الحمد لله والصلاة على رسول الله ﷺ ، وعلى آله وصحبه وسلم
نصّ الركن الذي اعتمد عليه صاحب الشبهة : إنه قال "انتبه للسياق طوبى لمن قتلوه، فهل هذه تقال لقتال خارجي ضد كافر، او قتال مسلم ضد خارجي".
الشبهة في الحوار الدائرتقوم على ركن أصلي اعتمد عليه المحاور، هو كلمة "طوبى لمن قتلوه" .. تداعت من بعده الأخطاء في الحكم.. وهو من باب المفهوم، والمنطوق أقوى من المفهوم عند كل عالم بالأصول وهو (ما يُفهم من اللفظ في غير محل النطق.. ذكره ابن الحاجب، وقريب منه الغزالي والجويني وغيرهم) فمن فهم أنّ الكفار داخلون تحت هذا النصّ ابتداء فهو مخطئ أصلاً، ولا ينبني على خطإ حكم .. لذلك معارضة حديث رسول الله ﷺ الصحيح في أنهم "كلاب أهل النار" خاصة، بمفهوم خطاب خاطئ في كلمة "طوبي لمن قتلوه" هو عكس للقواعد الأصولية اللغوية. وإذا أمكن الجمع بين الأمرين فهو الأصح، ويكون ذلك بأن يقال: هم كلاب أهل النار فليسوا بشهداء بإطلاق، فإن قتلهم مسلمٌ فهو الدليل على أنه طوبى له، فإن قتله كافر، فلا طوبى له، خاصة والرسول ﷺ لم يقل "طوبى لكل من قتلهم وقتلوه" كما أن "مَنْ" هنا لم تأتي في معرض العموم وهو المختص بالنفي المصاحب، بل في حالة الإثبات، فأمكن تخصيصها .. ومن ذلك ينهدم كل ما جاء في الحوار، وتنبنى بقية أخطائه على هذا الأمر .. فإن قيل، كما قيل، لكن هناك عموما في معنى أن "كل مسلم قُتل على يد الكفار شهيد" قلنا، لا إشكال، فالعام يخصص، بل الأصل فيه التخصيص عند بعض العلماء، فهذا مخصوص بالحديث الصحيح وهو وصفهم أنه "كلاب أهل النار"، وأنه "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" ، وهو ما صح في تخصيص الكتاب بالحديث الصحيح.
خطر لي إنه كيف يعقل امرء أن صفة القتيل تتبدل بأداة القتل! القتيل هو القتيل، فلماذا يغيّر حكمه دين من قتله؟ ... ومثال ذلك مساواة الفقهاء القتل بالمثقل بالقتل بالمحدد، وهو رأي الجمهور، أو بالسمّ أو بالمسدس أو بالسيف، ذلك أنهم اعتبروا أن القتل العمد قد تم، وأن القاتل قاتلٌ بأي وسيلة كانت. وهذا ما يقرره العقل والمنطق مع الشرع والدليل
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن أقوام في الثغور، يُغيرون على الأرمن وغيرهم (المسلمون في المنطقة كما سيبيّن)، ويكسبوا المال ينفقون على الخمر والزنا، هل يكونون شهداء إن قتلوا؟
قال:"إن كانوا إنّما (أي حصراً) يُغيرون على الكفار المحاربين، فإنما الأعمال بالنيات .. فإن كان أحدهم لا يقصد إلا أخذ المال وانفاقه في المعاصى، فهؤلاء فساق مستحقون للوعيد (أي ليسوا شهداء)، وإن كان مقصودهم أن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين لله فهؤلاء مجاهدون، لكن إن كانت لهم كبائر كان لهم حسنات. وأما إن كانوا يغيرون على المسلمين الذين هناك (أي مع إغارتهم على الأرمن الكفارهناك إذ هو أصل السؤال) فهؤلاء مفسدون في الأرض محاربون لله ورسوله مستحقون للعقوبة البليغة في الدنيا والآخرة (فرفع عنهم حكم الشهادة بالكلية لاشتراك قتالهم للكفار مع قتالهم للمسلمين، ولم يعتبر نية في قتالهم الأرمن ولا قتلهم على يد من طالما اشتركوا في قتال الطائفتين الكفار والمسلمين، ولم يفرق في الحكم بين من قتلهم). مجموع الفتاوى ج35 ص90 طبعة دار عالم الكتب 1412هـ.
فإن كان هذا قوله فيمن ليسوا من الخوارج، الذين ثبت فيهم الأحاديث الصحيحة.
فما قول العلماء العلالمة، جهابذة عصرنا، ممن يقول بأنهم شهداء إن قتلوا على يد الكفار، وهم يقتلون المسلمين يومياً، في حكم شهادتهم إن كانوا يقاتلون الكفار والمسلمين!
هذا وقد سمعت قريبا أن من أفتى بهذا قد قرر أنه يجب بغض الخارجي المقتول على يد الكفار، رغم إنه شهيد! كأن الشهادة في سبيل الله "شهادة" ورقية تُعطى لحاملها، قد تحبه أو تكرهه .. والله في خلقه شؤون!
د طارق عبد الحليم
9 شوال 1437 - 14 يوليو 2016
مقال متعلق بهذا الموضوع:
حال قتل المسلم بيد مسلم أو كافر وموقعها من الشهادة
http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-72997