فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حديث عن المنهج والمناهجة تعقيبا على تغريدات د مظهر الويس

       

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله صحبه وبعد

      قرأت ما كتب الإبن د الويس عن ‏#من_هم_المناهجة ، وهو كلام طيب، لي عليه تعقيب، فإن الله سبحانه قال "لكلّ جعلنا منكم شرعة (أي أحكاما تفصيلية) ومنهاجاً (التوحيد، أو طريق التطبيق)"، فالمنهاج أصل في ديننا، لكن كيفية التعامل به ومعه هي المشكلة، فبدون منهج، يكون الأمر فوضي، كما إنه لو كان منهجا متحجرا وضعه شيخ نرجسيّ لكان مشكلة أكبر. فرفض المنهجية بإطلاق خطأ، وفرض لون منها بعينه خطأ. وهناك محور لمنهج أهل السنة والجماعة وهناط دائرة تضم أهل السنة. فأعل السنة الخاصة هم من تمسك بما عليه السلف لا يحيد عنه، عقيدة وسبيلا في النظر والاستنباط، ومنهم من جمعته داءرة السنة العامة، بما فيه من بعض انحراف كالأشاعرة، ثم يأتي أهل البدع الكلية كالخوارج والمعتزلة والمرجئة.

      والمنهج، الذي عجز أو تأخر كلّ من كتب على ذلك المصطلح من قبل، قد يعنى أمورا ثلاثة: منهج العقيدة السنية التي محورها التوحيد ربوبية وألوهية، ومنهج النظر والاستدلال، بمعنة الأصول العامة للنظر واعتبار الأدلة الشرعية التي أجمعوا عليها، واعتبار القياس منها، ومنهج التعامل مع الواقع، وهو ما أظن أن اختلاف هؤلاء يدور حوله، دون أن يدركوا ذلك.

      وكعادتي، سأسمي الناس بأسمائهم، لا أجد في ذلك غضاضة أبداً.

      والمشكلة هنا هي أن من قصد بهم د الويس (على ما أحسب) المناهجة، وهم البرقاوي ومن تبعه، قد تجافوا عن المنهج العلمي، وأقصد به العلم الطبيعيّ لا الشرعيّ، من حيث أنّ منهم، كالبرقاوي، من لم يتجاوز الثانوية في الدراسة. وهذا القصور، كما بينت من قبل، يسبب خللا كبيراً في تناول المسائل الشرعي، فكلا تبنى على قواعد أصيلة واحدة. ود الويس حين هاجم من هاجم من المناهجة، فقد توسع في شبكة نقده، لتشمل كلّ من تحلى بمنهج، وهذا أمر خطير لا أظن أنه يقصده، فكان عليه تبيان قصده.

      ولنعتبر هذا القانون: المسألة حين تتعدد عوامل نشأتها، وتكون ظاهرة مبنية على تعدد العوامل، لا فردية السبب، فإن سببها مركّب من نسب مختلفة من العوامل المشاركة فيها، بنسب تتراوح بين 1% و 99%. ومن ثم فعلى الناظر في المسألة أن يعتبر هذه التعددية وأن يبيّن ما يقصد ودرجة الخطأ فيه.

      فالدكتور الويس حمل كلمة المنهج على أنها تشمل الثلاثة أنواع التي ذكرنا، دون تفصيل. أمّا البرقاوي ومن تبعه، لضعف القدرة في فنّ البحث العلمي وقوانينه، جعل سوء التصرف في منهج التعامل الواقعيّ مُسَبّبَاّ ونتيجة لخلل منهج التوحيد، فكفّر من كفّر، وفسّق من فسق، دون تمييز، لعامل الخلل في منهج الاستدلال، مثل عامل التأويل، أو الاختلاط في النيات في باب المعاملات. وهذا كما ذكرنا نتيجة ضعف النظر العلميّ قبل النظر الشرعيّ. ومن ثم تجده ومن معه، يكثر الاستثناء، ويستخدم ألفاظ الاحتمال أكثر مما ينبغي لمن يسير على منهج بحث علميّ سديد.

      ثم إذا نظرنا لكلمات د الويس بهذا المنظار، قلنا:

      المنهاجة ليسوا باللازم من القاعدة، هذا تلازم لا يلزم. لكن أحسب ذلك التنظيم من أهل السنة الخاصة، ممن يخطئون ويصيبون، سواء في النظر والاستدلال أو في تقييم بعض الواقع.

      ثم لا أرى القاعدة تمتنع عن تدريس التوحيد كمنهج بأي حال من الأحوال، حكماً وولاءً وبراء! إنما قد يقصد ما يترتب عليه "في الواقع"، وهذا مرة أخرى من لزوم المنهج، لا من المنهج.

      ولا شك أن رمي المخالف بالكفر أو البدعة أو الغفلة، قد يصح وقد يكون تجنيا وافتئاتاً، إذ يجب أن يكون مبني على دليل واضح مُحرر ومقرر، مع بيان مجال المخالفة، أي في أي منهج هي. فإن بعض "المناهجة" يخلطون بين الولاء المطلق ومطلق الولاء، ولا يفصّلون في أشكال التعاون مع الكفار، إلا إذا ضغطت عليه في طلب التفصيل، لجئوا إلى كلمات الاحتمال والإمكانية و..و.. الخ. وقد دونت مقالا في تفصيل هذا الأمر[1].

      لكن المخالف، إن تعدى على الولاء المطلق، ولم تكن له شبهة أو تأويل سائغ، ولو مرجوحا، ولم يكن في موضع يمكن فيه اختلاط النية كفعل ظاهر لا باطن، فهذا كفر بلا شك. ولا أظن أن د الويس، ولا غير د الويس يمكنه الاعتراض على هذا، إلا مرجئ خبيث، أو عالم سلطان عميل.

      وأضرب مثالاً بموضوع التفاوض مع العدو تحت هذه الظروف، والتلاعب بنتائج المؤتمرات المدبرة والمدارة من قبل الروس والترك. فإن هذا بلا شك عند كل عالم، أو صاحب علم، أو طالب علم، من الأمور التي تخيب مساعيها بدليل العقل والنقل والواقع. وليس هنا محل بيان هذا، لكن أظنه معروفا من عشرات السوابق في هذا المجال. أمّا أن يكون مسوغا للتكفير، فهذا يحتاج إلى بينة أكبر من مجرد الجلوس على طاولة المفاوضات.

      ثمّ إن الحقّ ليس موقوفا على شيخ أو جماعة، مناهجة أو غير مناهجة، لكن أن يُترك الأمر مفتوحاً لاجتهادات من هم ليسوا في مستوى الاجتهاد، لا علما، ولا سابقة، ولا تجربة وسنّاً، بدعوى أنّ الحق ليس حكراً على أحد، فهذا عبثٌ وبلاء، إذ هو ساقطٌ بمجرد تطبيق نظرية الاحتمالات في أبسط صورها.

      د طارق عبدالحليم 10 فبراير 2017 - 12 جماد أول 1438

      [1]  راجع مقالات http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-73000 & http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-72572 & http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-72573