فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حوار على حوار .. مع الشيخ الجليل عبد المجيد الشاذلي رحمه الله تعالى

      قرأت حوارا نشره أخ على قناة تليجرامية، جمع فيه بعض كلمات نسبها للشيخ الجليل وأخي الحبيب عبد المجيد الشاذليّ رحمه الله، مداره أنّ مناط الكفر في الحكم بغير ما أنزل الله هو الإعراض عن دين الله، والحكام مثل مرسي ليسوا معرضين عن دين الله، لأسباب أنهم مقبلون عليه من حيث ورثوه ولم ينشؤوه، ومن حيث إنهم مكرهون مستضعفون بشكل ما، وهذا عارض أهلية يجعلهم لا يقعون في كفر أصلاً. http://alshazly.info/node/274

       وقد عاشرت الشيخ الشاذلي سنوات، وحاورته كثيرا، أكثر مما يعتقد بعض طلبته المحدثين، ويمكنني أن أقرر بكل اطمئنان أنّ هذا، إن ثبت عنه، تغيير في خطه الفكريّ، ظهر عليه مؤخراً، لم يكن وجهته أبدا يوم كتب "حدّ الإسلام". وسأتعامل مع ما ورد على أنه من كلام الشيخ تحسينا بالظن فيمن نشره. 

      ولا أنعي على الشيخ، ولا على غيره تغيير رأي أو مذهب، إن صحّ ما نًسب اليه، فهذا أمرٌ من طبيعة البشر، لكن ما أوجه اليه النظر أن الشيخ يكون بهذا قد خرج عن خطه الأصلي السديد، وظهرت في فكره بقع ناعمة لعلها من أملٍ تجدد مع حكم محمد مرسي، كما تمنينا، بل أجزم أنّ هذا هو السبب فيما حدث من تغير في منهجه.

      المهم، أن هذا التغيّر لم يكن في الوجهة الصحيحة بشكل تام .. لكن رؤية ذلك تحتاج متخصصاً ليكشفه، لا تلميذا أو تابعاً أو محباً يؤيده ولا يرى سواه!

      والحق إنني لا أعرف كيف فرّق الشيخ بين نوعيّ الإعراض، المبتدئ والمستمر، أي من أنشأ قانونا، ومن وجده فلم يعترض عليه – وهو في موقع الحاكم – بل قد يُنشأ، هو بنفسه، قوانين جديدة تُعتبر امتداداً للسابقة، والمثال حيّ في التجربة الأردوغانية، حيث تكلم أردوغان بأمور إسلامية، ثم أعلن ولاءه للعلمانية، وشرّع فوانين إباحة الخمور واللواط والدعارة ورفع عقوبة الإعدام، ليكتسب الدخول في السوق الأوروبية، التي منعوه منها على أية حال! وهذه التفرقة لا تصح عقلا ولا شرعا إلا أن تكون استثناءً بوجود عارض من العوارض الأهلية، كما أشار الشيخ. فهي ليست أصلاً على الإطلاق.

      ومسألة الاحتجاج بالعوارض مسألة شاقة عسيرة، خاصة في حالة الجماعة لا الفرد. فإن ضبطها في حال الفرد أيسر كثيرا، سواء كانت جهلا أو إكراهاً. وهي ترتبط بأمور "غير ظاهرة، في الحالتين، الفرد والجماعة "، وإن ذكر الشيخ غير ذلك. إذ في مسألة جهل الفرد مثلا فإنه يكون على أصل دينه حتى يتحقق من أراد الاستثناء بها من انتشار العلم بالمسألة، وأنها من المعلوم من الدين بالضرورة، وغير ذلك من شروط وموانع، وإن قيل أن عمله كفرٌ لكنه لم يكفر عينا بذلك لاعتبار العارض.

      لكن، هل ذلك الأمر متعبرٌ في حالة الجماعة، جهلا وإكراهاً؟ وما هي صورة الإكراه الملجئ في حالة الحاكم؟ وكيف يظهر توجه الحاكم إلى استبدال القوانين الوضعية بالشرعية، إن لم يصرّح بذلك، بل إن كانت تصريحاته قبل الولاية تخالف ذلك من رضا بالديموقراطية وحكم الشعب وأنّ الحدود ليست من الفقه! وأن المسيحية هي صنو الإسلام بلا فرق، وأن المواطنة هي الأصل! أيّ ظاهر يمكن أن يكون أوضح من ذلك على ما في باطن الحاكم، حتى في حالة الإعراض الناشئ عن الاستمرار؟

      وأظن أن الأمر قد التبس على الشيخ، إن صح ما نُسب اليه، في موضوع المناطات. فقد نظر إلى مناط ممكن، وإن لم يكن واقعا، فجعله ممكن وواقع معا، وطبقه على حالة د محمد مرسي. والحقيقة أن مناط محمد مرسي، كحاكم، مناط مخصوص. فالرجل قد ظهر منه، بالفعل، خلافا لمكتب الإرشاد، ومتابعة لأصله الريفيّ المتدين، غير ما ذكره في أقوال علنية قبل الرئاسة، ، وغير ما هو من قواعد الإخوان بالفعل، حتى يومنا هذا وهو ما وقف ضده الشيخ، ومن قبله شيخه سيد قطب رحمهما الله، في الستينيات، أمام الهضيبي وجماعته. وهو تاريخ معروف.

      والإخوان يُطْبِقون على ما ذكرنا من رضا بالديموقراطية وحكم الشعب وأنّ الحدود ليست من الفقه! وأن المسيحية هي صنو الإسلام بلا فرق، وأن المواطنة هي الأصل، وأنّ التشريعات الاجتماعية هي أمور شخصية لا ملزمة، وغير ذلك من ترهات القول، التي داوموا على ذكرها، ظاهراً لا باطناً، التي رأينا أثرها على تصرفات سعد الكتاتني، الذي لولا بقية من حياء، لأعلن فصل الدين عن الدولة رسميا.

      فأن يأتي فرد، أيا من كان، فيدعى أن هذا المناط هو ليس مناط كفرٍ أصلاً، ولم يقع صاحبه، ممن في سدّة الحكم في كفرٍ ابتداءً، وأنّ التأويل الذي حملنا عليه أقوال الإخوان، بما شُبّه عليهم من قول ابن عباس وأبي مجلز، واعتقاد أن الكفر لا يكون إلا بالمقاصد، وأن الكفر بالوسائل يقع وإن صح أن يُدفع إما بتأويل أو باستثناء ثابت، فهذا سخفٌ لا يجب الالتفات اليه.

      أمّا موضوع الإكراه، فقد بيّنا تفاصيله في بحثنا المفصّل عن أردوغان[1]. ومن منطلق ذلك البحث نرى أن موضوع إثبات إكراه الحاكم ليس بهذه البساطة، بل عبء إثبات الإكراه يقع على المُدّعى عليه، إذ الظاهر يخالفه، والقرائن تصطفّ ضده، وهو استثناء بعارض، وهي أبسط أصول إقامة الدعوى.

      وهذا المناط الذي تحدّث عنه الشيخ رحمه الله، ممكن الوقوع في حالة وصول "الإسلاميين" إلى الحكم، من أصحاب السنة والجماعة، لا من الإخوان. فإن الفرق هائل بينهما. وظاهر أقوال ومعتقدات الإخوان لا تجعل مجالاً لقرينة ولا غيرها، ولا تدع محلاً لدعوى إكراه، فلا لزوم لها ابتداءً، بل أبعد ما يكن أن نذهب اليه في إعذارهم هو التأويل. أمّا أن يُقال هم لم يفعلوا كفراً أصلاً، فها تحريف لدين الله ولقواعد الشرع، التي أحسن الشيخ أيّما إحسان في بيانها من قبل واستفاض عنه معناها.

      والشبهة التي تراءت للشيخ هنا هي وجود الدولة العميقة، وعدم سيطرة د مرسي على مقاليد الحكم حقاً. وهو صحيح، إلا أننا نرجع خطوات قبل ذلك، إلى ما تقرر من عقيدة الإخوان أصلا، فلا يعود لما يأتي بعد ذلك كبير أثر في التقييم.

      هذه كلمات قليلات تضع أمر الحوار في موضعه الصحيح.

      والله الموفق.

      د طارق عبد الحليم      25 مارس 2017 – 27 جماد ثان 1438

      [1] http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-73053

      ملحق: 

      عرفت الشيخ الشاذلي منذ منتصف السبعينيات، معرفة خاصة وثيقة، وتدارسنا وقضينا أياما وليالٍ متواصلة في مناقشات ومحاورات حول كلّ أمر، خاصة في موضوع التوحيد، الذي تولى ريادته وتأصيله وبيانه بما لا يُلحق فيه، بعد الشيخ سيد حتى جيلي، مو أبناء جيل الأربعينيات .. فيمكن أن أقرر أن منهج الشيخ هو خاصة منهج السنة والجماعة في أصفى صورها .. لكن .. ييجب أن ننظر إلى حال امسؤول عنه حين ورد عنه ما قيل إنه قد جاء به .. فغقد كان الشيخ في أخريات عمره في حاللة ذهنية غير صافية بالمرة، وقد قابلته قي الإسكندرية ببيته في عام 2012، بعد أن باعدت بيننا الطروف عقدين أو أكثر، رغم تواصل تليفوني متباعد أحيانا، فرأيته غير الرجل الذي عرفته من قبل! وسبحان الله، كان قد فقد كثيرا مما تميّز به من حدة النظر وثقابته وسرعة البديهة الفائقة التي عرفناها فيه، مع بعض الاضطراب في تناسق الأفكار، فقد ثقل عليه المرض كثيرا وقتها، وثقل سمعه. وقد رأيت من حوله رجالاً لم أرتح إليهم كثيراً، وإن لم يظهر منهم ما يؤذيني لمعرفتهم بمنزلتي لدى الشيخ. 

      أقول، كما علمنا في علم المصطلح وعلم الرجال، فإن ما يُنسب إليه في تلك الحالة يجب أن يُغض الطرف عنه، ولا يؤاخذ عليه، فهذه ليست حالته التي عاش عليها وسجن وعذّب عليها أبداً. ولا يمكن أن نقول أن السجن قد أثر عليه، كما في حالة الجماعة الإسلامية المنتكسة المرتكسة، لأنه أخرج حدّ الإسلام وغيره بعد السجن، وقد عاشرناه بعد السجن. 

      على كلّ حال، فإني قد كتبت مقالاً أرد فيه على ما "قيل" إنه ذكره عن موضوع الديموقراطية .. 

      أما عن الكتاب الذي نشر بعد وفاته "الحكومة الإسلامية" فأجزم أنه ليس من وضع الشيخ، بل هو من وضع أحد ممن كانوا حوله .. لسببين، أن أسلوبه مغاير تمام المغايرة لأسلوب الشيخ، وثانيا لأنه صدر عام 2012، وقد لقيته في بيته ولم يذكر لي شيئا عنه، وقد كان رحمه الله يقول لمن حوله أن "طارق هو عقلي وأحمد عبد السميع هو قلبي" رحمه الله تعالى، فلا يمكن أن يكون على وشك إصدار كتاب ولا يتفوه عنه بكلمة .. ثم إن من يسمع كلمته في ساعة دفن الشيخ رفاعي سرور رحمه الله يعلم اتجاه الشيخ دون مواربة، ويعلم موقفه من الديموقراطية والإخوانية البغيضة.. كذلك فإن هناك مقال في آخر الكتاب للشيخ محمد العبدة ص 227 بعوان "المستقبل كما ينبغي أن يكون" وسبحان الله، فإنه من المستحيل أن يوافق الشيخ على وضع مقال لآخر في كتابه!! ولا يوافق على ذلك كاتب أبداً!! ثم إن الشيخ لم يكن يعرف محمد العبدة أبدا، الذي عاشرته شيخصيا في عمان أيام مذبحة حماة في أوائل الثمانينيات ثم في انجلترا حين عملنا على إنشاء البيان .. فيد الشيخ العبدة وراء من صنف هذا الكتاب وهو على وجه القطع ليس كتاب الشيخ الشاذلي ... 

      والجعبة تحمل الكثير .. والله من وراء القصد

      11 يناير 2022 - 18 جمادي الثاني 1443