فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ليسوا منا .. هدفا ولا وسيلة

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      رغم ترحيبي وموافقتي المجملة على ما جاء في بيان هيئة تحرير الشام من أنّ الحركة يجب أن يتسع أفقها لتشمل من يشاركها الهدف، بغض النظر عن عقيدته، وأنه ما فعل الأقدمون، فقد حارب صلاح الدين الصليبيين في حطين بجيش فيه الصوفي والأشعري والسني، لا يفرق بينهم، إلا إنني أرى أن في هذا لون من القياس مع الفارق يحسن أن نبيّنه.

      وكما يعي الأصوليون أن "القياس" لا يكون بهذه الطريقة، إذ له أربعة أركان، أهمها العلة وتحديدها وتعيينها هو الأدق في هذا الأمر، ولها ضوابط كثيرة مذكورة في مظانها، فليحذر من يردد أنّ هذا قياس بشكل حقيقيّ، بل اعبرناه قياس بشكل مجازي لا غير.

      والفارق الذي أنبّه عليه، هو فارق معتبر، قدد يلغي المماثلة بالتمام. فإن صلاح الدين كان حاكما لدولة فسيحة الأرجاء، مصر والشام واليمن وبعض أجزاء الحجاز والمغرب العربيّ. وكان الناس في تلك البقاع مختلطون، فيهم الصوفي الأشعريّ والمعتزلي والسنيّ. وقد شكّل جيش الأيوبيين لملاقاة الصليبيين من كافة تلك العقائد المتشابكة، ولم يفرّق في جيشه بين أحد منهم، لمّا كان الهدف هو مواجهة الصليبيين.

      بينما ما نراه في الشام اليوم غير ذلك على وجه القطع واليقين. فإن المجاهدين حركاتٌ وفصائل مختلفة، تتراوح بين أصنافٍ ثلاثة، سنيون، ومرجئة جهمية، وحرورية. والخلاف بين تلك الحركات، وإن غلط أحدٌ فقرنه بالخلاف بين الصوفية والأشعرية والمعتزلو وبين السنة، فإننا ننبه على أن خلاف مكونات جيش صلاح الدين، لم يكن يتناول اختلاف مقاصد ووسائل، لكنه خلاف عقدي نظريّ بحت. فكيف يؤثر اختلاف الناس في الأسماء والصفات على مسار معركة؟ وكيف يؤثر اعتقاد الولاية في مسار معركة؟

      أمّا خلاف اليوم، فهو خلاف مقاصد ووسائل معا. فإن الحرورية، كما هومتفق عليه فئة ضالة على أقل تقدير ليس فيها خلاف من أنهم كلاب أهل النار، إلا ممن غشى على عينيه الهوى المردي.

      ثم أتباع ممثلي تركيا وروسيا في الشمال، حركة أحرار الشام، وممثلي الخليج في الجنوب، جيش العلاليش، مقصدهم هو الصلح مع النظام بعامة، مع تغيير رأسه، إن قدروا، ثم إقامة دولةعلى النمط الأمريكي العلماني (المدني كما يحلو لهم أن يسمونه!). ووسيلتهم لذلك هي التفاوض والمؤتمرات والطاولات، التي لا تنتهى لغاية، طالما الموائد ممدودة والرواتب مدفوعة.

      أمّا السنة فمقصدهم هو استمرار العملية العسكرية الجهادية، وعدم التسليم للعدو، من حيث يؤمنون بقول الله تعالى "إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" آل عمران  (140). وقول الله تعالى "وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" النساء  (104).

      هذا خلاف تضاد لا خلاف تنوع. ها خلاف يعرقل سير أي عملية عسكرية أو حتى سياسية. هذا خلاف لا يُمكن أن يُسمح به في داخل حركات صغيرة محدودة، إذ هي قاتلة للحركة، بعد أن تشلّها تماما. وهو عين ما أخشى عليه من توجه الهيئة في السماح لبعض من هم في صف أولئك المميعة في مجالس شوراهم!

      الأمر ليس أمر طهارة الحركة، فنحن هنا لسنا بصدد عملية ختان للحركات. لكنه بعدٌ استراتيجيّ عمليّ تطبيقيّ، لا يجب أن يلتفت عنه أهل الرأي والمشورة، وألا تدفعهم الشعارات الجميلة، والأمثلة الراعة في تاريخنا إلى تبنيها على فرق يهدم الحركة من أساسها.

      والله المستعان

      د طارق عبد الحليم   18 مايو 2017 – 22 شعبان 1438