فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      إلى المشايخ الأحباب وجدي غنيم، محمد عبد المقصود، عبد الرزاق المهدي

      فتنة دين أردوغان ...!

      الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه وبعد

      تحدث بعض المشايخ[1] في موضوع دين أردوغان، وحكومته، بعد أن أثيرت هذه القضية من قِبل صبيان المميعة، الذين يسعون للتفاوض وترك الجهاد وإقامة حكومة على نمط حكومته.

      ورغم أنّ هذه القضية، أعنى دين أردوغان، في حدودها الضيقة، ليست قضية تكفير ولا عقيدة، لكن لها انعكاسات خطيرة جداً في مآلاتها، تودى بالعمل الجهاديّ السائر في طريقه حالياً بالشام خاصة.

      ومن هؤلاء المشايخ الشيخ عبد الرزاق المهديّ، والشيخ وجدي غنيم، والشيخ محمد عبد المقصود، بارك الله فيهم جميعاً. ومع حبي وتقديري لهم، فإني أحب الحق، والاستدلال بالشرع أكثر من تقديري لهم، جميعا، ومنهم من هو حبيب لنفسي منذ زمن.

      وقد وضعت بحثاً طويلاً[2]، أتيت فيه على كلّ مسألة تخص هذا الموضوع، وانتهيت إلى نتيحة واضحة فيه، وتوجهت في آخره إلى كلّ من له صلة بالعلم الشرعيّ أن يكتب ردّا علمياً، بعيداً عن العاطفة والعمومات، يردّ ما قدّمت من أدلة شرعية.

      ومع الأسف لم يكتب أحداً كلمة واحدة، يصح أن نسميها علم شرعيّ. فالشيخ وجدي حفظه الله[3] قدّم، على عادته، شريطاً حماسياً، قال فيه أنّ أردوغان، الحاكم المسلم (كررها بالتشديد عليها مرات!)، يفتتح خطبه بآيات القرآن، وأباح الحجاب، وآوى اللاجئين، بل وآواه والإبن صابر مشهور وغيرهما [4]!

      كما قال الشيخ عبد الرزاق، بعد أن اطّلع على بحثي، إنه سيقدم الأدلة والبراهين العلمية على خطئي فيما ذهبت اليه. ولم نر شيئا مكتوباً إلى اليوم، إلا سلسلة من الأشرطة وضعها على صفحته للددو وللشيخ وجدي غنيم، والشيخ محمد عبد المقصود! فهل يا ترى تلك هي الأدلة الدامغة التي وعد بها؟! أدعو الله ألا تكون هي تلك الدوامغ، فإن في هذا إحراج شديد للشيخ، فقد عرفنا الأدلة مستلة من الكتاب والسنة وقواعد الفقه والأصول، لا من حديث داعية، أو صاحب فقه مُحدثٍ، أو شيخ قريب من السلطان كالددو.

      وأما الشيخ عبد المقصود، فقد قال أنّ الشريعة لا يُطالب بها أردوغان كرة واحدة، لكن على التدريج! ثم رمى من يقول بغير ذلك بالسطحية والسخف والتخلّف! ولا ننسى أن الشيخ عبد المقصود نفسه، هو من نافح عن المجلس العسكريّ يوما ما، وقد هاجمته وقتها بشدة، فكانت أقواله نفس ما يقول اليوم .. التدرج..! وهاجم أنصار الشيخ صلاح أبو اسماعيل، ورماهم بالهوس! وقد كتبت رداً عليه وقتها[5]. فالشيخ عبد المقصود ليس جديداً على الإفتاء بخطأ وعدم تقدير المناطات السياسية. ثم كتبت متابعة لما قال بشأن البرلمانات الديموقراطية في ظل الحكم العلماني، مقالا قرأه أكثر من ستة عشر ألف قارئ[6].

      وكان مما أورد في حلقته الجديدة عن أردوغان، إنّ الرجل يجب أن يتدرج في تطبيق التشريع، وأنه قد قدّم ثلاث خطوات، إباحة الحجاب، اللغة العربية، والمصارف الإسلامية! كما شبّه أهل تركيا بأهل الفترات، الذين لم يأتهم نبيّ بعد!

      ولا أدرى ماذا أقول، فإن كان هذا فقها، فهنيئا لابن قدامة والسرخسي وابن عابدين وأضرابهم أن اختارهم الله قبل أن يسمعوا بهذا اللون من الفقه، أي والله!

      أقول وبالله التوفيق، إن منع الضرر مقدّم على جلب المنفعة، إجماعاً، ويقول سبحانه "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله" فقدّم الكفر بالطاغوت. وكلّ ما ذكر الشيخ عبد المقصود ليس فيه منع ضرر واحد، فهو لم يحرّم العري ولا الدعارة، بل أجاز قوانينهما مرات في برلمانه، لكنه سمح للمرأة بالحجاب، الأمر الذي نراه في كلّ الدول النصرانية، إلى يومنا هذا! ولم يمنع الربا، بل سمح ببنوك إسلامية، وهي في كافة الدول العربية وفي انجلترا! التي تحكمها العلمانية. وسمح بتدريس اللغة العربية. ثم إنه شرّع ترك انفس بالنفس، فما التدرج في هذا؟ ثم سمح لطائرات أمريكا أن تضرب داعش، التي قد يراها البعض من المجاهدي رغم إعجابه بأردوغان! وضرب بقية مجاهدي السنة، بل وفي أفغانستان من قبل!

      هذا الخلط في تصرفات أردوغان من أثر نشأته كصوفيّ يحب "الإسلام" الذي هو بالنسبة اليه "الشعائر" وعلى رأسها قراءة القرآن مثلا، فلا غرابة أن يسمح بالعربية، لكنّ الرجل قد جعلها واضحة جليّة مرات، حتى في البرلمان المصريّ، يوم زاره إبان حكم محمد مرسي، حيث صرّح بأن تبني العلمانية هي الحل، ووقع وقتها الإخوان في حيص بيص، ولم يجدوا ما يقولوا! فالشعائر عند أردوغان هي الإسلام، لا أكثر ولا أقل، أمّا الشرائع فلا محل لها، إذ هي خلط بين الدين والسياسة، وهو ما صرّح به مراراً.

      أما مصيبة أن أهل تركيا "أهل فترة"، فنحن والله أقرب للسنة من هذا الإدّعاء، فقد وقع الشيخ في مأزقٍ ليخرج من مأزق. نحن نعتبر شعب تركياً شعباً مسلماً استصحاباً للأصل، وهذا لا ينطق على حاكم متمكن، لا شبهة للإكراه عليه، كما بيّنت في بحثي بالتفصيل. أمّا أهل الفترة، فهذا تشبيه خطير جداً، إذ من العلماء من قال إنهم كفّأر، كعلامة المغرب ومحدثها عمر ابن عبد البر وغيره، وكما قال صلى الله عليه وسلم "أبي وأباك في النار" رواه مُسلم[7]، وأعلّ حديث الفترة، وقد فصّلت في هذا في كتابي "الجواب المفيد". وللأسف لم أجد للشيخ عبد المقصود كتاباً واحداً أتبين منه أصوله في الفقه وفي أصول الفقه! ثم إن شعب تركيا لا ينطبق عليهم توصيف "أهل الفترة" م حيث قالت العلماء الذين أخذوا بالحديث إنهم بين نبيين، أو لم يسمعوا بنبي الإسلام قط، فأي الحالين يرى الشيخ عبد المقصود أن شعب تركيا يقع تحتها؟!

      ولا ننسى أنّ الشيخ عبد المقصود قد طالب الشيخ حازم أبو اسماعيل بوضع جدول زمني لتطبيق الشريعة، طشؤطٍ لمناصرته! سبحان الله، أعجز عن وصف هذا الفعل .. 

      أمّا الشيخ وجدي، فهو حبيب وأخ وصديق، والشيخ داعية مُفَوّه، وأمر الحكم على الأشخاص لا يحتاج أن يؤتى فيه بخطابة أو حماس، بل تحقيق فقهيّ عالٍ. وكان مما قال في أسباب حكمه على أردوغان، أضعف حجة مما قال عبد المقصود.

      هؤلاء المشايخ، يبررون لأردوغان بما لم يبرره هو لنفسه ولا ادّعاه! والله عجيب أن يتحملوا وزر هذا على أكتافهم حماية لأكتاف غيرهم ممن يصرّح بالعلمانية، دون مواربة!

      وقد عرفت بعض المشايخ ممن هم في الإخوان أولاً، ومحبي لداعش ثانيا ومناصرين لحكم أردوغان ثالثا! ثلاثة متناقضات لا أرى كيف يجتمعن في قلب شيخٍ واحد، إلا التناقض الغريب. وكلّ ابن آدم خطّاء، والله المستعان.

      أمّا الشيخ عبد الرزاق، فأحمّله ما وعد، فالاحتماء خلف تلك الأشرطة، والإيحاء بأنها ردّ علميّ شرعيّ، لن يخيل على أحد، ولا أحسبه إلا عند كلمته في إخراج توضيح علميّ بيّن.

      ولو أردت أن أطيل في الرد هنا لسوّدت مجلداً، لكني أتوجه لكل هؤلاء المشايخ الأجلاء بتحديهم جميعا، معا أن يتقدموا ببحث مكتوب، بأدلة شرعية اضحة على ما زعموا أنه حكم فقهيّ صحيح، وأن مخالفه معتوه ومتخلف وسطحيّ.

      د طارق عبد الحليم

      27 مارس 2017 – 29 جماد ثان 1438


      [1] ولمّا خرجت هذه الأشرطة في العلن، وجب أن أردّ عليها في العلن، حقّا للبيان ودرأ للمفسدة المترتبة على السكوت أو النصح في السر! ولعلها لا تفسد للودّ قضية.

      [2]  http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-73053 أردوغان بين العلمانية والإسلام

      [3]  https://web.telegram.org/#/im?p=s1086900017_10650658209653743275

      [4] (بعد أن أخرجتهم قطر، خاضعةً للنفوذ السعوديّ)

      [5] عبد المقصود: أنصار أبو إسماعيل يمارسون إرهابا فكريا.. ويصنعون منه طاغية!

      قال الشيخ محمد عبد المقصود، الداعية السلفي، أن أنصار الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، المرشح لرئاسة الجمهورية، يمارسون إرهابا فكريا، ويصنعون من مرشحهم طاغية جديدا، مضيفا: عايشين حالة هوس!

      http://www.dostorasly.com/news/view.aspx?cdate=11042012&id=7b839c0c-72b3-49c9-a58b-55debf280a93

      .. ونسارع بالقول .. لو أنّ الوفد تضع هذا الكلام على لسان الرجل، فليسارع بتكذيبه .. فإن سكت عنه فهو صحيح النسبة اليه..

      ونحن نطالب الرجل بالنفي أو الإثبات أو الإيضاح

       http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-40897

      يا فقيه مصر وعالمها ..!

      ما علاقة حب الناس لرجل صادقٍ قويّ، غير متخاذل ولا متهاون في حق الله، بجعله طاغية؟

      ..... أتصف الناس من محبى الحق والصدق بالهوس؟ إذن تحمّل ما يصفونك به يا شيخ السلفية!

      استغفر الله العظيم .. من الخذلان

      [6] http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-30570

      [7] راجع شرح مسلم – باب اإيمان، وتأمل عنوان الباب، وهو عين ما كر ابن القيّم في زاد المعاد.