فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مأساة الغوطة .. وجيش الإسلام

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد

      شهادة: والله لو كنت أعلم أنّ قيادة جيش الإسلام ستراجع نفسها وسياساتها، أو تتراجع عن مواقفها التي سأذكرها، ما كتبت حرفاً حتى لا أكون مشعلا ناراً للفتنة. لكنّ الفتنة أطلّت برأسها وأينعت وأزهرت، وها هي تدور رحى حربٍ ضروس بالفعل في الغوطة، بين جيش "الإسلام" وبين جيش الفسطاط وفيلق الرحمن.

      النفس الداعشي .. النسق الداعشي .. النمط الداعشي .. تلك هي مصيبة جيش الإسلام، قبل أن تكون التمويل السعودي، والدعم السعودي، والفتاوى المُعلّبة السعودية، والتوجيه السعوديّ، عن طريق كعكة وكناكريّ.

      وهذه السمات قد اتضحت للمراقب بعد زيارة قائد الجيش، زهران علوش، رحمه الله، منذ حوالي عام ونصف تقريباً، بعد مكوكيته المعروفة بين السعودية والأردن، وتركيا. حيث بدأ مظهر الاستعلاء والاستقواء في الغوطة، حتى صار أمره أقرب حالاً لإدعاء الدولة من البغدادي أهلكه الله. من تلك السياسات السيطرة على مقدرات الغوطة والمتاجرة بأقوات الناس أيام الحصار، ومنها التهام جميع الفصائل الصغيرة وتجريدهم من السلاح وزجهم بالسجون، ومنها السيطرة على الفعاليات المدنية والاغاثية، كما أنه سيطر على الاعلامين من خلال رابطة اعلامين، ثم استيلاؤه على القضاء، بل ووصل الأمر إلى تدريسه "فقه الإمام المتغلب" في المدارس. وهي، باختصار سياسة إقصاء المخالف وتقييده، بل وانتهى الأمر إلى استحلال دمه وماله.

      لكن أخطرها على الإطلاق هو ما تبناه من نظام أمني للجماعة التي أسماها جيشاً. وهو نظام أقرب ما يكون، إن لم يكن مطابقاً، لما عليه أجهزة الأمن والاستخبارات في الدول الطاغوتية، وشبيهتها في داعش. وتمكّن هذا الجهاز الأمنيّ، الذي بدا ينمو ويتوحش حتى صار بالآلاف العديدة! وصار يتجسس على الفصائل، ومنها النصرة وغيرها، في كلّ دقائق الأمور، ويضيّق على أتباعهما من خلال الحواجز الكثيفة التي مزقت الغوطة إرباً. ولم ينس أحد ذلك التسجيل الذي خرج به علوش يسب شيخين سنيين عالمين، بشكل فاضح لم يتوقعه أحد، غفر الله له.

      ولم يتغير المنهج، في عهد قائد الجيش الجديد، أبو همام، عصام البويضاني، بل استمر وازدادت قبضة الأمن، واتخذوا شبيحة وفاسدين للتعاون معهم. ثم أنشأت بعد ذلك كتيبة اغتيالات، وعليها كثير من قادة الفصائل والعلماء المناهضين لهذا الجيش، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

      وقد كانت حادثتان هما القاصمتان في الغوطة، أولهما قتل العالم السنيّ أبو أحمد عيون، وكان قاضيا مسموع الكلمة مهاب الجانب، ترك القضاء بسبب ممارسات الجيش. وبعدها محاولة اغتيال الشيخ أبو سليمان خالد طفور، القاضي العام الذي تولى بعد الشيخ القاضي أبو أحمد عيون، الذي نجى منها، وقُتل أحد مرافقيه، محروس سليك، وهي كلها أحداث مروية على النت بتفاصيلها.

      وكان أنّ اجتمعت قيادات جيش الفسطاط وفيلق الرحمن، مع فعاليات عديدة من أهالى الغوطة لوضع حدٍ لهذه الممارسات، وطلبوا من جيش الإسلام أن ينزل على حكم الشرع في قضية أبو سليمان ومقتل رفيقه، فأبوا، ثم صاروا يجيّوشون للقتال، بل وهاجموا مقرات الفيلق والاتحاد وخربوها وأفرغوها من محتوياتها. وهو القتال الذي بدأ على أشده منذ أيام، ودخل فيه جيش الإسلام بقوة عجيبة لم تظهر من مقاتليه ولا في صدّ النصيرية، ويستخدم فيها كافة أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة. وبالطبع يسقط قتلى بين الفريقين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

      لحساب من يعمل هذا الجيش؟ ولأي غرض يريد فرض سيطرته على الغوطة، والتعامل مع من فيها من أهالي ومجاهدين معاملة السيسي لشعبه، أو البغدادي لمعتقليه؟ أهي خلافة ثانية نراها في طريق النهوض، كأننا لم ننتهي من بشاعة الأولى؟ ألا يدرك هؤلاء أنهم فصيل من الفصائل، أم أن تبعيتهم للسعودية تمويلا وتوجيها جعلتهم يتكبرون في الأرض بغير الحقّ؟ أيجوز لمسلم أن يكون له قائمة اغتيالات عليها سنيون، مهما كان سبب ذلك إلا أن يكون بحق الله؟ اغتيال الشيخ عيون من قبل، وكلها من أعمال مجموعة تُعرف باسم قائدها أبو سفيان؟ أهذه فتاوى كعكة لمن يدعى جهاداً في سبيل الله؟ ماذا تركنا للحرورية العوادية إذن؟ فلنلتحق بركب خلافتهم الكرتونية إذن.

      نحن لا نريد تجريم أحد في هذه الوقت والصدد، فإن هذا من شأن القضاء، لكن القرائن والدلائل والتساؤلات، وعدم استجابة جيش الإسلام لتشكيل لجنة محايدة، والخضوع لها، يذكرنا بممارسات الحرورية حذو القذة بالقذة، وهو ما لايفعله إلا من خشى عقاباً.

      فالله الله في الغوطة وأهلها، ثم الله الله في الجهاد وأهله، ثم الله الله في ترك صد العدوان على حلب وغيرها والاقتتال فيما بينكم. أفيقوا هداكم الله، أو اهلكوا في الهالكين.

       طارق عبد الحليم        23 رجب 1437 – 30 أبريل 1437