وردني تعليق من أحد الأبناء عن كلمة كتبتها في حق الشبر الفلسطيني الخبيث قعيد لندن، ذكّرته فيها بما كان عليه قبيل الثورات العربية الفاشلة، من عمل مخزٍ وبعدٍ عن الإسلام. قال صاحب التعليق، أنّ الشبر، رغم ما فيه من بلاء، قد تاب وأناب وأصلح طريقه، والتوبة ترفع الإثم، وكونه صرف جلّ حياته التعيسة في غير طريق الله، لا يعني عدم قبول توبته وأوبته، ما دامت قبل الغرغرة.
قلت: أختلط عليك الأمر أيها الشاب الحبيب. فإننا لا نشك لحظة في أن التوبة ترفع الإثم، إن صلحت وصدقت. فهذا دين الله وشرعه وسنة نبيه ﷺ. لكننا ننظر من بُعد آخر للمسألة. وهو بعدٌ يتوه عنه نظر الكثير من الخلق، فيخطئون في تقييم الناس، ومن ثم يخلطون الحق بالباطل.
فإن من عاش عقوداً في غير طاعة الله، ثم تاب بعدها وأصلح، قَبِلَ الله توبته بإذنه. لكن يجب أن يراعي الناظر أن عقودا من الإثم وإضاعة الجهد والوقت، ومخالطة النفس للباطل واستمراءُ المعصية، وطول مصاحبة الشريرين من الخلق، لها أثر ينطبع على صاحبها، حتى إن تاب وأناب، في منهج نظره وطريقة تناوله للأمور، وتأثر في نظره وتحليله، ومن ثم في استنباطه وتعليله. أما من لحق بركب الصالحين مبكرا، وعاش عقودا في طريق الله وعلى نهج السنة المباركة، فإن طريقه تكون أوضح وأقوم وأفهم، بطبيعة الحال، وأن تساووا في قبول التوبة إن صلحت وصدقت. فهذا بعدٌ مختلف للنظر لا علاقة له بالتوبة، بل بما عليه المرء بعدها. لذلك جاء في الحديث فضل الشاب "الذي نشأ في طاعة الله"، وهو غير من عصى بضع سنين ثم تاب، وهما غير من عاش جل عمره في المعصية ثم تاب، من ناحية منهج النظر واستقامة الطريق، وإن تساووا في قبول التوبة. وفي الحديث أن مواصلة العمل الصالح "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل ... حتى كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به..." الحديث بالبخاري. وما ذاك إلا لطول الاتباع.
ومثال الشبر اللندني من أفضل الأمثلة على ما قدمت. فانظر إلى طريقه الذي سلك وتحريفه الذي احترف. وما ذلك إلا لانحراف منهج النظر وعدم القدرة على الاستقامة، وإن تحول بعد طول المعصية إلى الصلاة والصوم والتلاوة!
ولعل في هذا الإيجار فائدة للسائل الحصيف.
د طارق عبد الحليم
29 محرم 1443 – 6 سبتمبر 2021