فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أحان وقت القطاف ..؟

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه وبعد

      من حسن الفقه أن يواكب الفقيه أحداث عصره ووقته، وما يقع في حينه ومكانه، ليكون عونا للمسلمين على تفهم الواجب وعمله ومعرفة الحرام واجتنابه. والنوازل، خاصة، تفرز حسن النظر الفقهي، والحكمة الشرعية.

      وإن النازلة الشامية اليوم هي الأشد على المسلمين منذ أن زُرِع الكيان الصهيونيّ في قلب العالم الإسلاميّ، على أرض فلسطين الحبيبة، لا يشك في ذلك أحدٌ.

      وقد تلاحقت المحن والكوارث على الشام الحبيب منذ أن قامت الثورة المباركة، بدءاً بظهور كيان داعش الحروريّ، ثم التدخل الأمريكي لصالح النصيرية، ثم اتدخل الرافضي المجوسي السافر، ثم التدخل السلولي الخليجيّ، ثم الاجتياح الروسي الملحد لوقف سقوط المجرم بشار.

      وقد تنوعت المحن، أشكالاً وألواناً، منها ما هو على الأرض، كقتل الحرورية للمجاهدين، وإعانتهم النصيرية على وقف تقدم السنة، بعد أن وصّفوهم بالصحوات والمرتدين! وعلى طاولات التفاوض الذليل، كما فعل أصحاب الائتلاف الخونة لدينهم وأهليهم، ثم ما جاء من بلاء الرياض المتمثل في جيش العلاليش، ومؤتمر الرياض، ثم غرف الموك الأمريكية الخليجية، ودعمها لمن خان ضميره أو من ضلّ طريق الصواب وهو يحسب أنه من المهتدين!

      وفي هذا الخضم الهائل من المحن، تميّزت جبهة النصرة. وكان تميزها بتمسكها بالسنة، ومنهج الصحابة والتابعين، واتّبَاعِها للعلماء الربانيين، والتزامها جماعة الصادقين المجاهدين منذ عقود في أفغانستان وخراسان وغيرها، مما جعلها في قلوب أغلب الشعب السوريّ السنيّ، حاضنيها ورعاتها.

      لكنّ مكر العدو لا يتوقف، فتمحكوا بالتزام النصرة ببيعة القاعدة، وصنّفوها على أنها إرهابية، رغم إنها لم تمدّ يداً لقتال خارج الشام أبداً. ودفعت تلك الدول أذنابها من تنظيمات خائنة، يعرفها المُطّلع بأسمائها وسماتها، لتحرّض النصرة على فكّ بيعتها للقاعدة، على أنّ ذلك فيه إخراج لقاعدة "الإرهاب" من الشام، ودفع أمريكا إلى إيقاف حملتها المسعورة في ضرب السوريين، والتعاون مع روسيا على إيقاف سقوط بشار. هذا رغم ارتباط تلك التنظيمات ذاتها بالخارج، إما بالخليج والسلولية تمويلا وتوجيها مخابراتيا، مثل جيش علوش. وإما من خلال غرف الموك التي تدفع الدعم المشروط، مع كل دولار خطوات محسوبة تملى عليهم بكرة وأصيلا! مثل ما يحدث في أكثر كتائب الجيش الحر وغيره من التنظيمات، على مستوايات مختلفة.

      وعلى كلّ حال، وبغضّ النظر عن الآراء الشخصية، التي لم يعد لها محلّ اليوم، بعد أن أصدر أصحاب الشأن، وأهل الحلّ والعقد، قادة وعلماء، في جماعة النصرة، بالاتفاق مع القاعدة، على أن يذوب تنظيم النصرة، وينشأ مكانه وليد جديد، هو "جبهة فتح الشام"، بقيادة الفاتح الجولاني، الذي بهر الناس بشبابه وهيبة طلعته وحكمته، كأنه الشيخ أسامة رحمه الله، مخلوطا بحكمة الشيخ الظواهري حفظه الله.

      كانت هذه الخطوة، كما أتصور، عسيرة المولد، صعبة المخاض، حيث تتردد الآراء بين موافق يرى فيها كشفاً للتنظيمات الخائنة، وإحراجاً للعدو الصليبي بالذات، وتطمينا للشعب السوري بالداخل أن قرارهم بأيديهم، وبين أراء ترفض هذا الحلّ والانفكاك من وجهة نظر إنه لن يوقف أمريكا عن مخططاتها في القضاء على أهل السنة، ولن يدفع بتنظيمات الخيانة والتفاوض والتميع، الذين استذلتهم الرياض وجنيف، أن يرجعوا عن ولاءاتهم الخارجية العميلة، ولا أن يرفضوا الدولار الحرام المصدر السهل المورد، ومن ثم فإنه لن يكون لهذه الخطوة أثر حقيقيّ على الأرض، كما رأي أصحاب الرأي الآخر. وكما قلنا، فإنه بالنسبة لأصحاب الرأيين داخل الصف الواحد، فالنتيجة واحدة، بعد اتخاذ القار، مما علّقنا في حينها كثيراً، وهي السمع والطاعة.   

      والآن تأتي ساعة الحق، وتصل التنظيمات "الآخري" إلى مفرق الطريق، فبعد أن تخلت النصرة عن ارتباطها بالقاعدة، التي يصفونها بأنها من حارب العدو الصهيوني على مدى ثلاثين عاماً دون كلل، وأقضّت مضجعه حول العالم مراراً، هل سيتخلى عبيد الدعم، وخلاّن السلولية وأبطال طاولات التفاوض عن ارتباطهم بالخارج الصليبي العربيّ اليهودي الطاغوتيّ، لصالح الشعب السوريّ؟

      لا أظن ذلك سيحدث حقيقة، خاصة من الفصائل الكبرى. فإنه لو نظرت في كلّ بيان صدر من جماعة أو تنظيم حتى اليوم، لوجدت أنه يجعل ذلك "خطوة أولى" مباركة، في طريق التقدم لأهداف الثورة السورية الخالصة! كلّ البيانات بلا استثناء، ولا أريد أن أتعرض لأسماء لتجنب الحساسية، فإن الأباع عادة لا يفهمون! فما هي الخطوات الأخرى المنتظرة منكِ يا جبهة فتح الشام؟

      ينتظر أصحاب الارتباطات الخارجية المشبوهة من الجبهة الجديدة أن تنضم إلى موكب الاستسلام والذلة. تنتظر أن تلحق إمّا بأمثال أنس العبدة، المزيف لدينه الخائن لوطنه، أو فريق العلالشة، أصحاب الرياض وخلان السلوليين.  

      الأمر هنا ليس أمر تشجيع فريق ضد آخر، كما يفعل المشجعون في كرة القدم! الأمر هو مصلحة دين ووطن وأمة. لقد أثبتت الجبهة أنها لا تتوقف في سبيل مصلحة أمتها، في حدود المشروع والمباح إسلامياً، أن تقدم كل التضحيات وأن تتخذ كل الخطوات. لكنّ العدو، داخليا وخارجيا، لن يرضيه عمل إلا كما قال تعالى "ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم".

      إنّ أصحاب الارتباطات الخارجية لا يعلمون أنّهم على الحِجْر اليوم، وعلى أعواد المشانق غداً، ولو قدّموا كل غال ورخيص قربانا للسيد الأمريكي. فهم لا يؤمنون بقول في القرآن، ولا توجيه في السنة، إلا ما أُشرب من هواهم.

      ما أتوقع هو انضمام بعض الجماعات المحدودة في الساحة إلى الجبهة الجديدة. لكن توحد التنظيمات الأكبر، فهي، والله أعلم ترتبط بأهواء وأغراض واتصالات وارتباطات، أقوى عند أصحابها من أي ارتباط ديني أو شرعي عقديّ، وهو ارتباط الدعم والدولار.

      فهل، بعد تلك الخطوة التي تقدمت بها النصرة، وباركتها القاعدة، حان وقت قطف ثمار التوحد، أم أنّ هذا حلما وردياً، أحسبه، يعيش في قلوب وخواطر المخلصين، لا غير؟!

      د طارق عبد الحليم

      25 شوال 1437 – 30 يوليو 2016