فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      معركتنا الحقيقية مع العوادية الحرورية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد

      خصمان يتصارعان، ولا يلتقيان إلى يوم البعث، الحق والباطل. ومن طرق باطل العريقة التلبس بالحق، إذ يعلم إنّ له بريق وجاذبية تقع من قلب ابن آدم موقع الفطرة الأولى، فيحاول جاهداً أن يتمثل به، ويستخدم تعبيراته، ويتلو آياته، ويستشهد بأقواله، لكنه باطل لا يحول.

      وكما منّ الله على الناس بالرسالات والأنبياء والكتب، يعيدونهم كلّ فترة إلى الحق، فقد أرشد الله سبحانه الناس، بعد خاتم الرسل، أن يكون فيهم العلماء والهداة، يفضحون الباطل، ينزعون قناعه ويُظهرون خداعه، ويعرّون أتباعه.

      ونحن اليوم نعيش في فترة، وإن كانت ليست الأولى من نوعها في تاريخنا الماضى والمعاصر، اختلك فيها الحق والباطل على جبهات عدّة، وبطرق مختلفة ووسائل متفرقة. فهاجم الباطل الحق على جبهة أدعياء السلفية المدخلية، الذين حسّنوا للناس حكم الطواغيت، وجعلوا الملوك والحكام فوق المسائلة بتأويلات ضالة وشروح مضلة. فكانوا أحذية للسلاطين، ومفسدة للمتبعين.

      كذلك ظهر باطل المرجئة الفاسقين، ممن فصل الدين عن السياسة عمليا وادّعاه نظرياً، كالإخوان ومن جرى مجراهم، فساووا بين الحكم تطبيقا والتشريع تأسيساً، والأول فسق وعصيان والثاني ردة وكفران. ثم اتخذوا السلمية ومتابعة النظم الطاغتية في مذاهبها ووسائلها منهجا.

      وانتفض ريش الاعتزالية المتدثرة بالعلمانية، ولكن لم تنتشر بين العامة لتعقيدها وسخافة منطقها.

      لكن الأخطر على الواقع الإسلاميّ، في المدى القصير على الأقل، هم مبتدعى الحرورية، من حيث أن غيرهم تحدث بالشبهات، وهؤلاء خاضوا في شبهات التكفير، ثم حملوا بها السلام، وجزوا الرقاب وقطعوا الأعناق، وفلقوا الصدور وحرقوا الأجساد. ومن ثم، استحقوا عن جدارة ما أسماهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من إنهم كلاب أهل النار، وأن الواجب قتالهم وقتلهم ابتداءً قتل عاد.

      ولا شك ان اهل السنة مطالبون بحرب تلك الطوائف كلها، لكن الأخطر منها فالخطِر. وقد حاربنا الفكر الإرجائي الإخواني عقوداً، وكتبنا فيه مجلدات، وكذلك فضحنا السلفية البدعية الجامية المدخلية، في كثير من المقالات، وأفرجنا لهم كتاباً خاصاً. كما فضحنا المعتزلة والعلمانية، في أبحاث عديدة.

      وقد ظهرت محنة الشام، فألقت الضوء مجددا علي مصيبة الحرورية، بعد انحسار شيطانها منذ مصطفي شكري في السبعينيات، والزوابري في الثمانينات، حتى خرج دجالهم الأكبر وشيطانهم الأمكر إبراهيم ابن عواد.

      والخطر الحقيقيّ من هؤلاء المارقة ليس على الأرض، فهم مهزومون مندحرون لا محالة، حيث بدأ العدّ التنازلي لوجودهم كجماعة متماسكة، بعد الدكّ الروسي الفرنسي. وبعد أن انتبهت الفصائل إلى خطرهم وضلالهم وخداعهم، فبدؤوا في قتالهم وتحرير مناطق سيطرتهم.

      لكن المواجهة الحقيقية مع الحرورية، لن تنتهي بانتهاء وجودها كجماعة، كما استمر الفكر الحروري فترة بعد مصطفي شكري، حيث فرّ حاملوه إلى اليمن ونشروه ما استطاعوا وقتها. فإن البدع فكر منحف، والفكر لا يموت بموت أصحابه، صحيحا أو منحرفاً. الفرق هو أن حياة الفكر المنحرف تكون قصيرة وضعيفة. ومن هنا وجب مهاجمتها في أوان ضعف قاعدتها على الأرض.

      فكر التكفير بالعمومات، والتسور على الإفتاء، وتحقير العلماء، والغضّ من قيمة العلم، وتخريب معنى العلم والعالِم، والتواء بعارض الجهل في العقائد وخلطه مع الجهل في المعاملات والعبادات، كله فكرٌ يجب العمل على القضاء عليه وبيان خطئه علمياً.

      كذلك من الواجب أن يقوم من له دراية بالسياسة الشرعية والعالمية أن يبيّن ما يحدث على المسرح العالمي، ويربط الأحداث ببعضها، لتكون ذات معنى متناسق وهدف واضح، فالسياسة العالمية ليست عشوائة كما يظن ضعاف العقول.

      ومثال ذلك، ماذا يعنى أن أمريكا، رغم قدرتها على محو تنظيم العوادية في أيام، كما صرّح الكلب العبد أوباما منذ أيام، بعدما ظل كل تلك الفترة يتحدث عن قوة التنظيم وأنه يحتاج إلى ثلاث سنوات على الأقل للقضاء عليه، وما معنى أن الطيران الأمريكيّ لم يضرب أهدافاً حقيقية في الرقة وغيرها، كما فعل الروس والفرنسيين، رغم تطوره الأسبق في تكنولوجيا التجسس من الجو؟ أسئلة إجابتها تتسق مع الوضع السياسي على الأرض، وهو أنّ أمريكا أرادت إبقاء داعش لعدة أسباب، منها إعانتها على قتل المجاهدين وتفكيك القاعدة وهدم التنظيمات وتشتيت الألوية، كما صرح خائنهم الأكبر، ربيب أوباما، طه حمام. ومنها ضمان التقسيم وحصر بشار والنصيرية ومن ورائهم الروافض المجوس في مناطق محددة. فكان تصرفها، حتى ضربات باريس، كتقليم أظافر منها لإزالة أو حسم. مثل هذا التحليل هو ما يحتاج الشباب ممن لديه القدرة على الربط بين السياسي والعسكريّ.

      والعدو الأكبر في مواجهة الفكر الحروري يكمن في أنّ الأقوال التي تلوثت بها، قد تشربتها على جهل تام بغيرها، فكانت لها كالحبيب الأّول! لا تنساه، وإن كان شيطاناً.

      الواجب اليوم على علماء الأمة ومشايخها أن يركزوا جهودهم على أمرين، أولهما توجيه الفصائل كلها إلى التركيز على قتال الحرورية أولاً، وإخراجهم من مناطق سيطرتهم لتكون مناطق سنة حين يحين حين سقوط بشار، وأن يبدؤوا في حملات توعية واسعة الأفق، لا في مهاجمة أفعال العوادية، بل في كشف موارد انحرافهم ومواطن اختلال منهجهم، فضحا لهم وتثبيتا لشباب السنة في آن واحد.

      د طارق عبد الحليم

      23 نوفمبر 2015 – 11 صفر 1437