فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مسيرة طالبان .. وعوامل نجاح الحركات الإسلامية

       

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      عانت مجتمعات المسلمين ما عانت في القرن السابق، وحتى يومنا هذا، وما يعرفه القاصي والداني، من سحق الهوية، وتدمير البنية، الاقتصادية والانسانية، لصالح المستعمر الغربي.

      وكان من آثار هذه المعاناة ظهور "الجماعات الإسلامية" على شتى الأشكال والأغراض، كلّ يعلن أن هدفه "خدمة" الإسلام، بنشر ما أجمعت عليه الجماعة، سواء بالدعوة، أو بالعمل الخيري، أو بالعمل "الجهاديّ" كما أسموه. وكان لكلٍّ مواضع قصور، فكرياً وحركيَّا. وقد تناولت ذلك الأمر في عدد من المقالات والأبحاث، وبشكل أوفى في مقال بتاريخ يوليو 2017 "ماذا علمتنا الجماعات الإسلامية"[1].

      والشاهد هنا إننا ذكرنا، كما هو معلوم، أن النصر مرتبط بعدة عوامل، من أهمها الثبات، وتفادي "الحركة البندولية" التي ترفع وتخفض، يمينا ويسارا، ولا تستقر على وسط أعدل!

      وهذا ما كان من طالبان. فمنذ بداية الحركة في 1992 بعد انسحاب الدب الروسي، ثم سيطرتها على الحكم في 1996، وإقامة إمارتها الإسلامية، وحتى تنحيتها عن الحكم، بالقوة الأمريكية الأوروبية في 2001، لم تتخل طالبان عن خيار قتال المعتدي، أياً كان، أو تغيَّر أيديولوجيتها الشرعية بضرورة الحكم بالشرع.

      وقد تجسد هذا المفهوم عملياً في استضافة طالبان للقوات الجهادية العربية، التي ذهبت تحارب الدب الروسيّ، جنبا لجنب مع الأفغان في الثمانينيات، بمساعدة مادية من حكام أسرة آل سعود وآل نهيان أيامها، بتحريض من أمريكا، لإنهاء السيطرة الروسية على البلاد. وكانت هذه القوات هي نواة تنظيم القاعدة، الذي تبلور في عام 1990، والذي كان من قبل مجموعات جهادية، مصرية/جزراوية القوام والقيادة في غالبها، اتحدت لتكوّن ذاك التنظيم.

      وبعد عملية الحادي عشر من سبتمبر 2001، رفضت حكومة طالبان تسليم قيادات القاعدة إلى أمريكا، إيمانا منها بأن ذلك خيانة لمن جاؤوا أرضها مهاجرين للقتال بجانبهم صفاً ضد السوفييت، وقدموا الأرواح والأولاد في سبيل الله على تلك الأرض. وما كان من الأمريكان إلا أن كونوا تحالفا صوريا، كالعادة، بتمويل سعودي إماراتي، كالعادة! وهاجموا أفغانستان، عقب تدمير العراق، بحثا عن أسلحة لا وجود لها أصلاً!

      لكن طالبان آثرت رابطة الأخوة على سدة الحكم، وفهمت فهما أصيلا طبيعة الصراع العالمي ومسار السنن الكونية فيه. وتنحت طالبان، إلى حين، عن الحكم، دون أن تسلم أحدا من لاجئيها، أو تبدل وتتلون في مفاهيمها. واختطت لنفسها خط المقاومة التي لا تلين. واستمرت على ذلك سبعة عشر عاماَ، تحارب أعتى وأشرس القوات الغازية في عصرنا الحديث، وترفض الاعتراف بحكومة العمالة في كابول، تحت أي وعود أو عهود.

      وأثمرت الخطة المرسومة على النهج الرباني السنيّ، واضطرت أمريكا، القوة العظمى في عالم اليوم، أن تجلس مع طالبان، مخزية منهزمة، تجر ذيول الخيبة والخسارة بين قدميها، تتفاوض للخروج من أفغانستان.

      وقد سردت هذا الموضوع، رغم عدم انتمائي إلى القاعدة أو إلى طالبان، ولا إلى أي تنظيم آخر يوما من الأيام، بل سردته كناظر محلل إلى ما يلزم للجماعات التي تدّعى سيرها في طريق جهاد دفع الصائل في رقعتنا الإسلامية العربية، والتي فعلت الكثير، لتخالف كل ما تبنته طالبان في مسيرتها الناجحة.

      دعونا ننظر لتلك العوامل التي جعلت قتال طالبان ودفعها للصائل ناجحا مثمراً.

      1. توحد الأيديولوجية والفكر المُعتمد على الكتاب والسنة، خاصة في فقه دفع الصائل، دون تأويلات تخرج بالمسيرة عن هدفها.
      2. اعتمادها على العلماء في صناعة قراراتها، بل اختيار قادتها من سادة علمائها ابتداءً.
      3. وحدة الصف وتماسكه، وعدم تعدد الجماعات والقيادات.
      4. عدم الاعتماد على تمويل و"دعم" خارجيّ يُخضع قرارها لكائن من كان.
      5. الصبر على لأواء الحرب عقوداً، دون كلل أو ملل، عاملين بالسنة الكونية "وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ " النساء 104. وهو ما ظهر جليا في المحادثات الأخيرة مع الغازي الأمريكي.
      6. احترام العهود والمواثيق، وروابط أخوة الدين، فقد آثر الملا عمر رحمه الله، أن يتنازل عن الحكم عن أن يُسلم واحداً فرداً للغازي الأمريكيّ. وهذا في حد ذاته وسام شرف أعلى على صدره، ومثالاً يُحتذى به في قتال كلّ صائل، على أرض أيّ دولة كانت في عالمنا المتسع.
      7. خلو القيادة من عامل حب السيطرة والولاية على الناس عند البعض، وشهوة المال والثروات عند آخرين، أو كليهما عند الكثير!

      عوامل نجاح مؤكدٍ، بإذن الله، مدعوم بوعد الله القدريّ، والشرعيّ، من حيث أن اعتماد الوعد القدريّ وحده، لا يكون إلا من مخذولٍ شرعاً وعقلاً.

      ثم دعونا نلقى نظرة على ما كان من الفصائل الإسلامية في الثورة الشامية، من دواعي الخيبة والخسران، عاملاً عاملاً.

      1. لم تعرف الساحة السورية توحداً في الأيديولوجية القائمة على الكتاب والسنة في يوم من الأيام، بل تمزقت وتشرذمت بين من سار على النهج شوطاً، كالنصرة في أيامها الخوالي، وبقيتها تبنت أيديولوجيات الاستسلام للخارج ابتداء، دون مراعاة لكتاب أو سنة، بل سيراً وراء مجاهيل زينوا لهم الحرام فتبنوه! ومنهم من رفض مبدأ الشرع أساساً كمعظم فصائل الجيش الحرَ.
      2. لم تعرف الساحة الشامية عالماً متمرساً، يوجه مسيرتها، إلا في قلائل من أصحاب العلم، منهم من قُتل في ريبةٍ، ومنهم من طّرد بعد حظوة. ولم يبق لدى أي فصيل كان منهم، إلا أشباراً رويبضات، بكل ما تحمل هذه الكلمات من معانٍ، دون تجنٍ على من وُصف بها، أو طلاب علمٍ لم ينالوا منه ما يؤهلهم للأمانة التي يحملها العالم الحق في تلك الظروف. هذا عدا من ركب الموجة من خارج الساحة، لنطقهم باللسان العربي، لا غير! كذلك رفضهم للإستماع لنصائح المخضرمين، من داخل الساحة ومن خارجها، كبراً وعلوا.
      3. تشرذم الصف الجاهديّ السوريّ، نتيجة ما سبق، إلى ما أسموه فصائل، وصل عددها إلى ما يزيد على المائة، في تلك الرقعة من الأرض! ثم تحول سلاحها إلى صدور بعضها البعض، لتعارض الأيديولوجيات، أو الرغبة في السيطرة على مراطز القوة والثروة ..
      4. وقد كان "الدعم" هو حمار طروادة، الذي استخدمه الصائلون لاختراق الصفوف. فمن الفصائل ما نشأ أصلا مدعوما كجيش الإسلام (أو الأفلام!)، ومنها ما قَبِل الدعم سريعاً كالأحرار والزنكي، أو مؤخراً كالهيئة من قطر وتركيا، تحت أي ذريعة كانت. ومن مدّ يده، أفسح الطريق لضربه على بطنه!
      5. العجز عن الاستمرار، والذي تمثل في تصرفات معينة من كلّ فصيل، حسب وضعه، بدءاً من النصرة/الجبهة/الهيئة! إلى الأحرار والزنكي المنحلً والجيش الوطنية/الجبهة الوطنية، ومنها من كان مرتزقا يحمى المصلحة النصيرية أساساً كجيش الإسلام (الأفلام)، ومنها من تشتت بين العمالة الصريحة لقوى خارجية وبين حرب تحت راية جاهلية عمية.
      6. الفضيحة المعروفة بملف المهاجرين، ومعاملتهم، وسحقهم مادياً، وإهانتهم، تقريب الموافقين لهوى القيادات منهم، وتشريد من يخالفهم. ثم نكث بعضهم لبيعات مؤكدة، والكذب بشأنها، ثم مهاجمة من آووهم تحت رايتهم يوماً، ثم التسليم لعهود ومواثيق دولية تمليها قوات الصائلين ذاتها، سواء سراً أو علناً، فليس هتاك سرٌ في ساحة الشام! بل هي كمجلس نساءٍ القرية، أبواق صامتة!
      7. وقد تبيّن، في تطورات الساحة السورية، أن حب السلطة والعلو والتفرد والتأله على الخلق من البعض، ، خاصة حين يجد جوقة المكبلين والمزمرين، ومشايخ يحدثونهم عو وعد القدر والدين، مجتمعاً مع حب المال، والتجارة والمساكن والأموال والمشروعات والعلاقات، تبيّن أن تلك العوامل النفسية والشهوات الحسية هي مصدر رئيس لما جرى لتلك الثورة المنكوة بقياداتها، لا عناصرها.

      ولو شئتُ لسمّيتُ أسماءً تدل بتصرفاها الواضحة الموثّقة على ما يؤيد ما ذكرت. لكن كلّ امرئ أعلم بنفسه.

      عورات فوق عورات، تكفى لهدم ثورة، بل ثورات. فهل من مُعتبر؟!

      د طارق عبد الحليم

      27 يناير 2019 – 21 جماد أول 1440

       

      [1]  "ماذا علمتنا الجماعات الإسلامية"، سلسلة المائة بحث، (36) على المكتبة ( https://t.me/THaleem100research كتاب رقم 55 من المجموعة.