فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الغاية والوسيلة .. في التصور الإسلاميّ

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

      يعلم الكثير من الناس عن المبدأ السياسي، الذي دونه ميكيافيللي الإيطاليّ في القرن الخامس عشر في كتابه الأشهر "الأمير"، وهو المذهب القائل بأنّ "الغاية تبرر الوسيلة"، والذي أصبح هو عمود السياسة الغربية منذ حينه إلى يومنا هذا. وهو مذهب، أصح الأقوال فيه، أنه واقعيّ نفعيّ، يتعدى المبادئ الراسخة، ليصل إلى نتائج يراها صاحب المبدأ ومن يطبّقه، أنفع وأفيد.

      ولكن هذا المذهب، تحت المجهر الإسلاميّ، وحسب قواعد الشريعة ومقاصدها، لا يصح بإطلاقٍ، إلا في حالة واحدة وهي أن تتطابق الغاية مع الوسيلة، في مصدرهما، وهو الشرع وأحكامه وقواعده وكلياته.

      فإن خرجت الغاية، أو المقصد بالتعبير الأصولي، عن الشرع، لم يصح الفعل وإن صحت الوسيلة، كما في أفعال المنافقين مثلاً. وانظر إلى قوله تعالى "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" المنافقون 1. فهناك صحح الله سبحانه القول الظاهر، الذي هو وسيلة المنافقين لبيان الإيمان، ثم أوضح مخالفة الغاية أو المقصد، إذ هم ليسوا بمؤمنين على الحقيقة.

      وإن خرجت الوسيلة عن الطريق الشرعي وأحكام الشريعة، لم يصح الفعل، حتى وإن أدى إلى الغرض المطلوب. وانظر إلى كافة أحكام الحيل غير المشروعة، مثل حكم "المُحلل"، فالوسيلة صحيحة ظاهراً من حيث كتابة عقد زواجٍ شرعيّ، ولكن العمل لا يصح من حيث أن قصد الشارع هو أن تقوم علاقة زوجية صحيحة جديدة بين المرأة ورجل غير طليقها، لتكون فرصة لها في إقامة حياة زوجية متينة. وهو ما لم يتحقق بالوسيلة غير المشروعة.

      فالغاية والوسيلة إذا، في التصور الإسلامي، يجب أن يطابقا الشرع، وأن يخرجا من مشكاته.

      فإذا نظرنا إلى ما يجري اليوم، على الساحة السياسية، من تصرفات تلك الجماعات الإسلامية، التي نبت عن الشرع الحنيف، وشذّت عن الهدي النبوي، نجد أنّ نبوّها وشذوذها مصدره اتبّاعها للمبدأ الميكيافيللي، وإن لم يدركوا ذلك، أو أدركوا وأعرضوا عن تصور مآلاته!

      وتلك الجماعات السياسية على الحقيقة، الإسلامية اسما ومظهراً، تتخذ من المصلحة، التي هي في التعبير الفلسفي "المنفعة" مقصداً، ويتكؤون على الدليل الشرعيّ الأصولي "المصلحة المرسلة" لتبرير اعتناقهم لذلك المذهب، على الحقيقة، بغض النظر عن مطابقة الوسيلة للشره أو مخالفتها له، حيث راقت في أعينهم "إمكانية" تحقق مقصدهم "المشروع"، فغضوا البصر عن الوسيلة التي  يتخذونها، والطريق الذي يسلكونه، والمناهج التي يتبعونها، ظنّا منهم أن مقصدهم وغايتهم "المشروعة" ستتحقق بذلك!

      يتخذ هؤلاء الديموقراطية وسيلة، يدعمون مبدأها، ويدعون لها، تحت ستار الشورى! كذلك يبررون ويمررون التفاوضات المريضة المغرضة والمؤتمرات العميلة، التي لا تهدف ابتداءً إلا لصالح العدو الصائل، تحت شعار المصلحة، ومراعاة الواقع، الذي هو عين المذهب الميكيافيللي.

      وهذه الوسائل لا اعتبار لها في الشريعة الإسلامية، من حيث إنها إما أصلها ممنوع كما في الديموقراطية التي هي، كما يعلمها أربابها، حكم الشعب للشعب، أو ممنوعة باعتبار مآلاتها كالتفاوضات والمؤتمرات التي يُملي فيها العدو رغباته وأهدافه، دون معارضة من المشاركين "المسلمين" لعدم القدرة على المعارضة بسبب الضعف وعدم إعداد العدة، بل إنكار الوسيلة المشروعة التي هي "وأعدوا"، واعتبارها ليست من شرعنا، وإسباغ ألفاظ مغرضة مسممة عليها "كالإرهــ.اب". والنتيجة في كل الأحوال هي زيادة السيطرة العلمانية وتمكن العدو الصائل عسكريا وسياسيا، ومن ثم تحطيم القوة الاقتصادية وتفكيك المجتمع. وانظر حال مصر وتونس والشام في العقد الأخير، وللعجب هو عقد الربيع العربي!!! فكيف يكون إذن خريفه!؟

      ويزعم أفضلهم طريقة إن هذا تكتيك مؤقت لحين التمكن! ولكن الواقع الذي يتحدثون عنه، لو أنصفوا يكذّب دعواهم أيما تكذيب. فإن هذه الوسائل لم تنجح قط في أي مكان طُبقت فيه. بل كانت باباً لمزيد من الانهيار كما ذكرنا. فأين البعد الواقعي الذي هو أساس مذهب المنفعة الميكيافيللي؟! لماذا لم تنجح هذه الوسيلة في مصر بعد ثلاثة أرباع قرن من محاولات الإخوان الخاسرين؟ لماذا نرى التوجه السياسي التونسي الديموقراطيّ يدعو ويسعى ويحفد، تصريحا لا تلميحا، بنشر العلمانية في بلادهم، على يد العلماني الغنوشي وحزب النهضة المزعومة؟! لماذا تقوض الجها.د السوري بعد أن تبنّت هيئة التخريب هناك موالاة الأتراك وتبني الديموقراطية وموالاة العلمانية صراحة، بل ومحاربة من يدعو لتبني الوسائل المشروعة؟!

      لن يفلح قومٌ اتخذوا وسائل محرّمة، بدعوى الوصول لأهداف إسلامية. قال تعالى "إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ" يونس 81. فهؤلاء مفسدون لا مصلحون. والغاية لا تبرر الوسيلة إن لم يكن كلاهما مشروعا بذاته، أصلا أو مآلاً. والحرام لا يوصل إلى تحقيق واجب، بل هو مرفوض حتى لو لو أدى غرضه، فسادا أو بطلاناً.

      د طارق عبد الحليم

      2 أغسطس 2020 – 3 ذو الحجة 1441