فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ظاهرة الإحلال والاستبدال .. في تعاقب الأجيال

      • التمكين
      • 1833 قراءة
      • 0 تعليق
      • 11:28 - 23 مارس, 2018

      الحمد لله والصلاة والسلام والسلام على رسول الله ﷺ وعلى أهله وصحبه ومن والاه

      الاستبدال سنة كونية لابد منها، ذكرها الله سبحانه في قوله "وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم  (38)"محمد. وهذا الإحلال والاستبدال جزء من العملية الاجتماعية المستمرة، التي نمثلها بالنهر الجاري، فالنهر أمامك هو هو، لكنه في حقيقته، ليس هو على الإطلاق، بل نهر جديد متجدد بشكل لحظيّ. لكنّ للنهر ضفتان تحفظان طريقه وتقيمان مسيره فلا يتشعب ويفترق سبلا وقنوات متفرقة، وإلا ساح الماء وطاح، ولم يعد قواماً لنهر، كما لا يعود للأمة قواماً دون علمائها.

      وهذا المثال الذي ضربنا، يمثل أي مجتمع من المجتمعات، تكون جزيئاته الجارية دائمة التبدل والحركة، فإن رقدت ركدت وفسدت. والإحلال فيها يتم على كافة المستويات، البشرية بطول حياة الأفراد، الاجتماعية والثقافية والفكرية، بحسب تمسكها بالثابت فيها من قرار مكين، والمتغير فيها من وسائل تستجد حسب الحاجة.

      وقد تحدثنا عن ظاهرتي التمكين والاستبدال[1] في عدة حلقات من قبل. لكن ظهرت على السطح قريبا أفكار عائمة مطاطية، تتحدث عن "إحلال واستبدال" من غير طبيعة ما نتحدث عنه، ولا ما تتحدث عنه الآيات ولا السننّ، التواءً باستعمال المصطلحات، وكأن القوم من حولهم لا يرون طبيعة الخراب الذي يريدون فرضه بالمنطق الأعوج السقيم، وكأن هذا الإحلال والاستبدال هو تبديل "قطع غيار" في مصنع قديم!

      وسبب الإستبدال والإحلال، كما في القرآن، هو التولي. والتولي هنا معناه الإعراض عن أحكام الله، سواء على مستوى الأفراد، بتفشى الفواحش، وترك الدعوة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو على مستوى المجتمع بعلمانية الحاكمية واللجوء إلى مواضعات البشر، وما ينشأ عن ذلك من مولاة من كفر.

      فإن قيل، ففينا دعاة، ومجاهدون وآمرون بمعروف وناهون عن منكر؟ قلنا، جاء في حديث البخاريّ "أنَّ رسول الله ﷺ دخَل عليها يومًا فزِعًا يقولُ: (لا إلهَ إلا اللهُ ، وَيلٌ للعرَبِ من شرٍّ قدِ اقترَب ، فُتِح اليومَ من رَدمِ يَأجوجَ ومَأجوجَ مِثلُ هذه). وحلَّق بإصبَعَيه الإبهامِ والتي تليها : قالتْ زَينَبُ بنتُ جَحشٍ : فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ، أفنَهلِك وفينا الصالحونَ ؟ قال : نعمْ ، إذا كثُر الخبَثُ".
      وفكرة تبديل وإحلال العلماء، من حيث إنتهاء صلاحيتهم، وفوات وقت إفادتهم، فكرة غريبة طارئة على النظر الإسلامي، بل أظنها طارئة على الفكر الإنسانيّ! فإن أصحاب العلم، في كلّ عصر، يحملون تراكمات التجارب وإشكالات المواقف التي ولجوها محمّلين بعلم صحيح، فحلوا ألغازها، وبينوا عبراتها، فأصابواالحق فيما بينهم. وإذا بمنادٍ ينادى: يا أهل العلم، ادخلوا مقابركم، فقد أشرقت شمس الجيل الجديد، بلا شفق، وحلت علومهم الثمينة الفريدة، وطرقهم الواعية السديدة، محل ما حمّلتم من علم قديمٍ بالٍ، لا يصلح لزماننا هذا ولا نوازله ومصائبه! وأني أنا المنادي، هو المعبر والكوبري الوحيد بينكم وبين هذا الجيل الجديد الذي تفجّر علمه ووعيه، ووُلد يجرى على قدمين، مسرعا إلى النصر، تحت شعار "مسلمة الفتح"!
      أهذا بالله عليكم منطق يقال، أو يرتضيه عقل متوازن، أيّا كان قائله؟
      إن كثرة الخبث تغلب قلة الصلاح، وهي قاعدة عامة، أن الحكم للغالب لا للنادر. ومن كثرة الخبث، غير ما ذكرنا من الفواحش، قلة العلماء الربانيون وظهور الرويبضات المتسلقين، وانتشارهم، فهذا خَبثٌ لا يجادل فيه إلا منكرٌ لحديث رسول الله ﷺ. فإذا بهذه الفكرة تنادي بكسر شوكة العلماء القائمين على جيل الشباب، ليس لسبب إلا لأنّ هزائم المسلمين توالت، إذن فلابد أن علماءهم ضلوا ولم يعودوا يرون الطريق المستقيم، إذن فليسلموا الراية ل... لا أدى لمن! ... جيل بزغ في عقل صاحب الفكرة من قلب غبار حرب، أصحابها وأبطالها، هم من تسبب في خسرانها، وبسبب إعراضهم عن توجيهات أعلمهم وأسبقهم لحساب قول وافق هواهم ورأي رؤآهم!
      إن الإحلال لجيل العلماء لا يتم بهذه الطريقة السحرية الشاذة. بل هي جيل علماءٍ، يسلم لجيل علماءٍ جديد، بعد أن يرضى عنه، ويراه جديراً بالمتابعة، لا أن ينفخ في قرب فارغة، وبلالين هوائية، ليصنع منها مشايخ أحباب، لو نغزها أحد بإبرة لانفجرت من الزهو بلا أحشاء، إلا ثرثرة بنت ثرثرة!
      هذا هو عين الخبث، وإعانة على زيادته في أمة من الأمم. هذا هو الهدم لا البناء. أو هذا هو البناء القائم بلا قواعد، فهو والهدم سواء.
      إن الاستبدال، إن كثر الخبث، لابد واقع لا محالة، فسنن الله لا تحول. لكن، أن نساهم في سرعة إحلالها، بمحالولة القضاء على بقية ما يمسكها ‘إلى اليوم أن تقع، فهذا ما يجب محاربته أشد الحرب، ومقاومته أعنف المقاومة. وهو من الأسف من صنف دعاوى الحداثيين واللبراليين، الذين يدعون لهدم الدين بإسقاط أعلامه!
      إن ما حدث في الثورة المصرية، أو في الثورة الشامية، لم يكن لغالبية العلماء في فشلهما إلا آراء سديدة، لم يستمع اليها هذا الجيل الذي أراه قابلاً للإستبدال. فكل واقعة وقعت، ترى غالب العلماء والمشايخ على رأي واحد فيها، لكن يشذ في كل قضية واحد منهم، وهذا أمرٌ طبيعيّ لا غرابة فيه، لا يستدعى أن نصب النقمة على جيل مخضرم من أصحاب العلم، ونرجمهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، ونطلب منه التنحي لصالح ... من؟ "مسلمة الفتح!"، أم جيل أشبار وأصفار مصنوع من العجوة العلمية، يكتب بأقلام الحواجب، وكأن لهم أقلاما حقيقة!
      ليس هذا استبدال وإحلال، وهذا تخريب وتحلل.

      د طارق عبد الحليم              22 مارس 2018 – 6 رجب 1439  


      [1]  مجموعة كلها على الرابط http://tariq-abdelhaleem.net/new/ArticalList-138