فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الغرياني .. وأميرُ الطفيليين

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      صدق رسول الله، وهو الصادق الأمين "سيَأتي علَى النَّاسِ سنواتٌ خدَّاعاتُ يصدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ ويُؤتَمنُ فيها الخائنُ ويُخوَّنُ فيها الأمينُ وينطِقُ فيها الرُّوَيْبضةُ قيلَ وما الرُّوَيْبضةُ قالَ الرَّجلُ التَّافِهُ في أمرِ العامَّةِ".

      وقد تحدثت من قبل، منذ سنوات عدة، عن تلك الظاهرة التي اجتاحت عالمنا المسلم، وساحته العلمية الجهادية خاصة، من ظهور طبقة "الطفيليون" المتسورين على العلم، المتطفلين على موائده، الذين وصف المعصوم ﷺ مفردهم بالرويبضة.

      وأعتقد اعتقادا جازما، أنّ من أهم أسباب ظهور تلك الطبقة وتورمها، تأخر أصحاب العلم عن كشف زيفهم، بالإشارة إلى أشخاصهم وأسمائهم، بأعذار شتى، كلها مرفوضة مبتوتة الأصل بالشرع والعقل. ثم لتناحر بين من عرفوا الساحة من أصحاب العلم، فأعطوا فسحة لتلك الكائنات المتسلقة أن تنخر في جسد الأمة، خاصة أمور الجهاد فيها، تحيا على اجترار ما يتلقفونه من أقوال هذا الشيخ أو ذاك، ولولا ذلك ما فقست لهم بيضة، ولا نبتت من بينهم فسلة. ولن أعيد ما كتبته سابقا، وحذرت منه مراراً، فهو موجود في مقالات بالعشرات ثابتة يجدها من أراد على موقعنا[1].

      إنما سبب سطري لهذه الكلمات، هو ما قرأت من مقال كتبه رجل لا أشك في أنه من طلاب العلم، الجادين في طلبه[2]، نصر عبد الرؤوف، في مقاله "الغرياني بين تقعيدات الشيخ أبي قتادة وترقيعات الأغيلمة" السفهاء"، فأفاد وأجاد فيما عرضه، وسدد سهاماً نافذة في رؤوس فارغة إلا من حب الشهرة والرئاسة، وقصد فيه ما نصره تلميذ أبيه الخائب، عمر ابن الشيخ العلامة رفاعي سرور، والذي أجاد الكاتب في وصفه بارتداء جلباب أبيه، ولو أني أخالفه في هذا، فعمر لم يصل لحد ارتداء الثوب، وإلا لستر بعض عوراته، لكنه – للأسف – توارى من خلفه، ليس إلا.

      وقد ضل هؤلاء، من حيث هم مقلدة أتباع أصلاً، من بابيّ الحب والكره. فوقع اسماعيل كلم في الضلال من شدة تعلقه بالشيخ أبي قتادة غفر الله له، ثم بالجولاني، ومعه ثمالة عكرة من متسلقي الساحة الأخَرْ، وجاء ضلال عمر من باب البغض الشديد للمقدسي[3]، فأصبح لا يكتب ولا يعلق إلا تصيداً لكلمات للمقدسي هنا وهناك، بحق مرة وبباطل مرات.

      وقد عرفت عمر، وتحدثت معه منذ أيام زيارتي للقاهرة إبان حكم محمد مرسي، ورأيت فيه ما أعجبني وما أزعجني بل وأغضبني. لكن آثرت أن أفتح له باباً للتواصل، خاصة حين كان من العاملين على حرب تنظيم الحرورية اللعين في ليبيا. إلا إني، قرأت للصبي ما أثار اشمئزازى، حين بدأ في السير في ركب الجولانية، مع فرض أنه يجاهد في ليبيا، وكأن جهاد ليبيا فد انفض سامره وانصرفت كوادره! وحين تحدث بقلة أدب وسفاهة عن شيخه أولا ورفيق والده ثانيا، الشيخ د هاني السباعي,

      ومن الملاحظ أن هؤلاء الصبية، لم يظهر لهم اسم ولا عُرف لهم مسمى إلا حين بدأ صراعهم ضد الحرورية، على النت أو في مجالس "شرعيين"! وهو أمر كان الأسهل، إذ بيّن أصحاب العلم بلواهم وقعدوا انحرافهم، فصار على هؤلاء الصراخ والسبّ، والكتابة في ضرورة حربهم وبيان ضلالهم، ولا جديد هناك! ثم قعدوا بعدها ينصرون من ظنوه منتصراً، فالنفس الضعيفة تحنّ للقوي، ولو كان على باطل.

      لكن، مرة أخرى، لم يلفت نظري في ذاك المقال، فضحه للصبي عمر، لكن في قضية كلية أبرزها ذلك الصبي دون أن يدري، فإذا هو يعين على تبديل الدين والتمهيد لأقوال أقل ما يقال فيها إنها لا تقل خطورة عن بدعة إنكار السنة النبوية، بل هي أخطر، من حيث تنكر دلالة القرآن على التوحيد، أي والله!

      كما لن أعلق على ما أتى به الكاتب من تنافضات بين أبي قتادة ومقلديه، أو ما أثار من تناقض في أقوال أوردها عن الشيخ أبي قتادة قد تحتاج لمراجعة مستفيضة في حين آخر، ولا في تنزيله لتقعيدات أبي قتادة الثلاثة على ما ذكره الغريانيّ الضال، بل لن ألقي بالاً وألحق وبالاً بالغريانيّ نفسه، فليس هو بأول مفتٍ ساقط حقير نزع الكرسي من تحت إبليس وتربع عليه، فقد سبقه على جمعة وأحمد الطيب وعبد اللطيف آل الشيخ، على سبيل المثال لا الحصر. إنما سأهتم بأمر واحد، وهو قضية دلالة القرآن على التوحيد.

      فقد زعم الغرياني أن القرآن لم يتحدث عن التوحيد إلا في حوالي سدسه! وأنّ علماء الجرح والتعديل لم يجرحوا أحدا لعدم كلامه في التوحيد، وأن البخاري ذكر باب التوحيد في آخر كتابه، من حيث عدم أهميته كما هو مفهوم من سياق المثال في موضعه!

      أي حديث أضل وأخس وأكفر من هذا الحديث! ألا ما أضل الغرياني ومن تابعه أو وثقه أو رأى فيه خيراً قط.

      أي شئ يبقى في الإسلام إن اعتبرنا أن التوحيد أقل ما فيه قيمة وأصغر موضوعاته شأناً؟

      الإسلام هو التوحيد، توحيد الله سبحانه "قل هو الله أحد". هذا هو التوحيد.

      وروى مسلم في صحيحه حديث نبينا ﷺ عن ابن مالك عن أبيه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول من وحّد الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه" . هذا هو التوحيد. في أول باب من أبواب صحيح مسلم "باب الإيمان"[4] والمعنون له "باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا". وكذلك روي عن أبن مالك عن أبيه "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه"[5].ومما يُستفاد من هذا أمور:

      1. أن توحيد الله (وحّد الله، بلفظ رسول الله ﷺ) هو أعظم الواجبات، من حيث أتى به أولاً، ثم جاء بالصلاة والزكاة بعده كما في حديث مسلم الذى رواه عن ابن عباس رضي الله عنه أن معاذا قال "بعثني رسول الله ﷺ قال: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا فإعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ..الحديث"[6]. وفي هذا دلالة على أن التوحيد أوجب من الصلاة التي هي رأس الطاعات.
      2. أن التوحيد هو ذاته قول "لا إله إلا الله" جمعاً بين أطراف الأدلة التي وردت في الأحاديث السابقة، حتى لا يأتي متنطع ذنيم فيقول (لا إله إلا الله) لفظة غير التوحيد[7]!!

      من هنا فإن التوحيد الذي عنوانه "لا إله إلا الله" ودلالته الظاهرة، يحتاج إلى شرح ما يحمل من معانٍ أولا، وما يتطلب من طاعات ثانياً، وما يرسخ تكرار فضلها وأسبقيتها. فجاءت كليات الشرائع واجباتها ومحرماتها، في القرآن، الصلاة والزكاة والحج ومنع الربا والخمر والميسر .. لتتحقق الطاعة اللازمة لإثبات صحة التوحيد، وترك الشرك، وذلك بطلب العبادة، التي هي الطاعة إجماعاً. فكانت كافة آيات الأمر والنهي المتعلقة بالواجبات والمحرمات، وبيان محاسن السلوك والعادات، هي شرح للتوحيد وبيان مستلزماته، من سلخها منه لم يترك الناس إلا على معنى كليّ لا يقوم به عمل يرتبط بالتوحيد

      والتوحيد هو دين الأنبياء جميعا قال ﷺ "إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد"[8] ألا وهو توحيد الله، كما جاء على لسان كل نبيّ في القصص القرآني، الذي لا يعتبره الغرياني ودمامله من التوحيد!

      وقد بيّن الشاطبي ذلك في حديثه عن دليل القرآن، وفي معرض ما يحتويه من علوم، قال:

      "وقسم هو المقصود الأول بالذكر وهو الذي نبه عليه العلماء وعرفوه مأخوذا من نصوص الكتاب منطوقها ومفهومها على حسب ما أداه اللسان العربي فيه وذلك أنه محتو من العلوم على ثلاثة أجناس هي المقصود الأول أحدها معرفة المتوجه إليه وهو الله المعبود سبحانه والثانى معرفة كيفية التوجه إليه والثالث معرفة مآل العبد ليخاف الله به ويرجوه.

      وهذه الأجناس الثلاثة داخلة تحت جنس واحد هو المقصود عبر عنه قوله تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } فالعبادة هي المطلوب الأول غير أنه لا يمكن إلا بمعرفة المعبود إذ المجهول لا يتوجه إليه ولا يقصد بعبادة ولا بغيرها فإذا عرف ومن جملة المعرفة به أنه آمر وناه وطالب للعباد بقيامهم بحقه توجه الطلب إلا أنه لا يتأتى دون معرفة كيفية التعبد فجيء بالجنس الثاني ولما كانت النفوس من شأنها طلب النتائج والمآلات وكان مآل الأعمال عائدا على العاملين بحسب ما كان منهم من طاعة أو معصية وانجر مع ذلك التبشير والإنذار في ذكرها أتى بالجنس الثالث موضحا لهذا الطرف وأن الدنيا ليست بدار إقامة وإنما الإقامة فى الدار الآخرة

      فالأول يدخل تحته علم الذات والصفات والأفعال ويتعلق بالنظر في الصفات أو في الأفعال النظر في النبوات لأنها الوسائط بين المعبود والعباد وفي كل أصل ثبت للدين علميا كان أو عمليا ويتكمل بتقرير البراهين والمحاجة لمن جادل خصما من المبطلين.

      والثاني يشتمل على التعريف بأنواع التعبدات من العبادات والعادات والمعاملات وما يتبع كل واحد منها من المكملات وهي أنواع فروض الكفايات وجامعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنظر فيمن يقوم به 

      والثالث يدخل فى ضمنه النظر في ثلاثة مواطن الموت وما يليه ويوم القيامة وما يحويه والمنزل الذي يستقر فيه ومكمل هذا الجنس الترغيب والترهيب ومنه الإخبار عن الناجين والهالكين وأحوالهم وما أداهم إليه حاصل أعمالهم"[9].

      يتحصل لنا من هذا أن القرآن مداره، كله بلا استثناء، على التوحيد، الطاعة، كيفية الطاعة والعبادة، وما يترتب على التوحيد من طاعة وعبادة.

      فعم يتحدث ذاك العيّ، واللهو الخفيّ، الغريانيّ؟! ما سُدس القرآن وما سُبعه وما عُشره؟ وكيف يحمل أوزار دمامله، كعمر ومن في طبقته، أن يزلوا هذا الزلل؟

      من هذا الخلل العقدي، نتج ما تقيئ ذاك العيّ واللهو الخفيّ الغرياني عن الانتخابات، واتباع مجالس الأمم والأمن الكفريّ، والنظر إلى قيام مصالح الدنيا على أنه مقصود الدين وعماده، غير مستوعب إلى الفرق بين المسلم والكافر هو أن المسلم يعتبر أن مصالح الدنيا وسيلة لا غاية، بينما الكافر يعتبر مصالحها هي الغاية أصلاً.

      ولا أنكر على عمر ولا أعتب عليه، فالعتب لمن هو في مقام يعاتبه فيه قرناؤه، لكن أدعو الله ألا يستمر في هذا التوجه المختل الضال الذي حذرته منه في محادثة طويلة، فإذا به كان مستمعا لا منصتا. ولعله يخلي قلبه من مرض الكراهية العمياء التي لا تنبني على خلاف شرعيّ حق، فالمسلم يكره ما يفعل المسلم المنحرف، لكن لا يكرهه لذاته، حتى ينحرف عن دينه إثباتا لانحراف غيره. ولا أري أن المقدسي قد انحرف في موضوع التوحيد "المجرد"، وإثبات كلياته عن الحق قيد أنملة.

      ثم أشير إلى خطورة هذه الظاهرة التي تطاولت وترعرت بين فسيلات دماملية وفقاعات صابونية حسبت نفسها تستأهل أن يستمع لها صاحب أذن، وهي الهجوم على كل شئ وكلّ أحد، بعدما تخاذل عدد من أصحاب العلم عن إيقافهم عند حدهم، لسبب ما يعلمه الله! فحملوا أوزارهم وتحملوا آثارهم.

      وهذه الظاهرة التي تناولناها اليوم، لا تقل خطورة، كما ذكرنا، عن إنكار حجية السنة، أو ظاهرة القرآنيين، أو الهجوم على علماء لا يصل أحدهم لنعل حذاء تلميذ من تلامذته، كما فعل الهالك الحايك في تطاوله على البخاري، بل على صحابيّ، وردعه الشيخ أبو قتادة، أو من تلفظ بألفاظ لا تليق تهجماً على علماء مثل ابن حجر أو ابن عبد الوهاب.

      اللهم سدد خطانا ومهد لنا سبيل تقوانا

      د طارق عبد الحليم

      3 نوفمبر 2018 – 18 جماد أول 1439


      [1]  منها "شر الطوائف الجاهلون المتطفلون" http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-73161

      [2]  http://risala.ga/o7un

      [3] والجميع يعرف خلافي مع المقدسيّ، في موضوع الخوارج[3]، إلا أنني، لم أتصيد له أقوالاً إلا في إطار موضوع الخلاف، وقد أرجعت سببه، فيما رأيت، إلى غلوٍّ في الإطلاقات والعمومات، ثم الاعتذار أو التغاضي عمن يطبقون أقواله على الجماعات والأعيان. وهذا خلاف إجتهاديّ، يُحسم بالكتاب والسنة أولاً، ثم يأقوال وشواهد تثبت أو تنفي.

      [4] ج1 ص212

      [5] المصدر السابق

      [6] مسلم بشرح النووي ج1 ص 196-198

      [7]  راجع كتابنا "حقيقة الإيمان الفصل الثاني ص 67 وما بعدها ففيه استفاضة في هذه النقطة وإشباع لمراد الباحث فيها. http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-3

      [8] صحيح راجع شرحه في العقيدة التدمرية

      [9] الموافقات طبعة دار المعرفة، مجلد 3، الكتاب الرابع في الأدلة، دليل الكتاب المسألة السابعة ص380. وأنصح بقراءة المسألة بأجملها ففيها فوائد عديدة.

      تمام الكلام – "وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره"

      على ما قال المبهت الغرياني من أن البخاري قد جعل باب التوحيد آخر أبواب كتابه، دلالة على قلة أهمية الحديث فيه وعدم اعتناء العلماء به!

      وهذا القول على شناعته وجرم قائله، فهو ناقض للإسلام، يُستتاب صاحبه بلا خلاف. ولو أن هذا المجرم، ودمامله الأغيلمات، اعتنى بقراءة ما دوّن العلماء في فقه الإمام البخاري فيما وضع عليه أبواب كتابه وعنونها، ومناسبتها، مما يليق به كفقيه عالم. مثلما عنون في كتاب الإيمان لحديث أبي سعيد الخدريّ "أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء" بقوله "ذكر كفران العشير وكفر دون كفر"، وهو من حسن فقهه ليرفع دلالة الكفر الأكبر عن هذا الفعل.

      ذكر العلامة ابن حجر العسقلاني شيخ الحفاظ وعلم المحدثين، في "هدي الساري مقدمة فتح الباري" مبيناً سبب إيراد البخاري باب التوحيد آخر ما وضعه في كتابه تحت عنوان "ذكر مناسبة الترتيب المذكور بالأبواب المذكورة ملخصا من كلام شيخنا شيخ الإسلام أبي حفص عمر البلقيني تغمده الله برحمته"، فقال، نقلاً عن البلقينيّ "بدأ البخاري بقوله كيف بدأ الوحي ولم يقل كتاب بدء الوحي لأن بدء الوحي من بعض ما اشتمل عليه الوحي .. فهو منبع الخيرات وبه قامت الشرائع وجاءت الرسالات"[1]اهـ. ولا يشك عاقل أن الوحي إنما أتى بوحدانية الله أولا وقبل كلّ شئ، إذ أكمل البلقيني، فيما نقل عنه ابن حجر ما جاء بعد كتاب كيف بدء الوحي، من كتاب الإيمان، ثم العلم، ثم سائر الكتب في البخاري، من حيث كلها مندرجة تحت أمر كليّ جامع وصادرة عنه، هو وحدانية الله سبحانه. ثم قال عن اختيار البخاري للباب قبل الأخير وهو باب الاعتصام بالكتاب والسنة، في آخر نقله عن البلقيني "ولما كانت الأحكام كلها تحتاج إلى الكتاب والسنة قال الاعتصام بالكتاب والسنة وذكر أحكام الاستنباط من الكتاب والسنة والاجتهاد وكراهية الاختلاف وكان أصل العصمة أولا وآخرا هو توحيد الله فختم بكتاب التوحيد وكان آخر الأمور التي يظهر بها المفلح من الخاسر ثقل الموازين وخفتها فجعله آخر تراجم كتابه فقال باب قول الله تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} وأن أعمال بني آدم توزن فبدأ بحديث إنما الأعمال بالنيات وختم بأن أعمال بني آدم توزن وأشار بذلك إلى أنه إنما يتقبل منها ما كان بالنية الخالصة لله تعالى وهو حديث كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم فقوله كلمتان فيه ترغيب وتخفيف وقوله حبيبتان فيه حث على ذكرهما لمحبة الرحمن إياهما وقوله خفيفتان فيه حث بالنسبة إلى ما يتعلق بالعمل وقوله: "ثقيلتان فيه إظهار ثوابهما وجاء الترتيب بهذا الحديث على أسلوب عظيم وهو أن حب الرب سابق وذكر العبد وخفة الذكر على لسانه تال وبعد ذلك ثواب هاتين الكلمتين إلى يوم القيامة وهاتان الكلمتان معناهما جاء في ختام دعاء أهل الجنة ل قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}"[2]اهـ

      فتأخير البخاري لباب التوحيد لم يكن لقلة الاعتناء به "كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا  كذبا"، بل قد بدأ به لأنه بداية الوحي وعليه تقوم كافة الشرائع، ثم أنهى به لتذكير العباد بتوحيد الله الذي هو أصل كل ما ورد بين دفتي الكتاب.

      د طارق عبد الحليم

      [1]  هدي الساري لابن حجر طبعة دار القلم والتراث ص 532.

      [2] السابق ص 536