فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      درس الحج ... لعامنا هذا!

       

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،

       حين نرى حجم الحجيج في هذا العام، الذي اضطرب بنا وبالناس كأكثر ما يضطرب الزمن بأهله، ونرى المسجد خالٍ إلا من بعض عماله، وعدة صفوف، تُعدّ على الأصابع، تطوف حول الكعبة، والمسعى مهجور من أهله، يكاد القلب ينفطر حزناً وأسى على حال المسلمين.

      هذه الأيام الفاضلة، التي كانت جوانب مكة تضجّ بزوارها فيها، من كلّ حدب وصوب، يعدّون بالملايين، مهللين مكبّرين، حامدين مسبّحين، يدعون ربهم أن ينجيهم من عذابه وناره، ويرزقهم من ثوابه وجنته، ويسألونه عن احتياجاتهم مهما صغرت، فإنه مجيب الدعاء، خاصة في ذلك المكان والزمان الذين اختارهما الله وفَضّلهما على بقية الزمان والمكان "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ"، "أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ"، سبحانه، هذه الأيام الفضلى، أصبحت علامة على ما نحن فيه من تخلّف وضعف وهوان وذلّة، مهما حاولنا إخفاءها أو الإعراض عن معناها، أو التقليل من دلالاتها. 

      هذا الحجيج، دلالة على تقلّص أمر المسلمين، وضياع هيبتهم، والاستهانة بدينهم وشعائرهم وشرائعهم. من كان يدور في خياله يوماً أن تخلو مكة من زوارها في موسح الحج الأكبر، الذي قضى تعالى فيه، في إراداه الكونية "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ" الحج 27. فإذا بآذان الحج لا يأتي إلا بمئات من الناس! 

      هذا الأمر، وإن كان سببه المباشر، الظاهر للعيان، هو ذاك الوباء المنتشر، إلا أنه في حالة المسلمين، يذهب لأبعد وأعمق من هذا سبباً. فإن ما كان يحدث قبله، في الأعوام القليلة السابقة، منذ تصاعد الهجوم الكاسح على الإسلام ونبيه وكتابه وأهله، في كافة أنحاء رقعتنا الإسلامية، يشير إلى نتيجة واحدة، تزامنت في الوقت مع هذا الوباء، صنعة الله سبحانه، لتضرب أجلّ شعيرة جماعية، تضع المسلمين معا في محلّ واحد، مجتمعين غير متفرقين، لا تتنازعهم الأفكار ولا الآراء، بل يؤدون شعائراً واحدة لا خلاف عليها، دلالة على وحدة أهل هذا الدين وولائهم المطلق له.

      وضرب هذه الشعيرة، رغم إنه من قدر الله الكونيّ، إلا أنه لم يحدث إلا لتفريطنا، نحن أبناء هذا الدين، في القيام بإرادة الله الشرعية فينا، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وج.هاد الحكام الكفرة الفجرة العرب ورفض الاحتلال الداخلي والخارجي سواء، بالقوة لا "بسلمية" الكلاب الذليلة. 

      أصابنا الله بذنوبنا، بظلمنا أنفسنا ... هكذا قال سبحانه "وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" النحل 118. وقال تعالى "فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ" المائدة 49. 

      فنحن من فعلنا هذا، اقترفته أيدينا بظلمٍ من تصرفاتنا، فحرمنا الله سبحانه من أن نجتمع، ملايينا عدة، نزور بيته الحرام، إذ لسنا أهلاً لزيارته ... 

      نعم ... لسنا أهلاً لزيارته في بيته ... فصرنا كالمطاريد، المحرومين من الخائفين المشتتين المتفرقين! 

      ولكن ... أملنا في الله لا في الناس ... أن يردّ الأمور إلى نصابها، فإنه ولي ذلك والقادر عليه

      ولا حول ولا قوة إلا بالله

      د طارق عبد الحليم
      29 يوليو 2020 – 8 ذو الحجة 1441
      https://www.facebook.com/tabdelhaleem/posts/10156974365870938