﷽
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
لست بصدد الردّ على ما يذهب اليه د المسعريّ، المعارض السعودي المقيم في لندن، من أقوال، فقد تجاوزت تلك المرحلة، ولست بقادر اليوم على تفصيل الردود كما فعلت من قبل مع عديد من الكتاب والمفكرين. لكني سأتعرض بشرعة لنقطتين، أعتبرهما العمود الفقري فيما يقدّم للناس من أفكار. وهاتان الفكرتان هما
- سوء فعل وطوية الدعوة النجدية وشيخها رحمه الله تعالى
- فكرة التجديد
والحق أن السيد المسعري ليس بدعا في مناقشة هذين الموضوعين. فإنه لا حصر لمن رصد كثيرا ممن كتب في موضوع التجديد وفكرته، ممن هم أكبر قدراً في الوسط العلميّ، مثل محمد عابد الجابري، الذي يختلف مع المسعري في نظرته للدعوة النجدية، وحسن الترابيّ والغنوشي، وأقل من هؤلاء تطرفا الريسوني وكثير من الأسماء الأقل أهمية وتأثيراً.
أما موضوع التنديد بالدعوة الوهابية، فقد كان، ولا يزال من الموضوعات الحامية، غالبا من أعداء الدعوة الإسلامية الصحيحة عامة، ومعظمهم من دعاة التجديد، ومن المستشرقين بشكل خاص
الدعوة النجدية: فإني أرى أن كل من تعرض لتلك الدعوة التي أطلقها الإمام محمد ابن عبد الوهاب بالنقد والتجريح، قد خلط بين ثلاثة أمور
- دعوة الشيخ للتوحيد الصاف
- سعيْ بن سعود ومن معه للملك والإمارة
- ما دوّن بن غنّام من تاريخ أسماه تاريخ الدعة النجدية، وهو في حقيقته تاريخ الغزوات السعودية.
والحق إنه من مبادئ الإنصاف أن يُحاسب المرء على ما دوّن، لا على ما فهمه عنه الناقلون والشارحون والمعلقون. وقد نُقل عن الإمام في عدم تكفيره العوام، أو الجهلة أو التكفير بالعموم ما هو مُحكمٌ لا يدع مجالاً لمفسرٍ أو مؤول أو شارح. كما لا يصح عرض أي متشابه من كلامه أو تفير غيره لكلامه على هذا المحكم، ومنه الكثير مما ورد في الدرر السنية، مثل قوله "ولم يكفروا أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه، كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر"1/532، وقوله " القول أنا نُكفِّر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون عن هذا الدين، ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم" الدرر 1/100، وقوله "نسبوا إلينا أنواع المفتريات، فكبرت الفتنة، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله، فمنها إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه فضلاً عن أن يغتر به، ومنها ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا من اتبعني، وأني أزعم أن أنكحتهم غير صحيحة، فيا عجباً كيف يدخل هذا عقل عاقل، وهل يقول هذا مسلم ؟ إني أبرأ إلى الله من هذا القول الذي ما يصدر إلا من مختل العقل فاقد الإدراك، فقاتل الله أهل الأغراض الباطلة" الدرر 1/180. وغير ذلك كثير مثل ما جاء في تودده لمن يدعو زيداً بقوله "فالله أفضل من زيد"، وعدم تكفيره البوصيرى، كما يفعل كثير من المحدثين، مما هو وارد في كلامه في مجموع مؤلفاته أو في الدرر وغيرها.
كذلك يجب التنبيه إلى أنّ ما دوّن ابن غنام، هو ما دوّن ابن غنام! نعم المعارك التي وقعت صحيحة، والقتال وقع، لكن التسميات التي أطلقها مثل "المسلمين" على جند بن سعود، مما يعني الكفار على غيرهم، ليس ملزما للشيخ بأي حال من الأحوال. وكونه تلميذا له لا يعني موافقته، لا على كل الأصول ولا على كل الفروع. وابن سعود كان طالبا للملك والسطوة، وقد أحسن استخدام دعوة الشيخ في تبرير غزواته وقتاله، لكن هذا لا دخل له بصاب الدعوة وصفائها
التجديد: وهو دعوى عريضة ادعاها كثير من المحدثين، منهم عن سوء نية وعطن طوية كحسن حنفي ومحمد أركون وراشد الغنوشي، ومنهم عن سوء دين وخلل في يقين مثل عابد الجابري وحسن الترابي والعلايلي وحسين أحمد أمين (ابن أبيه!)، ومنهم من اتخذها عنوانا لافتاً دون التحقق بما يأتي تحتها!، وأظن المسعري من هذا الجمع الأخير، مع الإقرار بأن الرجل واسع الإطلاع بلا شك. فإنك إن قرأت كتابه في "التوحيد"، لم تجد "جديدا"، بل إعادة تصنيف وتقسيم، وشرح لمجملات ، وتفصيل لمسائل، مثل حكم الرجوع إلى المحاكم الوضعية في الغرب. وهي مسائل تطبيقية، ليست تجديدية. لكن جوهر ما عرض هو ما في كتب ابن تيمية ومحمد ابن عبد الوهاب!
ولا أدرى حقيقة التجديد الذي يدعو اليه المسعريّ، ولا طبيعته، ولا أظنه هو نفسه يدري! فالتجديد قد يكون كلياً، كما في دعوات حسن حنفي أو العلايلي، أو جزئي في باب معين، مثل أصول الفقه كما دعا الريسوني وغيره. لكن من الصعوبة أن تعرف عمّا، وفي أي مجال يريد المسعريّ أن يجدد الدين؟ فإنت، حين تقرأ مؤلفاته، تستشعر الصراع الدائى في نفسه بين الالتزام بالمدرسة السلفية الأصيلة، وبين المدرسة الإصلاحية الحديثة، وهو ما جعله لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. كما أنك تستشعر ما فعلتت به كراهته – المُبرة – لآل سعود، إلا ما كان من انعكاس ذلك على حكمه على الدعوة النجدية بإجمال.
هذه عجالة دونتها عن د المسعريّ لبيان ما أرى فيما قدّم.
د طارق عبد الحليم 20 يونية 2017 – 26 رمضان 1438