فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ماذا قبل الوسائل... ؟

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد

      رأيت أنّ كافة المتكلمين اليوم في الشأن الإسلاميّ، المخلصين منهم لا المنافقين بالطبع، يتحدثون عن كيفية الوصول إلى مخرجٍ من الأزمة الطاحنة التي تمر بها الأمة. وهذه الكيفية غالبا ما تدور حول وسائل معينة مثل تكوين جماعات أو عمل جمعيات أو مصارف في أعمال الخير، أو تحريض على جهاد ..

      لكن الأمر كما أراه اليوم، أن الأمة، ككل، ليست على استعداد لاتخاذ الوسيلة، أيّا كانت هي، للخروج من الأزمة.

      الأمة في حالة ضياع فكريّ عقديّ، قبل أن تصبح لعبة في يد حكامها، علاقة لازم بملزوم، وسبب بمُسَبَب.

      أكثر الأمة اليوم يعتقد أن اليهود والنصارى ليسوا كفاراً!! بل هم أهل كتاب، من أهل الجنة!

      أكثر الأمة اليوم يعتقد أن الجهاد كلمة قبيحة، وفكرة خطيرة لا يجب أن تراود مسلماً أبداً، حتى في معرض الدفاع عن عرضه.

      أمثر الأمة اليوم ترى إباحة الفوائد الربوية، وأنها هي الطريق الأمثل للإقتصاد.

      أكثر الأمة اليوم ترى أن السير في ركاب حضارة الغرب، ووسائل الغرب، ومظاهر الغرب، هو الطريق للتقدم والتطور والنهضة.

      أكثر الأمة اليوم ترى أن الإسلام هو الصبر على قضاء الله، الذي أتى بحكام يقتلونهم ويسحقونهم ويسرقونهم.

      أكثر الأمة اليوم لا يميّز المعتدي من الضحية! فالغرب يحارب الإرهاب، الذي هو رصاصتين هنا وسيارة تدهس أو سكين تطعن، فرادي هنا وهناك. لكن لا يرون أن مئات الآلاف من الجنود على كلّ أرض مسلمة، ومئات الآلاف من الأطنان من السلاح والعتاد، وتخريب دول بكاملها وتدميرها، مثل اليمن والعراق وسوريا وليبيا وأفغانستان، هو إرهاب! بل هو دفاع عن النفس .. هم الضحية، والملايين التي قُتلت وشُردت هم داعموا هؤلاء النفر المعدودين على أصابع اليد من الإرهابيين!

      أكثر الأمة اليوم في خراب فكريّ تام، وشتات عقديّ مخيف وتبعية غربية مخزية.

      والأشد حزنا، أن "الإسلاميين" من الأمة، ولا أتحدث عن العلمانيين فيها، هم من روّجوا ونشروا ونافحوا عن هذه الأفكار، بل أعلنوها وتبنوها! الإخوان المسلمون في كل دولة، حزب النهضة الغنوشي، الجماعة الإسلامية المخذولة، على ضعف شأنها وحقارته في الساحة، أحزاب المغرب الصوفية.. وهلم جرا

      وأمة هذه حالتها، لن تجدي معها وسائل أيّا كانت للخروج من أزمتها.

      الأمة في حالة جاهلية عامة عمياء، لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا، بغض النظر عن تلك الجيوب الضعيرة هنا وهناك ممن هم على الحق، كما كان المتحنفون أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

      ولا أقررهنا أحكاماً بكفر أو بإسلام، حتى لا يطاردني المتنطعون والمنافقون، بل أقرر حالة عامة غلبت فيها أفكار الجاهلية حتى طمست بالكلية، أو كادت، معاني الإسلام وثوابته وأساسياته العقدية.

      الوضع اليوم يحتاج إلى إعادة الأمة إلى فهم الإسلام، ومعرفة ثوابته، وتبني عقائده، مرة أخرى، بعد أن تفلتت منها لقرنٍ أو يزيد، بفعل فاعل، داخليّ وخارجيّ، مهد لها سبيل الخروج وهيأ لها طريق التفلت.

      الأمة اليوم، وإن احتاجت إلى زفرات غاضبة هنا وهناك، حتى يعرف المخلصون أن الجسد الهامد لا يزال فيه نبض حياة يأملونها، فإنها تحتاج إلى إعادة تشكيل أفكارها، وتحديد ثوابتها والتأكيد على عقائدها، ليقبلها من قبلِها وليرفضها من رفضها.

      لقد تميّز حزب الشيطان من حزب الرحمن، في القوى المتصارعة اليوم، بلا أي ضبابة. لكن الأمة بذاتها، لم تتميز صفوفها لانتشار هذه الجاهلية العامة العمياء.

      لقد سبق سيد قطب رحمه الله زمنه، وسبق من عاصره من دعاة، حين تحدث عن الأصل، عن التوحيد، عن الجاهلية، عن الثوابت، عن الطاغوت. فإنه بعد مضي سبعين عاماً على ما أخرجه للناس من وعاء القرآن والسنة، لا يزال الأمر كحاله، بل تدهور الحال فأصبحت الجماعات التي نشأت أصلاً لتقويم الناس، هي سبب وأداة لتخريبهم، كما أسلفنا عن جماعات الضلال، فنشروا أن السلمية هي الطريق، وأن الحاكم المبدّل لشرع الله، المعادي لدينه ورسوله الموالي للكفار، مسلم تام الإسلام، لكن ضعيف الإيمان! ونشروا أن الصبر هو الطريق، لأنه استسلام لأمر الله، وأن مؤسسات الدول، التي بنيت على عقيدة قتال الإسلام والمسلمين، كجيوشها وشرطتها، واجب الحفاظ عليها، فهي حامية الأمن والسلام وراعية الوطن والمواطن، وهي ذخيرة للأمة المتهالكة. كلّ هذا بسبب النفاق والكفر والمصالح الشخصية، ولا أقول الجهل مع الأسف.

      إن واجب اليوم، على القادر، أن ينشر بين الناس، وفي محيطه، بطريقة منظمة مرتبة علمية، عقائد الإسلام وثوابته التي غابت في أحراش الجاهلية. وعليه أن يُتقن ذلك ويتعلمه ليكون حجةً وشهيداً على من حوله. ويجب ألا يهاب أو يخاف أو يرتعب أو ييأس، فإن هذه أدوات الطواغيت لدحر الجهد الجماعي إحياء الأمة بعد مواتها. وهذا الأمر في مقدور الغالب الأعم ممن ينتمى لإسلام الصحيح، مع بعض الدأب على التحصيل البسيط اليسير.

      وقد ذكرتُ ذلك مرات تلو مرات في مقالات سابقة لي، إذ هذا هو الطريق كما أراه.

      العدو اليوم يستأصل الإسلام كعقيدة صحيحة، ويزرع بدلا منه دينا ناقصا محرّفا مبدّلاً لا علاقة له بدين محمد ﷺ، إلا كعلاقة بقايا شعائر قريشٍ من دين إبراهيم عليه السلام مقارنة بما نزل به النبي ﷺ.

      العدو اليوم ينشر الفسق والخنا والإلحاد باسم التحرر والحداثة والتقدم، بلا حرج ولا تورع.

      العدو اليوم يغلق مطابع القرآن، ويجمع الكتب الدراسية والعلمية التي تشير إلى أي مما يخالف دينه الجديد، ليطبع غيرها مما يحرّف ويبدّل وينكر ما عُلم من الدين بالضرورة، مثل كفر الكافرين، وولاء المؤمنين.

      العدو اليوم يعتقل كلّ صاحب كلمة أو قلم حق في الشرق، ويضيّق غاية التضييق على من في الغرب، بلا استثناء.

      العدو اليوم يسيطر على خزائن المسلمين وحكام المسلمين وأراضي المسلمين، سيطرة عسكرية لا خفاء فيها، وهم يعينونه على ذلك بكل قوة وولاء، بل هم العدو في حقيقة الأمر.

      العدو اليوم ينشر أن الإسلام دين الكراهية، إن تحدثت سورة البقرة عن مصائب بني إسرائيل ومخازي اليهود وكفرهم، وكأن ذلك لا علاقة له بيهود اليوم الذين كان لهم الضلع الأكبر، كما يرى كثير من المؤرخين، في الحربين الأولى  الثانية، معا! ويعتبره دين الكراهية حين يحث الناس على أن يقتدوا بإبراهيم حيث قال " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ۚ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ"الممتحنة 1-4. وقال تعالى "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36)، وبقوله تعالى "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)" إلأى قوله تعالى "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)" النساء

      تلك آيات تطرف وكراهية في دين العصبة الكافرة من حكام اليوم، يجب أن تَمّحي من أذهان الجيل القادم، ولو قتلوا واعتقلوا وصلبوا كلّ جيل اليوم من العارفين بالحق، المتمسكين به.

      هي حكاية أصحاب الأخدود .. مرة أخرى.

      ونحن هنا لا ننشر دعوة لقتال، ولا تحريضا على اغتيال أبرياء، في أي مكان، يهودا كانوا أو نصارى، فإن من دخل بلاد الكفار مُسْتأمناً لا يصح له غدر، وهي نقطة فقهية على كل ّحال. لكن الثبات على العقائد، التي أولها أنّ كل من هو ليس بمسلم، كافر، وهو أمر لا يجب التفريط فيه، قال تعالى "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"آل عمران (85)، (بل هو دين كل قسيس نصراني وحبر يهودي فيمن هم). كما أنه تماما ما يحاول عدو اليوم، في جزيرة العرب والخليج ومصر بالأخص، وفي بقية دول المسلمين بالأعم، أن يفعلوا، تغيير عقائد الأمة الثابتة، راجين أن يصبح الإسلام، كالنصرانية واليهودية، دين محرّف لا حق فيه، إلا بقايا شعائر قليلة، منزوية في داخل البيوت.

      إن دين الله باق ولو كره الكافرون "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)" ... ولو كره الكافرون.

      د طارق عبد الحليم

      4 نوفمبر 2017 – 14 صفر 1439