فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ثم ماذا بعد ... يا مجاهدي الشام!

      ثم ماذا بعد ... يا مجاهدي الشام

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله صحبه ومن الاه 

      أما بعد، فقد وصل الحال بساحة الشام إلى وضع لا يرضي عنه أيّ حبيب، ويحبه لها كلُ كارِه مريب. وكنت قد عزمت ألا أتناول هذه الساحة بحديث، إذ ضرب العطن في شتى أنحائها، لكن، لي أبناء أحباء، لا يمكن أن يتركوا في الظلام المحيط بهم، دون توجيه أب محب مخلص، لا ناقة له ولا جمل إلا صالحهم وصالح الإسلام.

      (1)

      فقد تفرقت الفصائل شيعاً كلّ حزب بما لديهم فرحون. منهم من مرق عن الدين مبدأً، وتبني العلمانية مذهباً، بوجه مكشوف دون غطاء. ومنهم من تعلق بأستار بني سلول، يخدمهم خدمة العبد لسيده، وهو يعلم أنهم هم أنفسهم عبيد لأهل الصليب. ومنهم من وضع على وجه رقيقة إسلام، ثم راح يمارس كل خبيثة، ويفضل أحكام الكفار على المسلمين، بعد أن يرميهم بالبغي!، يقبل دعما خارجياً يُلى شروطاً لا يقبلها مسلم على دين الله، بعد كل التضحيات لتي قدمها مجاهدو الإسلام من الشاميين والمصريين والتركستان والمغاربة والتونسيين وكافة بقاع الأرض المسلمة، ثم لم يجدوا بعدها إلا قومية سورية بغيضة تُنثر في وجوههم، ويُلقى عليهم كل لومٍ، ولم يدر هؤلاء الناعقون بالقومة السورية، أنهم لولا ضعفهم وهوانهم، وقلة حيلتهم أمام عدوهم النصيري والداعشي، لم يأت هؤلاء لنصرتهم أصلاً.

      وكانت جبهة النصرة، وحلفاؤها، هم أمل الساحة الداخلية والخارجية، ثم تلاعبت العقول ودارت الحيل، فكانت فتح الشام، بعد يتمها بفقد أمها القاعدة، بإيعاز من كذبة ضالون، يأخذون أوامرهم من أسيادهم، ويلوحون بالتوحد، تضليلا وإيهاماً. ثم كانت هيئة تحرير الشام، وعلّق الناس عليها آمالهم، من حيث ينضم لها عديد من المتفرقين، المتمسكين بحبل الله والمعتصمين بجهاد في سبيله. وكنا ممن وقف بجانب النصرة، فالفتح فالهيئة، من باب أنهم أفضل ما هو بالساحة، لا الأفضل على الإطلاق. لكن لم يعِ المراقبون أن كل تحوّل من جبهة إلى جماعة إلى هيئة، كان يصاحبه فتّ في عضد المبدأ، وقبول مخالفين، ومتميعة وعناصر هدّامة، بدعوى التجميع والتوحيد! ومحاولة صبغ الكيان الجديد بصبغة محايدة! مع الإبقاء على هويته المفردة، وهيهات أن يجتمع حقٌ وباطل. كان لابد أن يظهر أحدهما، وهو المخاض التي تمر به الهيئة في أيامها هذه.

      لكن، ظهر كذلك أنّ هناك أمور كريهة بغيضة لنفس المسلم، ولقواعد الشرع وأدب الشريعة، متلبسة في الكيان الجديد، وهو التفضيل والمحاباة لمن هم من أهل النفط والمعارف والرز السعودي، على من هم جاهدوا وصبروا وصابروا سنين عددا، مع علم متفوق وإخلاص ظاهر، لم يشوبه التشدق بأننى "تركت الأهل والمال لألحق بأهل الشام!"، وكأن أرواح وحياة من ترك الأهل والعشيرة من غير ذوى الغترة من الرجال لا تساوى شيئاً. والعيب هنا ليس على ذوى الغترة، لا، بل على ضعاف النفوس ممن جبنوا وحسبوا حسابات أرضية ذميمة مسقطة للعدالة والمروءة.

      وقد ركزت في كلامي هذا على الهيئة من حيث كنت أرى فيها بذور الأمل الباقية، ووهج الشمعة الخابية. لكن أصابتني الحسرة على تلك العثرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

      وقد بينت من قبل في تغريدة لي أنّ الواجب على جند الهيئة، أن يتبعوا أمراءهم، ولو بغوا وظلموا، إلا في فعل معصية لا يرضاها الله، فحينئذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

      وعلى الأمراء أن يحترزوا من الغي على أبناء صفهم، والتعالى والكبر وسلب الحق وتخصيص الموارد، وتلك الآفات التي تجتز أي عصبة ولو كانت على حقٍ مبين، فالأحق والعدل صنوان لا يفترفان.

      وعلى القيادة اتقاء الله في اختيار الأمراء، فإن الإمارة في يد من لا يستحق لعنة من الله على الجماعة، فلابد من توفر شروطها المنصوص عليها في مظانها، مثل الأمانة والخبرة والصبر والتفاني في العمل للصالح العام وتقديمه على الخاص، مراعاة الضعيف والمحتاج، وعدم إيثار النفس، إلى غير ذلك من صفات.

      وعلى العناصر أن ينبهوا، وينقلوا آراءهم، ويظهروا اعتراضهم من غير نزع يد من طاعة، وليستعينوا بالله، وليصبروا، فإن الأمر لن يطول بإذن الله.

      (2)

      ثم إني قد كتبت من قبل في مقال لي أنّ الأصل في الشورى الإعلام، وهو ما دلّت عليه مجموع الأدلة الشرعية، لكنّ الأمر من أمور المصلحة العامة، وفي وقت نقص الخبرة والعلم، كما في حالة صغار الأمراء، والجدد في الساحة، فإنها تكون ملزمة، ليصلح أمر الناس من حيث يجب أن يكون للتخصص دوره القاطع في الشؤون الدينية والدنيوية، إن كان ثمة فرق بينهما.

      فإن توفرت في القيادة الخبرة والممارسة والعلم والإخلاص، عاد الأصل إلى ما كان عليه من إعلامية الشورى، ووجوب السماع للأمير، أو للمرجعية العليا، كما في حالة القاعدة، على سبيل المثال لا الحصر. فهي كيان قام على تجارب مريرة طويلة، وتجارب عديدة شديدة، وتراكمت في أبنائها وقادتها خبرات لا يوجد مثلها على الأرض اليوم. ولا يُقال أنّ لكل ساحة متغيراتها، ونحن أعلم بساحتنا، لأن القول هكذا على عمومه خطأ أطيد، فالحديث هنا على مبادئ عامة والاستفادة من خبرات متراكمة، ومواقف تتكرر في كل ساحة، فإن جدّ جديد، وجدنا له ما يليق به، عند أهل الخبرة، لا رويبضات ظهروا أول أمس، يجربون فقههم المزيف وخبرتهم الصفرية في الجهاد في أبناء ذاك الشعب المسكين. ولا يفهم أحد منكم أني أقصد أن القاعدة على حق بإطلاق، فليس معصوما إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن، مع عدم انتمائي لها، فهي أقدم من في الساحة وأكثرهم خبرة وحنكة ودراية. ومن هنا تجد أن أهل الصليب قد استهدفوا أكابرهم الوافدين إلى الشام، كما استهدفوهم في بقية بلدان المسلمين، لتفريغ الساحات من أهل الخبرات، فلا يبقى إلا الفتات والإمعات والرويبضات،كما يتركون الطرطوسي يرتع بين الشام وانجلترا وتركيا، وهاروش وكعكة والنحاس وعلوش، وزمرة النفاق المطبلين، في تركيا وقطر وغيرها، ولا يستهدفون يوما العرجاني أو أس الفساد، أو أمثالهما، كما فعلوا مع أبي الخير المصري، وأبي هانئ المصري، وقبلهما أبو خالد السوري، بإيعاز منهم، وعشرات، بل مئات من أمثال هذه الخبرات المتراكمة.

      فلا يستهينن صغير وُلد أيام الثورة، ميلاداً حقيقيا أو إسلاميا، بمن سبقوه من عظام القادة، ولا تعمل قيادة على تفريغ صفوفها من ذوي الخبرة إلا قيادة معتوهة منتكسة لن تصيب نصرا في يوم من الأيام، بل ستتوالى عليها الهزائم تترى كل يوم.

      وعلى المجاهدين أن يتمسكوا بأصحاب الخيرة والسبق والعلم، ولا يغتروا بتوافه القوم من مدعى افقه والفتيا، من أبناء أمس الأول، لا علم ولا عقل ولا ضمير ولا خبرة، بل وهروب من الساحة للخارج المستقر. أفواه بلا أيادٍ.

      د طارق عبد الحليم      29 يوليو 2017 – 6 ذو العقدة 1438