فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الساحة الشامية .. وميزان الساحة التشريعية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، وبعد

      عقدت العزم قبل أن أبدأ هذا البحث، أن أتجنب الحديث عن الكفر والتكفير، وأن أبني مقدماتي ونتائجي على ما تعطيه معطيات الواقع المحسوس والتاريخ المدروس، مع التقيد بالمعطيات الشرعية في عمومها وإجمالها وكلياتها، دون التعرض للجزئيات في هذه المرحلة، حسما للخلاف، وخروجا من مضيق الشبهات بالغلو والتكفير، والتي هي أهم سلاح في جعبة محدودي الفكر وشواذ العقل ومرضى النفس.

      حين بدأت الثورات العربية في الانتفاض والتعبير عن مدى الضغط الكامن بين شعوبها، تجلت صورها حسب طبيعة كل شعب وإمكاناته وتصوراته، ومدى تغلغل النفوذ الغربي في شبكته الاجتماعية. كذلك، وعلى الفور، بدأت خطط الغرب المكير في التشكل حسب ظرف كل دولة وطبيعة شعبها، لتعصف بتلك الثورة، وتعيد تصنيع نفس النظم القائمة الخائنة، في قوالب جديدة، وتحت أسماء جديدة، لكنها هي هي، علمانية (مدنية) لا دينية، تعتمد على صورة ديموقراطية، وحقيقة عسكرية.

      ولنأخذ مصر كمثال واضح تمت فيه خطة الغرب المكير، بنجاح ساحق ماحق. فقد عبر الغرب أولا عن إعجابه بالثورة الشعبية التي أطاحت بمبارك. لكن الأمر كان قد أعدت له العدة، كما سنرى.

      الثورة الشعبية، الجماهيرية، هي الشكل الذي يصلح مع طبيعة الشعب المصري المسالم، أو الجبان، إذا أردت. ولذلك كتبنا مقالا سابقا أنّ الثورة المسلحة، على الأقل حالياً، لن تجدى في مصر. فلمّا نجحت أول خطوة في تلك الهبّة الشعبية، تواصل خونة الداخل وعدو الخارج، ليروا ماذا يفعلون.

      وكانت القوة المنظمة الوحيدة التي تحمل شعاراً إسلامياً، ولو إنه مشوهاً استسلاميا، هي تنظيم الإخوان، الذي لعب في العقود الثلاثة الماضية، دور السياسة، ودخل البرلمان، وقنن ورضي وأقر ما عليه التشريعات الوضعية تحت اسم الملاينة والمرونة و"السياسة الشرعية". وصار هذا الشكل من الحكم مرضيا مقبولا لدي ذاك التنظيم، بل جرّم أيّ شئ خلافه، ووضع له أصولاً ثابتة عبر عنها بعض كبار منظريه[1].

      ومن ثمّ، دخلت الإخوان في تفاوضات مع المجلس العسكري الحاكم مؤقتاً، ورضيت به حَكَماً، ورفعت شعار الجيش والشعب يد واحدة! والتزمت بالشكل (المدني الديموقراطيّ) للحكم. ويعلم الله كم حذرنا من قبول هذه الألاعيب، والجلوس إلى هؤلاء الكفرة الملاعين، لكن كنا كمن يصرخ في واد وينفخ في رماد.

      وجاءت الصناديق بالإخوان، ومنعوا خيرت الشاطر، الذي كان أوعى كثيرا من د مرسى، فك الله أسره، ودبروا كل مكيدة لإزاحة حازم أبو اسماعيل، رغم إنهم كلهم كانوا على النهج الديموقراطي، بدرجات متفاوتة.

      ثم في سنة واحدة، لا أكثر، انقضوا على الحكم مرة أخرى، بعد أن سلبوا الإخوان كلّ فضيلة. وأعادوها عسكرية في شبه مدنية، وعلمانية صريحة داعرة كافرة لا شبهة فيها.

      وفي تونس، حدث نفس السيناريو، دون تدخل الجيش، فقد اعنمدت الجماعير على راشد الغنوشي وحزب النهضة، العلماني الإسلامي! فأدى بهم في آخر المطاف إلى السبسي، ودولة علمانية تحارب الشريعة.

      ثم الشام، قامت ثورتها الشعبية أولاً، في وجه نظام نصيري كافر دمويّ. ثم تسلحت تلك الثورة، وبدأت حركة مقاومة، على ثلاثة صور:

      أولا: فصائل ثورية سورية قومية، تريد الإطاحة ببشار وتمكين قادتها، سواء من القوميين العسكريين أو غيرهم، في سدة الحكم، بشكل (مدني علماني) ديموقراطيّ، موالٍ للغرب، وقامت على هذا فصائل الجيش الحر، رغم وجود عدد من منتميه ممن هم من بسطاء الناس، وسياسياً بما يسمونه الائتلاف.

      ثانياً: فصائل "إسلامية" سلفية سعودية خليجية، ولاؤها الأصليّ للسعودية، ثم لسوريا، وتكوّن على اسمها جيش الإسلام بقيادة زهران علوش، الموالي للنظام السعوديّ، المحبّ له، والمُمَوّل منه.

      ثالثا: فصائل جهادية صرفة، لم ترتبط بأحد، تريد إقامة الشريعة في سوريا. وقد انقسمت تلك الفصائل عدة أقسام:

      منها، القسم الحروري، الذي نشأ في العراق، ثم نقل مصيبته التكفيرية إلى الشام، وهؤلاء أقاموا، بعد أن عملت دعايتهم عملها، علاقات سرية مع النظام، لكن غباءهم السياسي لم يمكنهم من استثمارها، فراحوا يقتلون المجاهدين ويكفرون المخالفين ، محققين أهداف العدو الداخلي والخارجي، لصالح الإبقاء على كيانهم .. غاية في قصر النظر والضلال.

      القسم المخلّط ذو الوجهين: ومنها من التزم بالسنة، ولم يرض بالبدعة في أول الطريق، وإن ظهرت بعض دلالاتها وقرائنها بالفعل، وحارب النظام والحرورية، لكن شابت فكره نزعة قومية، ورأي أنّ توطين الجهاد (أي حصره في مفهوم سوريا للسوريين)، وإيجاد مسافة بينه بين تنظيم القاعدة، أفضل له وأسرع نتيجة، وعلى رأسهم احرار الشام.

      القسم الأصفى عقديا وحركيا: ومنها من التزم بالسنة، ولم يرض بالبدعة، وحارب النظام والحرورية، لكن عرف أن التحالفات هي سمة هذا العصر، لا سيما حين يكون الأمر أمر جهاد عالميّ مُدوّل، شئنا ام أبينا. فآثر الارتباط بالقاعدة، والاستئناس بقيادتها وببعض إمكاناتها التوجيهية وخبراتها السياسية، على أن يقع في شَرَكِ التحالفات المشبوهة، يوما ما، بشكلٍ ما.

      وكانت دول الخليج في الجنوب، وتركيا في الشمال، عاملي فتنة بين تلك الفصائل التي ارتضت سياسة المحاور الإقليمية، سواء كانت إسلامية أم علمانية. ولننظر أولاً قليلاً في النظم الخليجية وتركيا.

      النظم الملكية الخليجية: وعلى رأسها الرياض، وفي ذنبها الإمارات.

      فالسعودية نظام يقوم منذ نشأته على العون الغربي، منذ تاريخ أول برميل نفط أنتجته بريطانيا للملك عبد العزيز. ومن يومها، والخضوع السعودي التام والشامل للغرب أمر استراتيجي لا يمكن أن يتغير في يوم من الأيام، إلا يوم انهيار قيمة النفط كلية وتطوير الغرب لمصدرٍ بديل للطاقة. وهذا أمر لا ينازع فيه عاقل.

      والإمارات دولة علمانية لادينية كافرة في نظام حكمها بلا مخالف. ولا نتحدث هنا عن الأفراد.

      تركيا: وهي دولة غالب شعبها من المسلمين، لكن،منذ أن أسقط كمال أتاتورك الخلافة، وهي تقوم على العلملنية الصريحة، وتتعاون مع الغرب، وهي دولة عضو في الناتو، وقريبا في الإتحاد الأوروبي.

      والإشكالية هنا تقوم على الازدواجية، بين نظام يفصل الدين عن السياسة بشكل كليّ تام مدعوم من الجيش، وبين شعب يؤمن بالإسلام دينا تعبدياً، لكنه يتمتع بحياة أفضل اقتصادياً نتيجة نظافة يد القائمين على الحكم في حزب العدالة والتنمية، بقيادة أردوغان.

      وقد تحدث الناس كثيرا، على دين أردوغان، هل هو مسلم أم مرتد؟ لكننا آثرنا في بحثنا هذا ألا نتعرض لتكفير شرعيّ، ونكتفي بالتحليل السياسيّ. وأردوغان، على أحسن تقدير، قائد وحاكم لدولة علمانية تفصل الدين عن السياسة ولا ترى تداخلهما، وقد نصح بذلك الاتجاه الإخوان في زيارته لمصر منذ ثلاثة أعوام. فهو ليس بمن يؤخذ منه دين، بل هو، إن سلمنا بإسلامه، على مذهب صوفيّ متطرف، يرى الإسلام حجابا وصلاة .. ولا أكثر. وهو يقيم الولاء مع كلّ من له معه مصلحة، فالولاء الأخلاقي مع العرب والفلسطينيين، والولاء العسكري مع الغرب الصليبي.

      وقد خرج بعض المتفيقهة، ممن يتلمس مخرجا من الالتزامات الشرعية، بمفهوم "التقاء المصالح" أو "هامش المصالح" أو قريب من ذلك، يبررون به تحالفات لا تجر على الأمة إلا الخسار. وكأن هذه الأمة وليدة الأمس، أيام ولدت تلك العصبة من الصبية. وكأن أحدا لم يتعرف على تلك التشابكات، بل فاتت على جميع الخلق، ولم تقف بباب إلا باب عبقرياتهم!

      والحق أنّ في ديننا، دين الإسلام السنيّ، ضوابط تحدد مناطات المصالح المعتبرة، وما يحكمها من وجود النصوص المُلزِمة المُقيِّدة لها، كما تبينّ أنواع التخصيصات والاستثناءات التي تعتريها، وهو موضوع بحثنا في "الاستثناء من القواعد الكلية"[2]. وعدم اعتبار النصوص والرجوع إلى القواعد أو المصالح ضلال، كما أن عدم الاسترشاد بالقواعد وضبط الفتاوى بها لا بمجرد الجزئيات، ضلال مساو.

      فإذا نظرنا إلى الساحة الشامية، وجدنا تبريرات الفريق الذي يرى التفاوض مع الملكية الخليجية، واستخدام دعمها الماديّ لتحقيق ما يراه غاية للثورة كالتالي:

      التبرير الأول: أنّ الغاية الأولى والعليا هي التخلص من حكم النصيرية العلوية، وإخراج السطوة الرافضية من الشام، ولا هدف قبل ذلك.

      التبرير الثاني: أن الثورة مستمرة منذ أربعة سنوات عجاف، أكلت الزرع والنسل وأماتت الحي والحرث. وقد استشهد فيها مئات الآلاف، وهُجّر ملايين من أهل سوريا، فقد آن الأوان لوقف صوت الرصاص، والاستماع لصوت العقل والحكمة وتحكيم السياسة، لنوقى أهلنا مصائب الحروب وأهوالها.

      التبرير الثالث: أنّ المجاهدين، أو الثوار، يقاتلون عدوا في غاية القوة، ليس لأحدٍ به قِبَل، خاصة بعد أن انضم اليهم الروس، يعينون النظام على البقاء، واستعادة السيطرة على الأرض.

      التبرير الرابع: أن السلاح والعتاد والذخيرة عزيزة نادرة، والمال هو ما تحتاجه الثورة لتتمكن من الاستمرار في القتال، واسقاط النظام، إن احتاجت لذلك القتال.

      التبرير الخامس: إن ساغ أن نتحدث عن شرعة الإسلام، فنحن نتحدث بالسماحة والعفو واللين والموادعة والتيسير والمرونة .. نحن الثوار الذين حملنا السلاح! كما أننا تحت ظروف الاضطرار والإكراه، للأوضاع والأسباب التي ذكرنا، والمضطر يجوز له حتى النطق بكلمة الكفر.

      وبناء على هذه التبريرات، تنعقد الموتمرات، وتوقع القرارات، وتقام المحادثات، مع من؟ مع النظام، بترتيب الحكومات الخليجية، ربائب الغرب وعملائه. ذات الحكومات التي دعمت السيسي في مصر

      • يقتل ويعتقل ويشرد ويغتصب عشرات الآلاف من غير المقاتلين
      • دعمته بالبلايين
      • في رابعة والنهضة ورمسيس وحلوان
      • دعمته بالبلايين، لقتل الإخوان المسلمين!

      تلك هي نفس الحكومات التي اعتقلت العلماء من أبنائها، ممن نطق ضد طغيانها وطواغيتها، بالكتاب والسنة!!

      قلنا:

      نقض الأول: إن الغاية ليست، ولم تكن أبداً، مجرد إسقاط النظام النصيريّ، لا في مصر ولا في الشام، ولا في ليبيا ولا في اليمن. الغاية العليا هي إقامة دولة مركزية إسلامية، تحكم قرارها، وتحمى نفسها، تقوم على بقايا نظام مبارك أو القذافي، أو بشار. دولة ليست كلعبة البغدادي، المحصور في محلين خُصصا له، ليقضي على رؤوس السنة ويضعفها قدر المستطاع، ثم يطاح به وتجز رقبته على يد من مهّد له وهيأ مملكته لحين.

      إن غاية فصائل الجهاد الصرفة، كانت، ولا زالت كما هي، إقامة تلك الدولة. أما عن بقية الفصائل، فقد اختلطت أغراضها وتعددت أهدافها، ودخل فيها الغرض الشخصي والمجد الذاتي، والكسب والنفع، فلم تعد خالصة لوجه الله.

      فإن سأل سائل كيف محصت النوايا واطلعت على القلوب؟ قلنا، لا حاجة بنا لشق القلوب، فإنما جاء ذلك فيمن وقع منه فعل مفرد، يدل على صلاح، فلا يُقبل منه، كما في حديث أسامة الذي رواه البخاري، فتعديته إلى كلّ فعل، في أية مناسبة يحتاج إلى دليل مقارن، إذ الأصل أنّ النية محلها القلب، وأن "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردٌ" رواه مسلم. ولسنا بصدد المناقشة الشرعية التفصيلية كما وعدنا. فإن ظهر لنا من يتمحك بدول عرفنا تاريخها، وبلونا أمرها، عقوداً متطاولة، فالأمر هنا ليس بأمر نيات، بل هو أمر هواجس وأوهام، لا تعاند حقائق قائمات.

      ولو أن الغاية هي إسقاط نظام بشار، فما البديل المتوقع، إن لم يكن حكما إسلاميا سنيا صرفاً، إذن؟ أهو حكومة علمانية كفرية (مدنية) كحكومة السيسي والسبسي ومبارك؟ بئس الهدف هذا؟ أتستبدلون كفراً بكفر؟ أم عادت لديكم الدولة العلمانية المدنية مسوغة مقبولة بتأويلات شياطينكم؟

      لو أنّ تلك هي الغاية، لقلنا إنكم أكبر إجراما من بشار، ومن هتلر، ومن كافة طواغيت الدنيا، مع عبط ودهالة، إذ تستبدلون المثلين بعضهما ببعض، بسفك كلّ ذلك الدم والتدمير. بئست الغاية وخاب المقصد.

      نقض الثاني: نقول نعم، هذا دليل ضدكم لا معكم. أفبعد أن استشهد وعُذب وتشرد ونزح كل هذا الجمع، تلقون سلاحكم اليوم تحت أقدام تلك الحكومات وعلى أعتاب أبواب السلاطين؟ أفي يدكم أنتم أن تُسقطوا هذه الحقوق، وتهدروا هذه الدماء؟ وما كان الغرض منها إذن؟

      قد وصلت الثورة المسلحة إلى نقطة مباركة، تراجع فيها النظام حتى استنجد بالروس، فهل يصلح أن نتنازل عن هذه المكاسب كلها، ونضحي بكل تلك التحديات، ونحن على شفا الوصول لما نبتغيه، بإذن الله.

      العمل المسلح في سوريا قد آتى أكله ولا شك، فسلاح النصيرية قد تغذت به المجاهدون، كما ذكر الشيخ الجولانيّ، وخرجت النصيرية من غالب أرض الشام، وهذا من بركة تلك الدماء الذكية الطاهرة التي غذتها أرض الجهاد الشامية.

      الواجب على أيّ محنّك عسكريّ، مؤمناً كان أو غير مؤمن، أن يستغل هذا التقدم وهذا الزخم، بل إنّ هذا الدم المراق هو أكبر دافع للقوة العسكرية لتحقق انتصارات أكبر، كما يحقق جيش الفتح، وجبهة النصرة والأحرار، لا أن تنسحب من الميدان، وتترك خلفك كلّ تلك الأشلاء وكأنها لم تكن.

      نقض الثالث: نقول، أو لم تتوقع الفصائل التي دخلت الحرب المسلحة ضد النظام أن ستقوم عليها الدنيا ثم لا تقعد؟ ألم يكن لهم في طالبان وفي غيرها درس لما يحدث حين يتعلق الأمر بإسلام وشريعة؟

      ثم، ها أنتم تقفون في وجه التحالف الأمريكيّ الرافضي منذ أربعة سنوات، وهاهي مكاسبكم على الأرض، سواء الإسلاميون منكم أو العلمانيون، فما الذي حدث اليوم؟ تدخل الطيران الروسي بشراسة، فضرب السنة، وتعاون مع الحرورية لأجل النفط، لكنه لن يغامر بجند على الأرض، بعد درس أفغانستان، كما قصّرت أمريكا عن التدخل البريّ بعد درس العراق. وكان الطريق هو استخدام من هم يبغون السلطة بعد بشار، ضد القوى المسلمة، من خلال مؤتمرات الخيانة المتدثرة بالرأفة والسماحة.

      نقض الرابع: السلاح والعتاد متوافر، وإلا فبم تقاتلون كلّ تلك السنوات؟ والمال متوافر، فأرض الشام أرضكم، تأكلون من خيراتها، وتشربون من أنهارها، فماذا يفعل الدولار؟ أيحتاج هذا لشق القلب ليعرف الفَطِنْ ما الغرض من الدولارات والريالات؟ ثم أليست بقية الفصائل التي لم تقع في مصيدة الدعم والمعونة، في نفس الظروف المادية؟

      ثم ما حاجتكم للسلاح والمال، إن كنتم ستحاورون النظام، وتقبلون بالحل السلميّ؟ من ستقاتلون؟ تنظيم الدولة؟ الإرهاب؟ من يخالفون في الحلّ السلميّ؟

      من يحمل السلاح بعد التفاوض والرضا بالدولة المدنية، والمرحلة الانتقالية، فسيحمله ضد مخالفيه، بكل أشكالهم. أهذه خطة المؤتمر لما بعد التصديق على الدولة المدنية، والمال لهذا الغرض؟

      نقض الخامس: الإسلام، ورحمته ومرونته ووسطيته، واعتبار المصالح والمفاسد، وما إلى ذلك من متشابهات، كلها لا تنطبق على الحال الموجود في الشام اليوم، إلا في حدود جزيئة محكومة بإطار التطبيق.

      وقد بيّنا أن الرحمة بأهل الشام، ليست في إضاعة تضحياتهم ودماء شهدائهم بعد أربعة سنين من الجهاد.

      والمصالح التي يتحدثون عنها هي ما ذكرنا تحت عنوان التبريرات السابقة كلها.

      والمرونة لا تعنى استسلاما وخضوعا لقرارات دول معروفة الحال، وقد فصلنا في نقطة المرونة السياسة في مقال منفصل[3].

       أمّا عن الإكراه والاضطرار، فقد والله أبعدتم النجعة شرعا وواقعاً. فأولا، لا يثبت اضطرار إلا إن عدمت كل الوسائل الاخرى المتاحة، كانعدام الماء في الصحراء. اما الإكراه، فيجب أن يكون إكراها ملجئا حتى يبرر به "فعل الكفر" لا مجرد النطق به، فليس فعل الكفر مسموح به تحت أي وضع كان.

      فإن قلتم: لكنّ الاضطرار الذي تتحدث عنه، من حيث وجوبه في الضرورة هو في حق الفرد، ولكنه في حق الجماعة والجم الغفير من الناس يكن على مستوى الحاجة الملحة، وهو قول الأصوليين؟

      قلنا: نعم، إن لم يتيسر للجمع أو الجماعة، أو الشعب خيار بديل، أو لم يثبت خيار بديل. وها هي النصرة تموّل ذاتيا في الأغلب الأعم، وها هي تحصل على سلاحها، وها هي تقاتل، وتنتصر. فأين الحاجة الملحّة؟ ومن وكّلكم بتحديد ما يريده الشعب؟ أيريد الشعب الاستسلام اليوم بعدما ضحى كلّ هذه التضحيات؟

      والله لو تم ما أرادت الدول الراعية للخيانة، وبرز نظامٌ علماني (مدنيّ)، فإن أول ما سيكون هو تجريدكم من سلاحكم، وتعيين قيادات عسكرية بديلة، ثم اعتقالكم واحداً تلو الأخر، ثم إعدامكم بأي حجة يرونها. لن يشفه لعلوش صلته ووسائط أبيه، ولا للأسعد ما فعل في الميدان. هكذا تعمل هذه الأنظمة إن كنتم لا تعلمون. نظام السيسي، بتعديل بسيط. ثم يبدأ التحكم في الشعب، وتبدأ دورة الفساد والإفساد .. ساعتها، سيكون الناجى منكم عدوا للشعب، وعدوا لله[4].

      أهذا ما يريد المأتمرون؟ أم نسميهم المتآمرون؟

      د طارق عبد الحليم

      15 ديسمبر 2015 – 4 ربيع أول 1437


      [1] راجع على سبيل المثال "أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي" محمد أحمد الراشد، طبعة دار المحراب

      [2]  الاستثناءات من القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية http://www.alukah.net/sharia/1048/85060/ 

      [3] دراسة حول المرونة في السياسة الشرعية .. والوضع الدولي http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-72892.

      [4] كذلك استمع لخطبة الشيخ الفاضل د هاني السباعي " مؤتمر الرياض ومصير المجاهدين بالشام" https://youtu.be/Ug-oNI9CEh4