الحمد لله الصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه وبعد
تتكون المعارضة المصرية في الخارج من فئتين، يتقاربا ويختلطا، أو يتباعدا ويفترقا حسب توجه الأنظار في موضوعات مختلفة.
الفئة الأولى: هي ذلك الي يسمونه "المجلس الثوري المصري". وهو تحالف بين شخصيات شتى، من اتجاهات غالبها ليبرالية وعلمانية وإخوانية، ترأسه د مها عزام، وهي شخصية ليبرالية علمانية، ونائبه وليد شرابي، من داعمي جماعة الإخوان، ومركزه التأسيسي في تركيا وله أفرع يرأسها أفراد غالبهم من جماعة الإخوان في بعض البلاد الأوروبية وأمريكا الشمالية.
الفئة الثانية: هي من يمثل بعض الأحزاب المتهافتة، التي ظهرت في أيام د مرسي، ومنها ما خرج من أكفان جماعات منتكسة أو شخصيات كانت محسوبة على الإسلام من قبل، مثل البناء والتنمية أو الأصالة أو غير ذلك من أحزاب لا وجود لها على أرض الواقع، إلا أسماء أصحابها.
الفئة الثالثة: أفراد متفرقون، دعاة، طلاب علم، قانونيون، إعلاميون .. ما شئت من خلفيات علمية، غالبهم خرج إلى تركيا بالأساس أو من قطر إلى تركيا، بعد أن خضعت قطر لمجلس التعاون الخليجي اللعين. وهؤلاء يتكون طيفهم من كل الاتجاهات، إسلاميّ إخواني، إلى ليبرالي علماني ملحد.
ويجمع كلّ هؤلاء جامع واحد، هو عدم الرضا عن نظام السيسي، ثم يختلفون بعدها في كلّ شئ. منهم من يريد زواله ليحلّ محله إسلام من نوعٍ ما، أقرب للشرع، ومنهم من يريد أن يحلّ محله نظام ديموقراطي غربي ليبرالي متأسلم، ويتأسى في ذلك بالنظام الأردغاني، منبهراً بالشخصية الأردغانية غير عابئ بالنظام السائد في حكم تركيا، ومنهم من يريد نظاما علمانيا بحتاً، كالنموذج الأوروبي أو الأمريكي، لا دين فيه، إلا ما اختار الفرد لنفسه. ومنهم من لا يريد زوال النظام السيسي، وإن كرهه، من حيث إنه يتمتع في ترميا بما لم يكن يحلم به أجداده من رفاهة عيش في فنادق 7 نجوم أو أكثر!! وهؤلاء هم الأكثر سقوطا وذلة.
ولو نظرنا إلى الجهد الذي يقوم به هؤلاء، لوجدنا إنهم يتفقون مرحلة ثم إذا بهم شركاء متشاكسون، كما حدث مرتين في "المجلس الثورى"! مرة في تخلى بعضهم عن "شرعية مرسي"، والثانية هي ما يجرى حاليا من خلاف، تمثل في صراع بين هيثم خليل وآيات عرابي، وكلاهما ممثل للجنة رئيسة في المجلس!
ثم ترى هذه الجهود تتمثل في مؤترات تنعقد في تركيا أو فيينا أو جنيف، حسب حالة التمويل الداعم، أو بيانات تخرج بالإدانة وفضح ما يفعله السيسي سواء على التلفاز كما هي مهنة محمدناصر ومعتز مطر، أو بيانات رسمية تدعو العالم للتدخل! مثل حملة "إنقاذ وطن" بشأن أحكام الإعدام الجماعية، التي توزّع على الماطنين كأكياس سكر التموين!
أمّا عن الفئة الثانية، فهم عديمي الجدوى في حقيقة الأمر، حتى بالقياس العابط لصور المعارضة الحالية.
أما عن الأفراد، فنشاطهم في غالب الأمر، إما الاستجابة لتلك المؤتمرات التي تعقدها الفئة الأولى، والتي عادة ما تنتهي بشجار أو بخلاف وتفرق. أو في تجمعات على أيّ من وسائل التواصل الإجتماعي، سواء لفرد أو مجموعة أفراد. وكلها فيما لاحظنا تجمعات لا تقوم على المبدأ الشرعي الأساس، بل على أمر من الأمور الحادثة مثل التجمع إدانة العسكر أو فضح السيسي أو غير ذلك .. ثم الجهود الفردية التي تقوم على حسب اتجاه صاحبها، في أي طيف من أطياف التوجهات السياسية التي ذكرنا.
فيا ترى، ما جدوى كلّ هذه الجهد؟ أيحرّك هذا الجهد الغرب يوما لأن يتبنى فكرة التوقف عن دعم السيسي لأنه "وِحِشْ" مثلاً؟ أسيتوقف الخليج عن دعمه بسبب هذه الاجتماعات، التي غالبا لا تجرؤ على رفع أصبع الإتهام بصراحة في وجه تلك الملوك والأراء الملاعين، لعل عسى أن يحتاجوا اليهم في دعم ماليّ يوما! أيظن هؤلاء أن الشارع المصريّ قد يتحرك بسبب مؤتمر في جنيف أو دعوة في نيويورك؟ أسيخرج الشعب على النظام بسبب حلقات محمد ناصر أو معتز مطر التي أصبحت مثل مسلسلات رمضانية .. يجهد أصحابها في جلب انتباه الناس، وهم يعلمون أنها مادة ترفيهية لا سياسية.
ثم، هل لهؤلاء جميعا أجندة واحدة لإسقاط النظام؟ لا، لكنها أجندات بعدد رؤوس المشاركين، يطرحها أحدهم في مؤتمر أو وسيلة اتصال اجتماعي أو بيان، ثم يختفى وتختفى الدعوة والأجندة كأن لم تكن.
ليس هؤلاء جميها على قلب رجل واحد، بل ولا امرأة واحدة. فمن خلف كل أجندة عامة، تجد أجندة خاصة، خاصة جدا، هي التي توجّه أمر العامة، ومن هنا يأتي مصدر تصارع الأجندات .. ويسقط الوطن سريعا صريعا!
ولعل هناك مثال أو مثالين من الشخصيات العامة، في حديثهم روح وإخلاص يستشعره السامع، لكنهم يعدّون على أصابع اليد الواحدة .. صراحة.
لا يا "معارضة" .. لستم على شئ حتى تتبعوا ما أنزل اليكم. لا أتحدث كشيخ معمم أو درويش أو صوفي، بل كرجل درس الهندسة حتى حَصّل الدكتوراه، وكتب ما كتب في دوريات علمية عالمية، وعمل في مواقع وشركات عالمية على مدى خمسة وأربعين عاما، في أكثر من سبعة دول. هذا إلى جانب أربعة عشر كتابا في الشريعة ومئات الأبحاث المتخصصة والمقالات في كافة فنون الشرع والأدب السياسة. فلا يزايدن أحد على ما أقول، بأني رجل دين لا أعلم عن السياسة شيئا كما يعلم "المتخصصون".
لن يكون جهداً نافعا إلا بأن يتحرك رجل الشارع في مصر، ولن يتحرك رجل الشارع في مصر بمثل ما تفعل المعارضة الهزيلة تلك، بل بأن يكون هناك دافع motivation شعوري يحركه. ليس الجوع، فهو دافع حيوانيّ سيجعل الأمر أكثر مرارة ودمارا. لكن دافع الدين والخُلُق، الذي نعلن يقينا أنه لا يزال حيا داخل نسبة من الشعب، تكفى للتضحية والخروج على النظام، دون الالتفات إلى شعار الجبن والخزي "سلميتنا ..".
يجب أن يكون جهد المعارضة موجها لذلك الغرض، فعلى غيره لن يتجمع أحدٌ على شئ أبداً.
لكن، أعلم كذلك أن الإيمان بهذا التصور، يعيقه كفر عدد من المعارضين به أصلاً، وضعف ثقة عدد آخر منهم بالله ورسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن قال ما قال، واعتماد كثير منهم على الغرب ومعونة الغرب وحنان الغرب وعدالة الغرب .. !
فمن هنا تكون دعوتي إلى من يثق بالله، وبما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ومن يرى أن ما دلت عليه مصالح الشره هو ما أمر به الله وما دلت عليه نواهيه هو المفاسد التي لن تصل بنا إلى نتيجة، مهما ادعينا الذكاء والمهارة فهم مصالح الدنيا والضلوع في السياسة .. بل هي عقول بشر مساكين محدودة لا تكاد تعلم من بعد علم شيئا!
د طارق عبد الحليم
1 محرم 1438 – 2 أكتوبر 2016