فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أثر الغرب في تشكيل نساء العرب

      إهداء

      إلى من أشرقت فأضاءت الطريق .. ثم غربت فأظلم الطريق وانقطع الرفيق.

      الرجل والمرأة، يتبادلان الأدوار بين المنافع والعواطف. فالرجل لدية رصيد المنافع من المال والأمن ما يرتاح اليه، فتجده باحثا عن العاطفة، مؤثرا لها حين الاختيار. والمرأة لديها رصيد من عاطفة فطرية، تطمئن اليه، فتجدها تجنح للمنفعة حين الاختيار .. قانون النقص والتعويض

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه وبعد

      فقد كتبت منذ حوالي عشرين عاماً مقالات تتناول أحوال المرأة في شرقنا العربيّ، محاولة مني وضع إجابات لأسئلة تعنّ لهن بشأن المرأة والشرع. وقد تناولت أوضاعنا الأسرية الإجتماعية بشكل عام.

      وكان مما تعرضنا له موضوع "درجة الفضل وفضل الدرجة"[1] حيث وَضعتُ على عاتق الرجل مهمة تثبيت قواعد البيت وإرساء العدل والرحمة فيه، من حيث بيّنت أن هذا هو معنى الدرجة التي ميّزه الله بها – درجة الفضل على المرأة، لا العنفوان والسيطرة.

      وقد وعدت أن أبيّن بعضا من واجبات المرأة كذلك، حيث أنّها جناح لا يستغني عنه طائر الزواج إن أراد التحليق لا السقوط. ولكنى انشلغت منذ ساعتها عن إيفاء هذا الغرض حقه[2]. وأحسب أن أول ما يجب أن نبيّـنه للمسلمة الصالحة في هذا العصر، هو معني مصطلحَيّ الصلاح والطاعة، كما جاء بهما الشرع، منزّلاً على واقعنا، لا مستخرجا من قاموس لغويّ.

      فإذا نظرنا إلى "الصلاح" أو بالأخص "المرأة الصالحة"، كما وردت في حديث عبد الله بن عمرو الذي رواه مسلم "الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة"، وما رواه ابن ماجة "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيرا من زوجة صالحة اذا امرها أطاعته وان نظر اليها أسرته، وان أقسم عليها أبرته، وان غاب عنها نصحته في نفسها وماله"، فإننا نجد أن الصلاح جاء مقيداً بوصف الزوجة، فأشار إلى أنّ أحد التأويلات هو "المرأة التي هي صالحة كزوجة"، لا مُطلق الصلاح. فإن مطلق الصلاح مثل التزامها بالصلاة أوالنقاب أو تلاوة القرآن أو التسبيح، هو لها، لا لزوجها، فلا يعود عليه منه نفع. لكن، انظر إلى الأربعة أمثلة التي ذكرها المصطفى في حديث ابن ماجة، كلها تخصّ الزوج وحسن عشرته، وعلى رأسها الطاعة[3].

      وأحسب أنّ الغرب العلمانيّ، حين حطّ بميراثه الثقافيّ في ساحتنا، وأثّر في أوضاعنا الإجتماعية ومفاهيمنا الإسلامية، بشكلٍ جدّ خطير، رغم ما نراه من اتساع انتشار الحجاب أو النقاب بين نساء العرب، قد ترك أثرا أعمق مما تراه العين بمجرد النظر إلى السفور والفجور.

       عاشت المرأة، المتدينة وغير المتدينة، في نفس البيئة، وخضعتا لنفس التأثير الثقافي، فكان أن رفضت المرأة ذات الدين ما ظهر لها من حرامه. لكن هناك من الأمور المزروعة في تربة البيئة، والتي ترويها كل مصادر التغذية الثقافية مثل الإعلام والتعليم والأعراف المستجدة، والتي وجدت لها أساساً في نفس المرأة، متخفياً في ركن مظلم من أرجاء النفسية البشرية، لا يظهر إلا لماماً، ولعين الخبير المدقق. ذلك هو التمرد على السلطة، أيّا كانت، ولو كانت سلطة مفيدة محببة تنفع ولا تؤذي.

      فقد أوهمت الثقافة الحديثة المرأةَ في الغرب، ومن ورائها أخواتها في العالم كله، اللهم إلا اليابان كما أحسب، أنّ طاعة الزوج استغلال وخضوع للسيطرة، كتحكّم السيد في العبد وذلة للمرأة وانتقاص من كرامتها. ثم زاد، في نظر المسلمات منهن، السطو على مفهوم المساواة بين البشر في ميزان الله! وما ذلك إلا بما نشر حكام صهيون في المجتمع الغربيّ منذ منتصف القرن التاسع عشر، بعد الحرب الأهلية الأمريكية، مواكباً للثورة الصناعية في أوروبا، من إعادة منظومة القيم الأخلاقية، بعدما نجحوا في تخريب النصرانية مرتين من قبل، الأولى حين بدلوا الإنجيل على يد بولس (بول) "الرسول"، والثانية لمّا نجحوا في فصل الدين عن الدولة مستغلين الحماقة والإجرام والسطوة البابوية.

      وكان تخريب المنظومة الخلقية ضروريا لإكمال القضاء على ما تبقى من حسّ نصرانيّ أصليّ، وجنى الثمار الإقتصادية بمضاعفة الأيدي العاملة الرخيصة، بإدخال النساء ساحة العمل. وكان ذلك مستلزما لذرع مفاهيم حرية المرأة ومساواتها بالرجل مساواة مطلقة، ومنحها "حقها في التصرف بنفسها وجسدها كما تشاء، إلى آخر من نعرف من قيم "الحضارة" الحديثة اليوم.

      والحق يخالف هذا ويعارضه، شرعا ووضعا، إلا فيما شذّ من النادر الذي ليس له حكم مستقل في الشريعة، كالأزواج المصابين بعقد نفسية أو هستيرية أو من ذوي الخلفية الإجرامية المعروفة.

      طاعة الزوج، كأي حكم شرعيّ أتت به شريعتنا، لها وجهان، عبادي وعاديّ[4].

      فأمّا الجانب العباديّ، فهو التكليف به من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في الكتاب والسنة. والثواب الذي يترتب على هذه الطاعة مثله مثل ما يترتب على أداء أي طاعة لله سبحانه، دون كثير معارضة وتشغيب.

      وأمّا الجانب العاديّ، فهو الذي يسبب ما نرى من مشكلاتٍ في مجتمعنا، تماثل ما نراه في المجتمعات الغربية. فقد رفضت نساء العرب المسلمات موضوع التحرر المطلق، والتحرر الجسدي والجنسيّ، لكن قبلت بعضهن بالسفور من حيث لم تعتبره خروجاً على طاعة الله! ثم شّذت مجموعة فقبلت القيم الثقافية الغربية بكاملها مثل تلك النساء المجرمات كأمينة السعيد.

      والأمر هنا أن الكثيرات، حتى من صاحبات الدين، قد تأثرن بهذه المفاهيم للنخاع. فصارت طاعة الزوج، أي تلبية طلبه ببساطة ودون تململ وتعلل، أمر يعنى التسلط عليها والاستبداد والتحكم وسائر تلك التهم. والحقيقة أنه "طلب لأداء شئ ما، ليس فيه معصية لله"! لكن إضافة بُعد جديد مشتقٍ من كلمة "الطاعة" جعلته مرفوضا نفسياً من النساء عامة، وإن تنقّبت أو تحجبت وحفظت القرآن والصحاح. وجعلت الطاعة في منزل الزوجية مثلها مثل طاعة ولي الأمر، بلا سكن ولا رحمة، كما تراها النساء.

      ولننظر كمّ المصلحة التي تترتب على سماع كلام الله سبحانه، في الدنيا، من حيث أن حكم الله أتى لمصلحة البشر لا لإذلالهم أو أذلالهن. وكيف يكون ذلك وأصل الدين هو التحرر من العبودية للبشر وإرجاعها لله وحده؟! فأداء ما يطلب الزوج دون ململ ولا تعلل، يجعل الزوج راضياً سعيداً، فينعكس هذا على يومه في بيته، وعلى أدائه كزوج يعين في الحياة اليومية. ثم إن الرجل ليستحي أن يُجاب طلبه بسرعة ولباقة، مع ابتسامة راضية، أن يرفض طلباً لزوجه، إلا معدومي الحس والمروءة، وهم، مرة أخرى، من النادر القليل.

      فالمسألة مسألة تبادل مواقف ومنافع، تجعل الحياة أسهل وأحب للطرفين، بلاشك. وهي، من وجهة النظر هذه، براجماتية عملية بحتة، مقصود بها تحقيق مصلحة الكيان الأسري كله.

      لكن إن ثار وسواس العزة والمساواة في نفس المرأة، فتعللت وتململت، ثم تمنعت ورفضت، فهي إذن سحائب ضرّ تتجمع، قد لا يتساقط مطرها ساعتها، لكنها تحمل مخزونها، في انتظار القادم من ريح الخلاف.

      على هذا الأساس يجب أن تنظر المرأة المسلمة لطاعة زوجها، عادة وعبادة. فإني ما أحببت يوما أن أجعلها كأنها عبادة بحتة كالصلاة والصوم، ننصح المرأة بتنفيذها وإلا .. لكن يجب أن ننظر إلى الجزء المعقول منها، وهو المصلحة المترتبة على هذا التصرف من سكينة وهدوء وتواصل بالرحمة المتبادلة وعرفان للجميل. وكم من إمرأة فقدت بيتها وخرّبت حياتها، بتصرفاتها، وهي تظن أنها تحسن صنعاً، وأنها على الحق المبين، وأن الله يبتليها، لا يعاقبها!

      د طارق عبد الحليم

      18 يناير 2017 – 21 ربيع ثان 1438


      [1]    http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-97 . كذلك راجع مقالنا حول نفس النقطة "مقال خارج السرب .." http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-72988

      [2]  بما كان من أحداث تونس ومصر والشام، التي انطفأت شعلتها قبل أن يرى السائر نور الدرب..ولا حول ولا قوة إلا بالله.

      [3]  وأنا أتحدث عن جيل تربى في السبعينيات والثمانينيات، أما الجيل الجديد، جيل القرن الواحد والعشرين، فهم خارج نطاق خبرتي، لا أعرف كيف أتحدث معهم ولا عنهم!

      [4]  ومعنى العاديّ في مصطلح الفقه والأصول ما هو من شؤون الناس، وليس بعبادة خالصة لله كالصلاة والحج والصوم.