فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حقيقة ما يحدث في الأيديولوجية الغربية حالياً

      الحمد لله والصلاة والسلام على الحبيب المصطفي وآله وصحبه

      (1)

      لا يحسب أحدٌ أن اهتمامنا بالحديث عما يقع في الولايات المتحدة اليوم، والغرب بصفة عامة، هو من قبيل الاهتمام بشؤونهم خاصة، أو التحسب أو التحذير من عواقبه لصالح أوطانهم، فلسنا منهم في شيء وليسوا منا في شيء. لكن الأمر هو أن الواقع يفرض نفسه في عالمنا المعاصر، حيث إن الولايات المتحدة أصبحت، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، القوة الأولى في العالم، ثم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، القوة الوحيدة الأعظم في العالم. هذا واقع لا يُنكر، أعانهم عليه فرضهم الدولار كنقدٍ احتياطي للعالم كلّه، ثم القوة العسكرية الشرسة، التي أظهروا عدم التردد في استخدامها لأبعد مدى في اليابان. ومن ثم، تمدد نفوذهم في أنحاء العالم، وتواجدهم العسكري في غالب مناطقه على شكل قواعد عسكرية. هذه الحقائق جعلت الأحداث في تلك الأمة لها وقعٌ مباشر على كافة دول العالم، بشكلٍ شبه مباشر، إن لم يكن مباشراً في كثيرٍ من الأحيان.

      والمسلمون خاصة، كأعداء تقليديين لحضارة النصرانية المزيفة، الإغريقية الأصل، منذ حروبهم أيام الفتح الإسلاميّ، ثم حروبهم الصليبية التي وصلت إلى تسعة حروب، انتهت عهد لويس التاسع في عام 648هـ، لا يزالوا هم الأعداء البرابرة[1] في نظر تلك الحضارة التي قامت على أكتاف التنوير والتقدم العلمي والأدبي الإسلاميّ، بشهادة كافة المنصفين من مؤرخيهم. وهذا العداء، لن ينتهي، إذ هو قدرٌ محتوم "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ" البقرة 120.

      فدراستنا، واهتمامنا وتحليلنا لما يقع في تلك الأمم، هو من قبيل التحسب لخطرهم، واستشراف نقاط الضعف في أيديولوجياتهم، والمنافذ المتاحة للتغلب على نفوذهم في رقعتنا الإسلامية، والذي يبدأ بهدم النظم الديكتاتورية التي يساندونها لقمع شعوبنا، وتدمير عقائدنا وإفساد أخلاقنا.

      (2)

      بغض النظر عن نظرية المؤامرة التي يتبناها بعض الساقطين فكرياً ومنطقيا، المُبتلين عقلياً، المرضى نفسياً، والتي تبرر ما نراه اليوم بشأن فيروس كورونا والمصل، بل وكل حركة بشرية أو طبيعية في العالم، وما لا إلا يعلم الله كم من الظواهر عزوها إلى ذلك الخبال، فإنه لا يمكن تجاهل أنّ هناك أمرٌ يجري، بقدر الله سبحانه، خاصة في الواقع الغربيّ. أمرٌ هو في حقيقته صراع بين قوى مختلفة يحتاج إلى نظرٍ لأسبابه ودوافعه، ومن ثم احتمالات نتائجه وآثاره، التي ستنعكس على رقعتنا الإسلامية بلا محالة.

      الصراع القائم، الظاهر اليوم، هو بين اتجاهين، ينتمي كليهما لنفس الحضارة، ونفس الأيديولوجية، التي هي امتداد لحضارة الرومان المسيحية، ثم الشكل العلماني منها والذي نشأ بعد طغيان الشبكة الكنسية وآبائها، ومن ثم عصر "التنوير" وظهور الكثير من الآراء والاتجاهات التي صفت آخر الأمر إلى الأيديولوجية الغربية الواحدة في عمومها، والمنقسمة داخليا إلى طريقين متشعبين من نفس المبادئ. وتلك المبادئ يمكن تلخيصها في ثلاثة خطوط: 1) السيطرة العالمية، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، والاحتلال بشكل من الأشكال، 2) إعلاء المسيحية بأي من أشكالها، 3) الحرية الفردية وإعلاء شأنها فوق مصلحة المجتمع.

      والسيطرة العالمية أمرٌ لابد منه في ميزان البشرية، التي ما فتئت أن تستبدل قوى بقوى، كلها باغية طاغية، تريد المال واستعباد الآخر، لحساب ولاتها بشكلٍ خاص، وطبقة مميزة من أفرادها بشكلٍ عام. ثم المسيحية، والتي استقرت على المذهب البروتستانتي في أمريكا، والذي بدأ في التحول إلى بروتستانتية أفانجليكالية Evangelicalism، وردت إليهم من إنجلترا في القرن الثامن عشر، ومرت بثورتين، ثم أصبحت تيارين، بروتستانتي تقليدي، وبروتستانتي أفانجليكاليّ متشدد. وقد كان التيار "المحافظ التقليدي" البروتستانتي متوافقا لفترة طويلة حتى بدايات القرن العشرين مع الليبرالية المعتدلة.

      لكن ظهور وعلو يد البروتستانت الأفانجليكاليين المتشدد، والذي يدعو إلى العودة للأصولية المسيحية من حيث رفض الإجهاض (حق الحياة) وحق حيازة السلاح (!) وعدم قبول الشذوذ الجنسي، وكراهة الأقليات والتعصب للجنس الأبيض، علا شأنه في بداية الخمسينات من القرن العشرين، وصارت نسبة المنتمين إليه اليوم تربو على 25% من المسيحيين الأمريكان 50.1% من تعداد البروتوستانت[2].

      وهذه الصورة تعكس بالضبط ما رأيناه في نتائج الانتخابات الأخيرة في أمريكا، والتي طفح سوادها باقتحام مبني الكابيتول، كثورة على النظام الحاكم، وعلى البروتستانتية التقليدية، من قِبَلِ المتشددين الأصوليين الأفانجليكاليين.

      يتبع إن شاء الله

      د طارق عبد الحليم

      1 فبراير 2021 – 17 جماد ثان 1442

       

      [1] واستمع إلى العنصرية الجاهلة الخسيسة في كلمات تلك السيناتورة (!) مارجوري تايلور جرين منذ أسابيع قليلة، وهي تتحدث عن انحطاط العرب واستخدامهم الجمال في التنقل واتخاذهم عدة زوجات، بلغة تحقير واستهزاء!

      [2] https://www.pewforum.org/religious-landscape-study/