فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      التوحش الأمريكي .. وتحدي السنن

      التوحش الأمريكي .. وتحدي السنن

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      لا شك أنّ التوحش الأمريكي، في ممارساته التي شهدها العالم كله، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي تصاعدت وتيرة توحشها، وعنصريتها، وإجرامها إلى درجة غير مسبوقة في تاريخ البشرية، من حيث أزالت كلّ قوة منافسة، أو يمكن أن تصبح منافسة، لها في السيطرة التامة على العالم، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وفرض "طرق عيشها وتمدنها" اجتماعياً، لا شك أنه هذا التوحش بلغ ذروته في العهد الحاضر، وبالذات في العقود الثلاثة الماضية، بعد أن انحلّ الاتحاد السوفييتي، ووقعت حرب الخليج الأولى.

      والحق، أن العالم كله، سواء أوروبا المسيحية، أو الصين البوذية أو غيرهما من القوى الكبرى، لم ينج من هذا التوحش، بشكلٍ أو بآخر، وإن تعاملوا معه بمنطق تقاطع المصالح، لا غير.

      وهذا التوحش، أمرٌ مخالف للسنن الكونية، التي بنيت عليها الحياة البشرية، في جميع وجوهها. فالتوازن لابد منه، وهو وجود قوى متعادلة متكافئة، قد تعلو أحدها فترة قصيرة، فتعيد السنن التوازن، فإن علت أحدها طويلاً، كان مصيرها الدمار والسقوط. بل إننا نلحظ هذا في أصغر خلايا التجمع البشريّ، وهو التجمع الأسريّ. فإن التوازن في التعامل بين الرجل والمرأة يعين الأسرة على الاستمرار، بينما إن انفرد أحدهما بالسيطرة، وتوحش في المعاملة، انهارت الأسرة بأسرع وقت.

      ولعل الأذكى من بين القوى العالمية المنحنية اليوم أمام التوحش الأمريكي، هي الصين. فرغم تفوقها الهائل في السيادة الإقتصادية، عالمياً، فإنها تمارس سياسة ضبط النفس، ولا تخرج بقواتها خارج حدودها، رغم توحشها الداخليّ البشع، كما نلااه في تعاملها مع مسلمي الإيغور. وذلك، كما أحسب، لقراءتها التاريخ بعين مبصرة، وتعويلها على قوى التوازن أن تهدم التوحش الأمريكيّ، وتلقي بأمريكا خلف جدار البشرية، دون أن تقع مواجهة لا يعلم أحدٌ عواقبها.

      ولكن، أين المسلمون في هذه المعادلة، وهذا التوازن؟ الإجابة وضحة صريحة مؤلمة، ليسوا على خريطة هذا الصراع بالمرة. هكذا شاء قدر الله سبحانه، بما كسبت أيديهم، في هذه العصور المتأخرة، بعد سيادة قرون طويلة، انفردوا فيها بالقوة الساحقة لعهود متطاولة، حتى بداية الحروب لصليبية.

      وكما ذكرت من قبل في مقال "المشكلة الإسلامية"، فإن دراسة حركة التاريخ، في ضوء المعطيات الحالية، هو من أهم واجبات هذا الجيل المحطم أمام التوحش الأمريكي، لتحديد هيكل التوازن المنتظر، والاستفادة من الثغرات التي يتركها سقوط قوة متفردة لمحاولة النفاذ منها إلى مطلع شروق جديد.

      د طارق عبد الحليم

      2 ديسمبر 2019 – 5 ربيع ثان 1441