الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
كعادة السياسة في زمننا، وفي النظام الديموقراطيّ، حيث يعتمد المرشحون على صوت رجل الشارع الجاهل، الذي تحركه العواطف والمشاعر، حدث ما لم يكن متوقعا على الإطلاق، وفاز ترامب بالرئاسة الأمريكية.
ونحن، كمسلمين، لا يهمنا، بصفة شخصية، من الفائز أو من الخاسر، لو كنا نعيش في عالم ما قبل قرون عدة، أو في عهد الإمبراطورية العثمانية مثلاً. لكنّ عالم اليوم ليس كعالم أمس. وهذا ما عجزت أن تدركه الجماعة المأفونة داعش. كلّ ما يجرى على المسرح العالمي يؤثر على ما نحن فيه من حالة مزرية وتأخرٍ وانحطاط وخسران، في كافة المجالات. وما لم نأخذ هذا في الاعتبار، فسنكون كالأصمّ في حفل غناء، أو كالأعمى في مسابقة رمي بالقوس! لا نعرف ما يدور حولنا، من ثمّ لا نعرف ماذا نفعل.
ترامب شخصية عنصرية أقصى ما تكون العنصرية، متعصب أشد ما يكون التعصب لكلّ ما يمثله شخص "تفوق الرجل الأبيض" White Man Supremacy.، ومتطرف أشد ما يكون التطرف ضد خصومه وأعدائه، وهم كلّ أقلية في بلاده، وكلّ جنس خلاف الرجل الأبيض، وعنيف أشد ما يكون العنف في رؤيته للحلول التي يحتاجها العالم لما يدور من كوارث ومواجهات بين الشرق والغرب.
هذا لا يختلف فيه أحدٌ من المحللين، داخل الولايات المتحدة وخارجها، بل هو نفسه لا يعارضها!
الرجل كابوس عالميّ، وزلزال سياسي، بالنسبة لكل دول العالم، عدا روسيا، التي أعانته على الفوز بشكل حاسم، باختراق إيميل كلينتون!
فلننظر ماذا نتوقع في أنحاء العالم، تحت سيطرة ترامب على السلطة في أمريكا:
أمريكا الشمالية:
- صرّح ترامب أنه سوف يوقف العمل باتفاقية التبادل التجاريّ الحر NAFTA بين أمريكا والمكسيك وكندا، مما سيوجد حالة عدم استقرار ومعارك تجارية في طول القارة وعرضها.
- فرض قوانين عنصرية بالنسبة للمسلمين، سواءً في الدخول أو الخروج من أمريكا، وقوانين أشد في التعامل مع الملتحين والمحجبات، بله المنقبات! واعتقالات أمثر وأسرع لآسباب أوهى مما هي الآن.
- فرض قوانين عنصرية لمطاردة المخالفين لقوانين الإقامة من اللاتينو وغيرهم، وطرد مئلت الآلاف من أمريكا.
- إعطاء سلطة متزايدة للشرطة والمخابرات لتقييد حريات المواطنين والتجسس عليهم، وإلجام خصومه السياسيين، والتصديق على قوانين التعذيب لاستخلاص المعلومات، كما صرح مسبقاً.
- تقليل فرص عمل الأمريكان الأفارقة، وفرض قوانين تقيد فرصهم في التعليم والصحة وغيرها.
- إعادة الصراع النووي العالمي وهو ما قد يكون في صالح المسلمين في الوقت الحاضر.
وما سبق يوضح الجملة التي قلنا من قبل، أنه قد يكون ترامب كارثة على المسلمين في المدى القريب، لكنه سيؤدى إلى انقسام أمريكا، وتدميرها في المدى البعيد.
الإتحاد الأوروبي: فرض قوانين تجارية جديدة تقلل فرص التبادل التجاري مع الدول الأوروبية.
حلف الناتو: قد يكون من المتمل خروج أمريكا من الناتو، أو تغيير تركيبته الحالية، وتعديل مساهناته الملية العسكرية.
الشرق الأوسط:
- توتر العلاقات إلى حد كبير مع الخليج، خاصة الجزيرة العربية، وتشجيع قانون جاستا للعمل.
- استخلاص أموال طائلة من الخليج لتغطية كافة المصاريف العسكرية الأمريكية في المنطقة.
- إعادة وضع الاتفاقية النووية الإيرانية على طاولة المفاوضات، وهو عمل إيجابي بالنسبة للمسلمين في المنطقة، حيث سيشغل المجوس عن الحرب متعددة الجبهات التي تخوضها.
- العراق: فمن الصعب تصور سياسة ترامب في ذاك البلد. فترامب يريد تقويض القوة الإيرانية في المنطقة من ناحية، ثم هو يسعى لضرب السنة هناك من دهة أخرى .. فوضعه دقيق وغير معروف!
- الشام: فهناك ستكون الكارثة الكبرى، من حيث سيتفق الخبيث مع روسيا على ضرب السنة وداعش بأسرع وقت ممكن، دون إيّ اعتراض، ومن ثمّ، فقد نرى تدخلاً برياً محدوداً، أو بقوات خاصة لإنهاء وضع الرقة، وحلب. وغالبا سيرضخ للطلب الروسي في تأييد بقاء بشار. ولن يكون هناك أيّ دعم لأي فصيلٍ إسلامي، من أيّ شاكلة، إلا للبشمركة.
- الكيان الصهيوني: فمثله مثل من قبله، دعم مستمر قوي في كافة المجالات وعلى كل المستويات.
- مصر: سيستمر دعم السيسي سياسياً، لا اقتصادياً.
- تركيا:لا شك أن العلاقات التركية الأمريكية ستسوء خاصة مع كراهية ترامب للمسلمين، وموقفه من حزب الناتو ككل. وقد يكون في هذا بعض معونة للمسلمين.
هذا يعني بالنسبة لنا، المسلمون في الشرق الأوسط إنه رغم أنّ ترامب سيُضعف إيران بلا شك، ويحدّ من قوتها على السيطرة على المنطقة كلها، إلا إنه سيكون حليفا قويا للروس، وستذوب الخلافات الحالية بين الإدارة الديموقراطية وروسيا في مجال ضرب المدنيين في حلب، ودعم بعض الفصائل "المعتدلة"، إذ لا فصائل إسلامية معتدلة في وجهة نظره. وهو ما سيكون ضربة قاضية بالنسة لفرق الدعم الأمريكيّ، في عدة حركات، مثل اتجاه لبيب النحاس، والجيش الحرّ فصائل الموك بأنواعها.
كيف تواجه المقاومة السنية هذا المقف العالميّ الجديد؟
ليس لدى أحد ما يقول اليوم صبيحة فوز المتعصب الأبيض ترامب، إذ الوقت جدّ مبكرٍ لرسم أية سياسة، لكن قدراً من النظر فيما صرح به خلال حملته، وقبيلها يجعلنا نتصور تلك الحقبة المظلمة التي ستخيّم على العالم في السنوات الأربع المقبلة مما ذكرنا.
يجب أن نعى، أو تعى الفصائل أن التفاوض وتلقي الدعم الغربي، لم يعد له وجه إلا لما أراد أن يكون أمريكيا بحتا، أو صهيونيا عميلاً. وأنه لم يعد أمامهم باباً للسياسة التي زعموها من قبل إلا الخيانة المفضوحة الصريحة. فالرجل، ترامب، ليس سياسياً، بل هو رجل عمل بحت، لا يلمح حين يمكنه التصريح.
ولكن، .. يجب كذلك أن نُدرك أن الرجل لا خبرة لديه في "السياسة"، وقد لا يكون على اظلاع بكثير من الأمور التي تجرى من حوله، بصفته لا يتدخل في القرارات الأمريكية ولا يتلقى أية معلومات خاصة. وهذا يعنى أنه من الممكن أن تتغير بعض آرائه، بما تسمح به شخصيته المعقدة، وحسب نصائح من حوله من مستشاريه، وهم غالباً على شاكلته.
نعم، إننا ندرك أنّ نصر الله متعلق بنا لا بأعدائنا، من هم أو كيف هم لكن المرحلة القادمة سيكون لها هتلرها الجديد، وستالينها العتيد، بمذاق أمريكيّ!
د طارق عبد الحليم
8 صفر 1438 – 9 نوفمبر 2016