فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حقيقة ما يحدث في الأيديولوجية الغربية حالياً

      الجزء الثاني

      الحمد لله والصلاة والسلام على الحبيب المصطفي وآله وصحبه

      (3)

      The Divided States of America، هكذا يسميها الإعلام الأمريكي اليوم "الولايات المتناحرة الأمريكية"، وهو تعبير ليس بعيداً عن الحق والواقع كثيراً.

      وكما ذكرنا في قال سابق، أنه من المهم أن نحدد خطوط الانقسام في الأمم حتى نفهم طبيعة الصراعات القائمة[1]، فإنه يجب أن ندرك ما وراء الظاهر الذي تروج له وسائل الإعلام الأمريكية، أن الصراع الدائر هو صراع سياسي بين الجمهوريين والديموقراطيين. لا، سيدي القارئ، هو أبعد ما يكون عن ذلك. بل هو صراع عقديّ دينيّ بين البروتستانتية التقليدية الأفانجليكالية البروتستانتية المتشددة، التي وجدت نفسها في مجموعات على رأسها "كيونان" QNAN، وهي مجموعة تتبنى استخدام القوة في تغيير الأمر الواقع، حيث يعتقدون أنّ الديموقراطيين قتلة للأطفال، ويجب تحرير الأطفال من أثرهم المدمر، خاصة ما ينشره الليبراليون الديموقراطيون من تسامح مع الشواذ، وهو ما يؤثر على الأطفال بلا شك. ويتهم هؤلاء هيلاري كلينتون بالذات، التي من المعروف الميول الشاذة لابنتها شيلسي كلينتون! فهم يرونها كشيطان رجيم، خاصة وأنها كانت المرشحة ضد ترمب الذي يعتبرونه "المسايا" أو نبي QNAN المعاصر!

      ولا تحسبن أن السياسيين الديموقراطيين يشجعون السود الأمريكيين أو اليهود أو المسلمين أو المهاجرين بشكلٍ عام من وجهة نظر إنسانية، فإن هذه سذاجة لا حد لها، وإن كان من المواطنين المنتمين للديموقراطية من حسنت نواياهم الفردية ولا شك. لكن الطبقة المسيطرة التي تدفع في هذا الاتجاه، تقصد ترجيح الكفة الديموغرافية السكانية في أمريكا لصالح من ينتخبونهم. ويقول قائل، لكن هذا التغيير الديموغرافي قد يهدد تحول السلطة للمهاجرين من يد الرجل الأبيض؟! وهذا اعتبارٌ واهم ساذج، فإن السلطة دائماً في يد أصحاب القوة والمال والنفوذ، والمهاجرون ليس لهم إلا أصوات تُضاف لقوائم الناخبين، وانظر إلى المؤسسات العملاقة التي تملك الثروة الحقيقية في أمريكا، تجدها بيد الرجل الأبيض، المتواطئ مع الصليبيين الأغنياء.

      ومما يلفت النظر، وإن كان متوقعا، هو التناقض الذي نراه بين القيادة البروتستانتية الأفانجليكالية وبين المنتمين إليها بشأن اليهود خاصة. فإنك تجد الحركة، ومبادئها في عداء شديد مع اليهود، بل يدعون إلى إبادتهم ووضعهم في معسكرات كما فعل هتلر! بينما تجد قياداتهم تهيم بحب اليهود وتتعاون معهم أوثق التعامل. بل إنه من عجائب الأمور أن ترمب، الزعيم الروحي الحالي لتلك الحركة، والذي يعتبرونه نبيها في أمريكا، من أقرب الناس إلى الصهاينة، بل هو من أعطى القدس للكيان الصهيونيّ! وهذا أمر في غاية الغرابة لا ندري كيف يبرره أفراد تلك الحركة من أمثال QANAN؟ بينما تجد البروتستانتية الليبرالية التقليدية متناسقة مع نفسها في التعامل مع الصهاينة، بل إن رأسها اليوم في أمريكا، بايدن، قال عن نفسه في لقاء تليفزيوني إنه بروتستانتي لكنه صهيوني كذلك! وهذا لا يتعارض مع مبادئ ذلك القسم من الشعب الأمريكي، إذ يعتقد أفراده التسامح مع الأديان والأعراق الأخرى، ويعلن قادته ذلك ظاهراً، كما قدمنا.

      أمرٌ آخر، وهو أن البروتستانت التقليديين، وهم المنتمين تحت مظلة الديموقراطيين سياسياً، ينقسمون كذلك فيما بينهم إلى "ألتر-ليبراليين" وإلى ليبراليين تقليديين. والفارق أيديولوجي سياسيّ لا طائفيّ، إذ يرى الألترا- ليبراليين أنّه يجب على الحزب الديموقراطي أن يعمل على التغلب على الجمهوريين وإنفاذ خططهم دون إلقاء كثير بالٍ إلى التوافق مع "الجمهوريين" السياسيين، وهؤلاء يمثلهم متحدثة الكونجرس نانسي بلوسي وزعيم الأغلبية شارلز شومر. لكن هذا الاختلاف لا ينعكس على الناخب الأمريكيّ كثيراً غذ هو داخل أروقة الكونجرس، لا كما في حالة انقسام الجمهوريين الطائفية الأيديولوجية.

      هذا عن ظهور اليمين في أمريكا، وهو الأهم والأعمق اثراً. أما أوروبا فأمرها يختلف عن ذلك تماما، لعوامل كثيرة، نتناولها في موضعٍ آخر إن شاء الله، لأهميتها الخاصة بالنسبة للشرق-أوسطيين المسلمين. لكن نذكر منها القرب الجغرافيّ لأوروبا من رقعتنا الإسلامية، عدد المقيمين في أوروبا من المسلمين، التعدد في الشكل السياسيّ داخل أوروبا، والاختلاف في الطائفية الدينية في أوروبا، حيث الكاثوليكية هي الأكثرية الشائعة.

      والله ولي التوفيق

      د طارق عبد الحليم

      2 فبراير 2021 – 17 جماد ثان 1442

      [1] " خطوط الانقسام في مجتمعاتنا المعاصر" https://www.facebook.com/tabdelhaleem/posts/10157367587025938