فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      جرم المقالة السياسية الحديثة على فقه السياسة الشرعية

      نتساءل عن سبب الفرقة، والتشتت الفكري، وتخالف الآراء والمشارب، فهذا سبب رئيس فيما أرى.

      ظهرت "المقالة السياسية" منذ أن ظهرت الصحف المطبوعة، في أوروبا وأمريكا، ثم بلادنا المسلمة آنذاك. والمقالة السياسية، تعني أن يكتب من هو على علم بأحوال الأمم، والحوادث الجارية، مع معرفة بأحداث الماضي ومداخل المؤسسات الحزبية والسياسية. وهذا، في الغرب، يكفي ليكون الكاتب متخصصاً في ذلك اللون من الكتابة، فيحلل ويدقق، ويخرج بآراء وأقوال يعتمد فيها على معلوماته من الواقع، وعلى عقله المجرد في ذلك التحليل والتقييم، ثم النصح والتوجيه.

      لكن الأمر في ثقافتنا وحضارتنا، التي بنيت على "ديننا"، لا يصلح أن تكون المقالة السياسية مقبولة على هذا القدر من العلم. فالإسلام دين ودنيا، سياسة واقتصاد واجتماع وعمران، زواج وميراث وعقود ومعاهدات.، هو كلّ شئ في الحياة، بلا مبالغة. فإذا أراد أحدٌ، وما أكثرهم اليوم، أن يكتب في أمر "سياسي" وجب أن يكون ملماً بقدر وافٍ من الفقه والسيرة والحديث، وبقدر واسع متعمق من أصول الفقه، وبدراسة تامة دقيقة للفقه السياسة الشرعية على الأخص. ذلك أنّ الحديث في السياسة، هو توجيه للأمة، وترشيد لها في معاملاتها الداخلية والخارجية. ومع وجود واتساع وسائل الاتصال الاجتماعي اليوم، أصبح كتابة المقال أمر يقوم به كلّ إنسان، حرفياً! ولمّا كان توجيه الحياة في مسارها الإسلاميّ يجب أن يكون في الإطار الشرعيّ، كما يجب أن يكون بناء الكباري حسب المواصفات الهندسية المطابقة لآخر ISO ظهرت في هذا المجال، والعملية الجراحية حسب آخر ما وصل اليه العلم، في مجال المرض ذاك، فإنه يجب أن يكون كاتب المقال السياسيّ متمكن مما ذكرتُ من علمٍ، ليضمن أنّ ما يطرحه داخل الإطار الشرعيّ الصحيح، لا حسب عمومات شرعية يعرفها العالم والجاهل. هذا لا يجعل المقال السياسيّ إلا رأي واتباع هوى بحت، يضر ولا ينفع.

      كم نرى اليوم من "مثقفين" ذوى إخلاص وحب للدين، يكتبون مقالات سياسية، سواء بالنقد أو النقض، أو التوجيه والترشيد، وأجزم أن لا يكاد يكون فيهم من يعرف ما يدور عليه علم شرعيّ مثل السياسة الشرعية أو أصول الفقه، أو أحداث السيرة. لكن تراه يقول: إقرأ مقالي في كذا، وهل رأيت ما كتبت في كذا؟ يعينه على ذلك شهادة علمية راقية في طب أو هندسة أو زراعة أو غيرها.

      هذه الفوضي تنتمي، في حقيقتها، إلى تقييم علمانيّ لواقعنا، رغم إنكارنا لذلك. فإن من يكتب في السياسة الشرعية دون أدواتها، يفصل السياسة عن الدين، ويجعلها محض رأي لا أكثر، وهذا هو مفهوم العلمانية. ومن هنا تتشعب الأراء وتكثر التوجهات، حتى تصبح بعدد حاملي الأقلام، أو ضاربي مفاتيح "الكيبورد"!

      د طارق عبد الحليم      6 نوفمبر 2017