فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حديث عن الفرْق بين أشكال الدعم وألوانه في باب الولاء

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صل الله عليه وسلم وبعد

      وصلني سؤال من أحد الأبناء هذا نصه

      "قبل كل معركة تثار شبهات متكررة تثبط عدد من الاخوة وتصرفهم عن العمل وتكون طريقة تفكيرهم فيها أشبه بفكر الدولة. فى المعركة التى فتحت حديثا فى الساحل بعض الاخوة المشاركين معنا بدأوا يتكلموا عن بعض المعلومات التى تسربت بان الجيش التركى سوف يُمهد بالمدفعية للإخوة، وان هناك دعم تركى لبعض الفصائل المشاركة فلا يجوز العمل تحت هكذا راية أو بالمشاركة فيها.

      الاشكالية الثانية بعض فصائل الموك لا يخلو عمل من تواجدها بل غالبا هى اساس تمويل معظم الاعمال على الساحة بالسلاح والذخيرة والصواريخ الموجهة، فيقولون هذه فصائل مرتدة وﻻ يجوز الاستعانة بالمرتد على أى حال فينصرفوا عن العمل.

      فنريد بيان الفتوى الشرعية فى هذه الحالات بالحجة الواضحة مع استيفاء جمع المعلومات منكم عن الوضع هنا ثم تصدير الفتوى عن عدد من رموز التيار الجهادى قطعا لكل خلاف او إرجاف قبل كل عمل."

      ولاشك أنّ هذا التساؤل من أهم ما يجابه الصراع الدائر اليوم في الساحة الشامية، ومن ثم فإنّ الردّ عليه أمرٌ جلل يحتاج إلى ترو واستقصاء للأمر من جميع جوانبه. لذلك سنبدأ بوضع نقاط ضرورة عامة، ثم ننتقل إلى الرد الخاص على الإشكالين المعروضين بحول الله تعالى.

      1. يجب أن يكون معلوماً، أنّ الحكم بالكفر والإسلام يقع تحت أبواب أحكام الفقه لا من ثوابت العقيدة، إذ هي تتعلق بصور معينة، و بمناطات محددة، يحكم فيها قضاة شرعيون، كما يحكموا في أي عمل متعلق بأفعال المكلّف، بلا فرق. ولهذا بوّبها كافة فقهائنا في كتب الفقه تحت باب حكم المرتد أو ماشابه. فرغم أن موضوعها انحراف في الفكر العقديّ، إلا إن الحكم فيها هو من أبواب الفقه لا العقيدة، فالحكم يرتبط بالقدرة على التنفيذ، ودعك من الفوضى التي اعترت الساحة الإسلامية عامة، خاصة بعد ظهور طائفة العوادية الحرورية.
      2. كذلك، فإنه رغم أنّ هناك ارتباط وثيق بين أحكام الولاء والبراء وبين أحكام القتال صداً لصائل كافرٍ معتد، فإنّ هذا لا يعنى تطابقهما. بمعنى أنه ليس كلّ صور البراء تُختصر في عدم القتال مع أو بجانب الكفار لرد عدو صائل، وليس كل أحكام الولاء تقوم على عدم القيام بهذا الفعل. بل إن للولاء والبراء صوراً ومناطات، لا يحصرها العدّ تختلف بإختلاف الزمان والمكان والحال، إن كانت تتعلق بكفر وإسلام كما بيّنا أعلاه. لكن يمكن أن يكون هناك قواعد عامة جامعة لعدد من أبرز المناطات، التي يندرج تحتها صورا غير محصورة، كأي مسألة من مسائل الفقه.
      3. أنّ هناك فرقٌ بين "الحكم الشرعيّ" و"الفتوى". فالحكم الشرعي يتصف بالعمومية وبشمول الكثير من أفراده تحت ذاك العموم. أمّا الفتوى الشرعية فهي أنال هذا الحكم الشرعيّ على حالة خاصة بعينها، وهي التي تسمى مناطاً. واستخلاص الحكم الشرعيّ يكون من كتاب الله وسنة رسوله ، وبقية مكانه من الأدلة الشرعية، واستخلاص الفتوى يكون من تعيين الحكم اللائق بتلك الحالة الخاصة، ثم استقصاء الواقع المحيط بها. وكلاهما من عمل الفقيه أو القاضي لا غيرهما. مثال ذلك حكم أنّ "الخمر حرام"، أمّا أن يقال "هذا الشراب بعينه حرام" فهذه فتوى يجب لإصدارها البحث والتقصي عن طبيعة ذاك الشراب بالتحديد، وظروف تناوله، من حيث عدم وقوعها تحت الضرورة أو الإكراه ومثل ذلك.
      4. أن الخلط في استعمال هذين المصطلحين قد سبب الكثير من التيه والضلال في الساحة، بين الإخوة في كافة الفصائل العاملة. فيقول أحدهم: حكم فلان هكذا .. وهو هنا يخلط بين الاستعمال القضائي لكلمة حكم، وبين الاستعمال الشرعي ك
      5. أنّ الواقع خلاف التنظير. فالتنظير يضع الخطوط العامة، ويحدد القواعد الضابطة، لكنه لا يتعامل مع الحالات الفردية بذاتها، ولذا لا يمكن أن يستخدم أحدٌ تنظيراً لإصدار فتوى مباشرة، بل يجب أن يرجع إلى الفقيه أو القاضي ليكون لهما القول في الحالات الخاصة.
      6. كما يجب الإشارة هنا إلى أن دفع الصائل واجب في كلّ الأحوال. والصائل حالاً أولى في الدفع من الصائل مآلاً، والصائل الأقوى شوكة أولى بالدفع من الأضعف، والصائل الداخليّ الأقرب أولى من الخارجيّ الأبعد. هذا مع اعتبار الضرورة، فالصائل حالاً للإستصال يجب دفعه ولو كان حروريا مبتدعا، بالتعاون مع أي قوة قد يؤول أمرها لقتال المسلمين، أو محاولة فرض حكم علماني عليهم، مآلاً.
      7. ومن ثم، فالاستعانة بكافر على كافر مرفوع فيها الحرج في تلك الحالات التي وصفنا في البند السابق، بشرط ألا يكون للكافر يد عليا على المسلم، أو أن يوجهه في قتاله، فهذا مرفوضٌ جملة وتفصيلا. بل يكون التعاون محدوداً بالواقعة، لا مفتوحا بتعاهدات واتفاقات تملى فيها شروط وتقييدات.

      أما وقد أشرنا إلى هذه النقاط، فنتحول بإذن الله تعالى إلى موضوع الإشكالين المعروضين، فنقول وبالله التوفيق، إن مصدر الإشكالين واحد، وإن اختلفت صورهما. وهو ما هو الحكم الشرعيّ فيمن قاتل "بدعم" قوات "مرتدة" لصد صائل مرتد؟

       ونشير أولاً إلى أن الإجابة على هذا السؤال ليست فتوى في حدّ ذاتها، فهي، وإن كانت حالة خاصة في باب الولاء والبراء، إلا إنها عامة لا تزال في صور تطبيقاتها، تحتاج إلى تخصيص بعد، في كلّ حالة على حدة.

      وتبرز الحاجة هنا إلى أن يتحدد أمران، موضوع الدعم وشكله، ثم حكم "المرتد" وانطابقه على الحالة المذكورة. ومن هنا يظهر صعوبة الأمر وتعقيده، والذي هو الداعي إلى تركه أساساً لمن له القدرة والعلم على التعامل معه.

      والولاء والبراء، هما عنصرين من عناصر التوحيد، لذلك فإنه يجب التعامل مع أشكالهما بحذر شديد لارتباطهما بأحكام الكفر والإسلام. وليس هناك تطابق بين التعامل مع عدو كافر، وانطباق الولاء والبراء على هذا التعامل بشكل عام شامل، كما ذكرنا، بل هذا الفرض لا يكون إلا عن ضعف علميّ وقصر نظر، وتحكم وصبيانية شرعية. وقد فصلنا بعض التفصيل في هذا الأمر في مقالنا "رفع الشبهات في موضوع الولاء والبراء" والذي أعتبره جزءا لا ينفصل من هذه الوثيقة[1]، فلا داع لتكرار ما جاء فيها من تفصيل.

      أمّا عن الدعم، فيختلف في صوره، من حيث يجب اعتبار الداعم والمدعوم، ودوافعه، وأنواعه.

      فالداعم، هو في غالب الأحيان صاحب غرض أساسيّ يسعى اليه بتقديم دعمه، لا يستثنى من هذا أحد من الدول، ولا نتحدث عن الأفراد. وهذا الغرض، إمّا أن يكون مناقضاً للعمل الإسلاميّ، أو غير مناقض له. لكنّ الدعم غير المشروط بشرط، ظاهر أو خفيّ، لا يوجد في عالمنا البتة. ومن يقل به فهو واهم ساذج، أو مغرض عميل.

      فتركيا على سبيل المثال، هي من نوع الداعم الذي له غرضه الخفيّ، لكن دعمها لا يضاد العمل الإسلاميّ، بل قد يعينه، ولا شك. وهذا الغرض التركيّ يتعلق بحماية حدودها من الأكراد العلمانيين، أو من العدو النصيري المشترك. وهذا الداعم، يجب أن يُنظر في كلّ حالة من دعمه على حدة، ليكون هناك تأكيد من أنّ الدعم لم يأت من طرف خفيّ كالناتو مثلا، وإنما هو من السلطة التركية التي تسعى لصلاح بلادها لا غير، بالقضاء على الأكراد العلمانيين، أو قتال داعش، وكلاهما هاجم مدنييها في قلب البلاد من قبل. فإن لم يرتبط بهذا الدعم أي شرط جانبي مشبوه، فلا بأس من العمل الداعم، في تلك الحالة التي تم التأكد منها وبحثها. فهذا النوع من الداعمين، يكون رفع الحرج في أصل الاعتماد عليه هو الحكم الشرعيّ فيه.

      أما أمريكا، فإن دعمها هو على الدوام مضاد للمنظور الإسلامي السنيّ، بل هادما له، من حيث تسعى إلى إقامة حكومة علمانية، يسمونها بغير اسمها، مثل "غير طائفية"، "متعددة الألوان"، "ديموقراطية" حسب الحال. كذلك فإن دعمها ظاهر الشرط، وهو قتال كلّ من مجاهدي السنة، التي تحدد هي، لا غيرها من هم، حتى ولو كانوا لا يحاربون إلا بشار، ولا يهاجمون بلاد الغرب ابتداءّ. وهذا الداعم، يفرض شرطه عيانا بيانا تحت شعار "محاربة الإرهاب"، الذي لا تعريف له على وجه التحقيق. فالإرهابيّ هم صاحبالبلاد الذي يقع تحت ظلم حاكم نصيري ملحد يقتل أبناء شعبه، وليس الإرهابي هو ذاك الحاكم، ولا تلك الدول التي جاءت بجيوش جرارة وطائرات لقتل الشعب الأعزل. فأمريكا مثلا، لم تصف روسيا بالإرهاب، على رغم كلّ ما قصفت الشعب السوري الأعزل به من قنابل عنقودية وفسفورية محرمات دولية، على حد تعبير المنافقين منهم، في أممهم المتسخة. فهذا الداعم، لا يحل على وجه القطع التعامل معه بأي شكل كان، إلا في حالة ضرورة حالة مفردة يكون الصائل فيها على وشك القضاء على المسلمين كافة في موقع ما، لا على التوسعة ولا على العموم. فالضرورات تبيح المحظورات.

      ثم إن من يأخذ الدعم المحرّم هذا، كفصائل غرف الموك، كما قلنا سابقاً، فهم لا شك موضع خيانة وعمالة، إذ لا يتعاملون مع هذا الداعم الأمريكي الخليجي من المنطلق الذي وصفنا، بل يخضعون له، ويحاربون تحت رايته، وبزعم تلقى المال والعتاد، فلا يحلّ التعامل معهم والقتال تحت رايتهم، إلا كما وصفنا سابقا، حيث يكون النصيرية أو الحرورية لا قبل للمجاهدين بهم في موضع ما، فهنالك يُرفع الحرج حتى يزول الخطر الحالّ الواقع، ثم يعود الحكم إلى التحريم الأصلي.

      أمّا عن حال المدعوم،من يتلقى الدعم، فإنه يتوقف على نيته وقصده، وعلى وضعه كما أسلفنا، فإن كان يتلقاه في الحالات التي يُرفع فيها الحرج، فلا بأس عليه، بشرط عدم افتعال تلك الحالات، ولا تعميمها، كما يفعل جيش الرياض (الإسلام) مثلاً، بتوقيع اتفاقيات مع داعمٍ خليجيّ خبيث، هو أصلاً حذا في قدم الغرب.

      وإن كان من يتلقى الدعم من الشكل الأول من الداعمين، كتركيا، فكما أسلفنا، ليس عليهم جناح فيه، بالتمهيد بالقصف التركيّ على النصيرية أو الحرورية أو أيّ صائل آخر.

      أما عن شكل الدعم، فإن الدعم اللوجستي أو المعلوماتي، أو التمهيد بقصف مواقع بشار، ومثل تلك التكتيكات العسكرية، فلا بأس بها، غير أن تكون مالاً سائلا. فالمال السائل يُحْذَر منه، من حيث أن مصارفه فيها شكوك واحتمالات، تجعله مرفوضا سدّا للذريعة.  

      ثم في مسألة "المرتد": فإنه يجب التحقق من تلك الصفة دون إسباغها على كلّ من رأيناه يتعامل من داعم ما. بل يجب استخدام المعايير التي أسلفنا، في تحديد نوع التعامل ومدى شرعيته ومداه. وهذا يقتضي العلم الشرعيّ والواقعي معا، ولا يجوز أن يكون مبنياً على أقوال أفراد من الجند، يتراشقون بردة هذا أو بإسلام ذاك.

      ولا ننسى هنا أن نذكّر بأن حالات  الضرورة تلك، يجب أن يحددها فقيه عالم، يعلم وضع القتال والساحة بتفاصيلها، سواء في الداخل أو الخارج، والأفضل لو وجد مثله بالداخل، وإلا لجأ المجاهدون للخارج لتحديد صفة الحالة التي يمرون بها.

      والله تعالى أعلم وعليه التكلان.

      د طارق عبد الحليم

      25 رمضان 1437 – 30 يونيو 2014


      [1] "رفع الشبهات في موضوع الولاء والبراء" 1&2 : http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-72572 & http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-72573