فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أأخير أغلبُ أم الشرّ؟

      من أسرار البلاغة القرآنية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      ليس هناك أدنى ريب في أن الإعجاز في القرآن، قد أتى من قِبَلِ بلاغته التي لم ولن يُلحق بها، تحقيقاً وتحققاً كما في قوله تعالى "وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ أألخيرُ أغلبُ .. أم الشرّ؟

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      حين ينظر المسلم حوله، في أنحاء الأرض المعمورة، في زماننا هذا، فيرى المسلمين، مقهورين، مستضعفين، مغلوبين على أمرهم، محتلة أراضيهم، منهوبة ثرواتهم، معتقلة علمائهم وأهل الخير فيهم، متحاربين متباغضين بين بعضهم البعض، يقفز هذا السؤال إلى ذهنه، فلا يجد عنه مِحوَلا .. أأخيرُ أغلبُ أم الشرً أغلب؟ آانتصر الشيطان على ما أنزل الله من خير "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْر" الأعراف 26؟. والواقع المرير، يدفعه إلى أن يرى الشرّ وقد انتصر وتغلّب، والخير قد زوى وتقهقر.

      لكن الأمر لا يُنْظَر إليه بتلك النظرة المحدودة زمنياً، المحصورة في جيل أو جيلين أو عشرة، وفي بقعة أو بقع من الأرض منفصلة. الأمر، بالنسبة لقدر الله الغالب هو أمرُ كلّ الزمان، وأمرٌ كلّ المكان. لننظر قليلاً، أبعد مما هو ماثلٌ أمام العين اليوم. ولنظر بعين الزمان لا المكان.

      كم من رجلٍ، فردٍ بذاته، أتى بشرٍّ عميمٍ بلأبلى أبلأااااااأبلى به ملايين البشر. هتلر، تسبب، وحده، في إزهاق أرواح ما يقرب من ستين مليونا من البشر، ثم من قبله رجال الكنسية، قواد الحملات الصيليبية، ثم من قبلهم نيرون قيصر روما، ومن قبلهم فرعون مصر!

      لكن انظر إلى رجالٍ بمفردهم، كم فعل واحدهم من خير لبني آدم! وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أنجى بلايين من البشر من التهلكة، ونشر الخير في البشرية قروناً متوالية. ثم انظر كم من نبي وحبرٍ أنقذوا أرواحاً ووجهوها للخير على مرّ الزمن.

      ألا ترى أنّ الخير غالبٌ متفوق، والباطل زاهق متقوقع، على مرّ الزمن؟

      ثم انظر في حضارات بني آدم، ماذا قدّمت حضارة الغرب للبشر في القرنين الماضيين؟ تكنولوجيا أدت لتطور أسلحة فتاكة، رأينا أثرها في هيروشيما ونجازاكي! تكنولوجيا قدّمت وسائل الفساد والخراب في كلّ بيت، وأتاحتها لكلّ شابٍ، فدمّرت الفطرة وخرّبت الخُلُق وأماتت الضمير. تكنولوجيا، جعلت الخلق يتسارعون في حياتهم وكأنهم يتَخًبَطُهم الشيطانُ من المسّ، ولا يجنون إلا حصاد يومهم، يوما بيوم!

      لكن انظر إلى ما قدّمت حضارة الإسلام، التي حكمت الأرض خلال قرون عديدة من الهند إلى الأندلس. قدّمت علوم الطبّ والهندسة والجبر والبصريات والبوصلات وحركات النجوم والكيمياء، التي حولتها وأقامت عليها حضارة الضلالة الغربية شرّها، منذ قرنين، لا يزيد.

      إذن، على مرّ الزمن، ما الذي تغلّب وظهر وتكاثر، وما الذي تقهقر وقلّ وزهق. هكذا يجب أن يكون فهمنا للتاريخ، كلّ التاريخ، على مرّ المكان والزمان، كلّ المكان والزمان.

      وصدق الله سبحانه:

      "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" الإسراء 81.

      "قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ" سبأ 49.

      وأعلم أن عاقبةَ الشرَّ، أشرُّ وأنكى

      "وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُون (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ " الأنبياء 11.

      والله الذي لا إله إلا هو، من لم تكن له هذه الآية عبرة، فقد أحاطت به خطيئَتُه.

      د طارق عبد الحليم

      22 يولية 2019 – 19 ذو العقدة 1440

      اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" البقرة 23.

      من ذلك، على سبيل المثال، قول الله تعالى لعيسى عليه السلام "وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ" المائدة 116.

      والشاهد هنا هو قوله سبحانه على لسان عيسى عليه السلام " إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ"

      فإن من المعلوم أن :إنْ" الشرطية تتعلق بماضٍ ويتعلق بها مستقبلا معدوماً (أي يكون جزاء شرطها واقع في المستقبل الذي لم يقع بعد، فهو معدوم من هذه الجهة). ومثل ذلك قولك: إن جاء زيدٌ أكرمته. فالمجي بصيغة الماضي، والجزاء يقع في المستقبل وهو الإكرام، الذي لم يقع بعد، فهو معدوم.

      لكنك إن تأملت الآية، وجدت أنها تعلقت بماضيين، "كُنتُ قُلْتُهُ" و "عَلِمْتَهُ"! وأجاب أرباب البلاغة، بجوابين، أذكر أحدهما لشهرته، وهو قول ابن السراج، وما عليه جمهورهم.

      ذلك أنّ جمهور المفسرين على أنّ هذاواقعٌ يوم القيامة، أي في المستقبل، فيكون مقصود عيسى عليه السلام ، إن يثبت في المستقبل (وهو بعد السؤال والجواب أمام الله) إني "قُلْتُهُ" في الماضي ، أي قبل رفعه)، " فَقَدْ عَلِمْتَهُ" (أي ثبت علمك به)، وهما كلاهما في الماضي، فيكون المستقبل فيهما معدوماً لا يقع، على حسب القاعدة المذكورة[1]. فسبحان من أحكم البيان، بأفصح لسان.

      د طارق عبد الحليم

       

      [1]   راجع "أنواء الفروق" للقرافي، ج1 ص 155 ، وشرح ابن الشاط عليه، وحاشية محمد بن حسين المكي عليه، ففيهما فوائد جليلة