فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      يا من تنادون بالتراص والاصطفاف، والتجمع الثوري..

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد

      كثيرة هي الكلمات المزوقة الملونة المتراصة بعناية، لكن بقياس مغلوط واهم، لتصل بالقارئ إلى معنى هو في ذاته باطل يحمل كلّ خبث. فالكلام، وإن كان قالبا للمعنى، إلا إنه، في كثيرٍ من الأحيان، ما يكون قالبا مزيِّفاً لمقاصدها الأصلية. وقد كان إبليس اللعين هو أول من سنّ هذه السنة في استخدام القياس الباطل فقال "خلقتنى من نار وخلقته من طين"الأعراف 12، وكان احتجاجه على ربه معقولاً في السياق المعوج، الذي لا يضع الأمور كلها، بتفاصيلها في ميزان الحكمة، ليخرج بالنتيجة المرضية الحقة. عبث العقول أسميه.

      وهذا الحديث الدائر، في مصر أساساً، بلد المتناقضات، وفي غيرها على هامش الجهاد، عن التراص والاصطفاف، والتجمع الثوري، أي تجمع القوى الي تريد "الثورة على الظلم"، في صف واحد، هو من قبيل ذلك اللون المزيِّف من الحديث. ذلك القول الذي يُضل العقول والقلوب عن الحق. ذلك الحديث الذي يخرج بمسيرة المؤمنين عن هدفها ويفض بكارتها ويهتك طهارتها، من أجل وهم زيّنوه، وسراب طاردوه، لم يأت به شرع ولا عقل.

      فيا من تنادون بالتراص والاصطفاف، والتجمع الثوري، ماذا تريدون؟ أن تجتمعوا فتضعوا أيديكم بأيد كلّ متردية ونطيحة عقدية، منها من أهان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها من سخر بدينه، ومنها من أعلن ترك شرع الله جانباً، مع تقبيل المصحف ثم وضعه على الرّف؟ 

      يا من تنادون بالتراص والاصطفاف، والتجمع الثوري، ألا تعلمون أن حكم الوسائل في شريعتنا هو حكم المقاصد، سواء بسواء، فلا يتذرع أحد لواجب بمحرم، ومن هنا جاءت قاعدة سدّ الذريعة التي وصفوها بأنها ربع الشريعة. فوسيلتكم في تجميع الصفوف، على تضادها وتناقضها وخلطها، في أحزاب وأحلاف، ليست إلا وسيلة ممنوعة أصلا، تبتغون بها، بزعمكم، الوصول إلى هدف أسمى.. وهيهات هيهات، فمن صادم الشرع صدمه الشرع وأسقطه.

      يا من تنادون بالتراص والاصطفاف، والتجمع الثوري، أين أنتم من الشرع أولاً، الذي يدعو إلى التمسك براية لا إله إلا الله، وحدها، صفية نقية، لا يشوبها شركٌ أبداً، ولا تتخللها بدعة ما أمكن، حتى يضمن الله لأصحابها النصر. يقول تعالى "إن تنصروا الله ينصركم"، أيكون نصره بزفة مختلطة مكونة من أديان شتى، علمانية تفصل الدين عن السياسة، وليبرالية تُرجع حق الإنسان في استعمال نفسه كما يرى، وقومية وحزبية وناصرية، علماء سلطان، وأدعياء سلفية برهاميون، و..و..و إلى آخر هذه الأديان الشتى؟ من أين يكون النصر لهؤلاء؟ من أي قاعدة شرعية، وأي نصّ أو إجماع، أو أية آية أو حديث؟ 

      يا من تنادون بالتراص والاصطفاف، والتجمع الثوري، حين قال تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" فقد ذكر "حبل الله" قبل الاجتماع، فلإلتزام بحبل الله، وهو سنة نبيه وشرعه، مقدّم على الاجتماع بإطلاق. 

      يا من تنادون بالتراص والاصطفاف، والتجمع الثوري ألم تروا أن الشرع الحنيف قد منع من الجمع بين بيع وسلف، في اجتماعهما، رغم أن كل منهما مباح على انفراد، لمنع اللبس والالتباس بينهما، فما بالك بما في احدهما خير والآخر شر، بل بما هو في العقيدة لا المعاملة، ولو شئت فارجع إلى مسألة توارد الأمر والنهي على شيئين(1) ، ففيها الفائدة كلها لمن وعى.

      يا من تنادون بالتراص والاصطفاف، والتجمع الثوري، ما هو مقصود هذا الالتفاف والاصطفاف؟ رفع الظلم وإسقاط النظام؟ ثمّ ماذا؟ تقولون، لا يهم، طالما يزول هذا النظام، ونقول بئسما قدمتم لأنفسكم! أتزيلون مبارك لتأتوا بالسيسي، ثم تزيلون السيسي لتأتوا بمن هو علماني يهدر دينكم، بل ويعتقلكم باسم الديموقراطية الزائفة، التي أوهمكم شيطانكم إنها شورى الإسلام، جهلا بالديموقراطية والشوري جميعا..! لقد والله ولغتم في عبث شرعيّ لا قِبل لكم به، وتصدّيتم لما لستم له بأهل.

      يا من تنادون بالتراص والاصطفاف، والتجمع الثوري، خرج بعض كهانكم البارحة ببيان أسموه "البيان التأسيسي – بيان فبراير" (2)  يدعون فيه إلى "التراص والاصطفاف، والتجمع الثوري"، فبالله عليكم اقرؤوه! ليس فيه كلمة واحدة تدل على أن من كتبه ينتمى لشريعة الإسلام، إلا ما جاء على رأسها من التسمية، التي وُضعت على خجل، ثم أهمل الشرع والدين في كلّ سطر بعدها، ولا آية ولا حديث، ولا قاعدة عامة ولا خاصة، ولا مرجعية شرع، ولو حتى على مذهب المادة الثانية! فوالله لو ما كان في أسماء واضعيها من عبد كذا وكذا لما ميزناها عما ينشر أوباما عن إسلام البيت الأبيض، بل هو إسلام البيت الأبيض بعينه. هؤلاء الذين ينتمون لهذا النهج يستحون من دينهم. هؤلاء يضعون أيديهم في أيدي الشيطان الرجيم ليرفعوا ظلماً بظلم. أليست العلمانية، وفصل الدين عن السياسة والليبرالية والخروج على تعاليم الشرع، والاندساس في الصدر الغربيّ الحنون عليكم، ظلماً، بل قد يكون كفراً في أعلى مناطاته؟ أذلكم الله وأسقطكم من عينه وأعين الناس.

      يا من تنادون بالتراص والاصطفاف، والتجمع الثوري، أي لون من الحكم ستأتون به؟ أحكما مسلماً بشورى الإسلام التي تعتمد وسائل محددة للحكم، أم تسيرون على منهج التميع والمشاركة لا المغالبة فتقبلون بالشراكة بين الإسلام وغيره. ثم، هل تعتقدون أن العلمانية والليبرالية والانبطاحية المتمثلة في الجماعات الإسلامية المنحلة عقديا المتراجعة سياسياً، سوف تسمح لكم ولو بهامش إسلام. أنتم والله إذا في صورة الظمآن، يراه "كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفّاه حسابه"النور 39.  

      يا من تنادون بالتراص والاصطفاف، والتجمع الثوري، بلغ بكم المكر بالدين، والتلاعب بمصادره، جهلا أو عمداً، أن قرنتم بين هذا الهراء الذي تدعون اليه، وبين حلف الفضول، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم " لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت"ابن اسحاق وابن الأثير وغيرهما. فإن هذا الحلف كان قبل الإسلام، قبل نزول الشرائع وإكمال الدين، بينما نحن اليوم قد اكتمل ديننا إلا عند من رأي بعقله أنه لا يحتاج إلى عون الله تعالى، وأنه داهية السياسة! وقد كان منطلق الحلف منطلق أخلاقيّ بحتٌ، لا دخل فيه لعقيدة البتة، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "في الإسلام" أي تحت شريعة الإسلام، أي تحت حكم الإسلام، مع مسلمين يتفقون على حكم الإسلام، لأنّ من الإسلام رفع الظلم، وكافة ما كان في حلف الفضول، ولذلك لم يُنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم حزب فضول، وما منعه، يا عباقرة عصركم؟ أجيب لكم يا أئمة التأويل: لأنه صلى الله عليه وسلم قد أتى للناس بما هوأفضل من حزب الفضول، بالشرع الحنيف، يدعو اليه ويجتمع عليه مع المؤمنين! تُرى، أتكفرون الناس كلهم، وتعتبرون الأرض اليوم في جاهلية عمياء، لا نعرف فيها شرعاً، فنحتاج إلى حزب الفضول.. ؟ أهذا ما تقصدون؟ قفوا على حدٍ معين وبينوا لنا، أأنتم متميعون أم متطرفون؟ 

      يا من تنادون بالتراص والاصطفاف، والتجمع الثوري، أنتم تتبعون عقولكم، وتتركون دينكم وراءكم ظهرياً، فجمعتم أسوأ ما في المعتزلة والمرجئة والخوارج، متميعون متزلفون لا هوية لكم ولا راية، إلا راية عمية، يعلم الله وحده ما تحتها. 

      فليطلع، من في قلبه ذرة باقية من إيمان، على وثيقة تحرير مصر وإعادة هويتها الإسلامية" (3) وليضع إلى جانبها مثل تلك البيانات التي يشرك فيها بين بين شرع الله وشرع الخلق، وليقل، إن كان في قلبه بقية دين، أي الفريقين أحق بالأمن؟ 

      ارجعوا عن غيّكم، وما أقول كلامي هذا إلا من باب "وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ "الأعراف 146.

      د طارق عبد الحليم

      28 فبراير 2016 – 20 جمادي أولى 1437

      1) راجع الموافقات ج3 كتاب الأدلة، باب الأوامر والنواهي المسالة السابعة حتى الثانية عشرة

       https://m.facebook.com/February.declaration/photos/   (2

      a.1009375952442828.1073741828.1009081232472300/1009403352440088/?type=3

       3)  http://tariq-abdelhaleem.net/new/Artical-72945