيد نظر وبحث، وإن كان ذلك ليس ظاهراً للعيان، لموانع كثيرة، منها أن شرعية طالبان أساساً قامت على التمسك بالشرع بلا انفلات ولا تغيير على الإطلاق، ومنها أن هناك جداراً صلباً من التوجه المحافظ داخل الحركة ما يمنع أي محاولة لأي اتجاه آخر من أن يظهر على السطح.

      ونحن كمسلمين، ندعو الله أن يجنبهم الفرقة، وأن يهديهم للتمسك بالنهج الإسلامي الصحيح (الذي يسمونه المتشدد) فلا يفرّطوا في أحكام الله، مقابل القمح والسكر. وأن يحاولوا السير في طريق التحديث المشروع، والمحكوم بقوانين الشريعة، حتى لا نرى انشقاقا في الحركة، بين القدامى المتشددين، وأبنائهم وتلاميذهم، وبين من يريد غير ذلك من أمر.

      د طارق عبد الحليم

      23 صفر 1443 – 30 سبتمبر 2021