فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      السبب وراء الموقف الجماهيري السلبي العجيب

      نتحدث كثيراً، كما يتحدث الكثير ممن يتناول الشأن الاجتماعيّ العربي، ما يحدث في واقعنا، خاصة عن الظاهرة العجيبة من السلبية المفرطة، التي لا يعنيها شيء مما يدور حولها، إلا همسات ووسوسات، هن وهناك. فالحديث مُركّز حول أخبار وتفاصيل يومية رتيبة، وإن كانت عجيبة! شؤون اجتماعية خاصة، أسعار السلع، شحّ المواد، صعوبة الحصول على مستلزمات الحياة .. وهلم جرا.

      لكن الأمر الأسبق لهذه الأحاديث، لا أظنه تطرق إلى إذهان الكثير، وهو: لماذا؟ لماذا هذه السلبية المميتة المخيفة؟

      قتل الناس في رابعة، فلم يخرج أحد، وخنس أصحاب اللحى والعمائم أدعياء علم الحديث والفق، صامتين جزعين هاربين!

      اعتقل مئات الالاف، فلم ينطق أحد. تركوا ليموتوا من الإهمال، لا يعبأ أحد!

      اغتُصبت البنات والنساء، فلم يتحرك ساكنا لشرف أو كرامة!

      قتل رئيسهم المنتخب مرسي رحمه الله، فلم تخرج تظاهرة واحدة!

      أعدم الالاف من الأبرياء، فرادى وجماعات، فلم يُسمع لأحدٍ ركزا!

      بيعت مضايق تيران، بيع النيل بمعاهدة فاشلة، بيع الغاز والأرض، بيعت حقوق استخدام المياه الإقليمية، أقيمت القصور الفارهة، تضاعفت دخول الجيش الشرطة والقضاء، وانهارت دخول الشرفاء من الأطباء والمهندسين وكافة العاملين، فلم ينبس أحدً ببنت شفة!

      صار الولاء للكفار ومحبة الصهاينة ومصادقة الصليبيين هي الأصل، وعداء المسلمين ومطاردتهم وقتلهم هو السمة الأولى للعصر!

      استبيح الدين والله ورسوله ﷺ على كلّ قناة، وعلى لسان كل زنديق ملحد تعمم ليتزندق!

      ما هذا؟ كيف هذا؟ والأهم لماذا هذا؟

      السبب واضح. فإن هذا الشعب لا يعرف لنفسه ديناً، وإن تسمى تاريخيا بالإسلام.

      لا، لم يعرف هذا الشعب، من الأحياء اليوم، بين أعمار العشرين والستين، جيلين كاملين، لنفسه دينا ينتمي إليه حقاً.

      نعم. الشعب لا يعرف لذاته دينا. فهؤلاء الذين كانت أهاليهم على الإسلام منذ قرن من الإسلام، لا أكثر، لم يعرفوا عن الإسلام شيئا قط. لم يعيشوه، لا فكرا ولا تطبيقا وممارسة، بل عداء وتشويها وتقبيحا.

      صارت الشعائر التي يمارسونها، عند من يمارسونها، عادة اجتماعية، ومناسبة احتفالية لا غير. العيدين والجمعة في بعض الأحيان، وشعائر الزواج، ولا أكثر! يفعلونها من باب العادة الاجتماعية لا الالتزام الديني، بأي حال من الأحوال. والدليل؟ الرقص والخنا الذي يصاحب يوم العرس. أزياء تتبارى في ارتدائها النساء، كأنهن، بل هن، من وسط الشعوب الصليبية. عقود ومبايعات وتصرفات تعتمد النظم الربوية الصرفة. هذا عدا الغش والخداع والسرقة والرشوة والمحسوبيات التي صارت عمود المجتمع في اختيار قادته ومقدَميه.

      الشعب لا دين له يسير عليه ويتبع قواعده ويأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه. لا يفترق ما يدين به عن المسيحي، جاره وصديقه ووليه وحبيبه وشريطه في الوطن، بأي فرق له أي أثرٍ في حياة بأي شكلٍ من الأشكال. بل الفرق الوحيد هو عنوان المكان الذي يذهب إليه أيهما لتعبد لخالقه، "الرب الواحد"، كما يحسب زراري المسلمين أولئك.

      لماذا يغضب إذاً، إذا هدم ملحدهم المفضّل المساجد، واعتقل وقتل المسلمين الإرهابيين، كما يسميهم غالب القطيع، إلا من رحم ربي.

      ومن ثم، ماتت المروءة، وزالت الكرامة والنخوة، والعزة والشهامة. لم يعد لتلك الكلمات، ولو اجتماعيا، معنى في أذهان أحدٍ من الناس. فإن ذكرت ذلك، نظر إليك السامع بأعين بلهاء وذهن مُفرّغ من أي مبدأ، ونفس خاوية من أي فضيلة، كأنك تخاطبه من كوكبٍ آخر بلغة أهل المريخ!

      لهذا ترى تلك السلبية المخيفة الطاغية، التي لم نرها في شعب من الشعوب، اللهم إلا ساكني جزيرة العرب والخليج، فهؤلاء أعرابٌ حسم الله أمرهم بقوله "أشد كفرا ونفاقاً"!

      أما ما سعّر تلك النزعة، التي اعتبرها نزعة انتحارية جماعية، فهو أمر آخر، يبدأ بغضب الله على قوم نسوا دينهم وأهانوه، فنسيهم الله، ثم المدلسون المنافقون الأدعياء، ممن تلبس بثياب علم، وقاد جماعات وهيئات، فكان بين كفرين، إما الرضوخ للأشكال الكفرية ومحو أجزاء من الدين، مُحيَت بمحوها العزة والكرامة والتمسك بالثوابت وأصل الطاعة، كما فعلت جماعة الإخوان والجماعة غير الإسلامية، أو تابعوا ونصروا وأعانوا كما فعلت بقية الطوائف منهم، كالبرهامية سائر اللحى الزائفة والعمم المُتقَمِّمة!

      تسألني وما الحلّ؟ أقول "لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ".  

      وحسبنا الله ونعم الوكيل

      د طارق عبد الحليم

      10 دو القعدة 1442 – 20 يونيو 2021